اللجنة الدستورية ودخانها الرمادي

أحمد محمود 
الدستور هو تماما كالأوكسجين للمريض المصاب بداءٍ ريئوي. بمعنى توافر كافة الظروف الصحّية لخلق بيئة سليمة تساعد على الشفاء المرجو، من هنا نستطيع تبيان الحالة التي سيكون عليها طبخ دستور جديد أو إصلاح الطبخة القديمة وهو الأرجح كما وصل لمسامعنا. بالرجوع قليلا إلى قبل إعلان السيد غوتيريش بالوصول إلى تشكيل اللجنة الدستورية نجد الموافقة على الأشخاص ممثلي اللجنة استغرقت سنتين وهي مدة طويلة وخاصة إذا ما علمنا أن الخلاف لم يكون سوى على بعض الأسماء وهو خلاف اختلاقي غايته مدركة وهي عدم قبول النظام السوري أصلاً بهذه الطبخة لا شكلا ولا مضموناً ولكنه (مجبر لروسيا لا بطل) . هذا من ناحية أما من ناحية أخرى نرى أن روسيا وتركيا وإيران مشتركون في هم حيثيات المواد التي سيتألف منها الدستور وكلٌ حسب مصالحه ورؤياه. 
روسيا تنظر لبعيد وهو تواجدها إلى أجل غير مسمى في المنطقة بحكم تنافسها مع الأمريكان واستمراراً لصلاحية الصفقات التي عقدتها مع النظام السوري من تحت الطاولة. أما تركيا متخوفة جدا من إيجاد أي منطقة كُردية أو بصبغة كُردية على تخومها وظهر ذلك جليا من اصرارها على إقامة المنطقة الأمنة (العازلة). اما إيران فبالإضافة لكونها كانت خزانا من الميلشيات المسلحة كانت أيضا بنكاً تحت أمر النظام لأن سقوطه يعني فقدان تلك المساحة الشاسعة من سوريا ولبنان ذاك الملعب الجوكر الذي تستخدمه في تطلعاتها الامتدادية وصراعها (المفتعل ) مع إسرائيل وأمريكا .من هنا نجد أن الاصرار على إيجاد  دستور لسوريا  وهو من سلة حل المشكلة السورية  والتي تتضمن أيضا فرض لأمن والسلام وحكومة انتقالية وبرلمان  وعلى رأس كل ذلك شكل الدولة السورية  ، بمعنى أنه تم القفز فوق  بنود أكثر أهمية من وضع الدستور بشأن مسألة الحل في سوريا وذلك وفق المحدثات والتطورات في الواقع السوري وتأتي في مقدمات تلك المتغيرات وأُسها ارتهان الشأن السوري لغير السوريين نظاماً ومعارضة للأسف . أما ما بعد إعلان اللجنة الدستورية بقوامها المائة والخمسون فسنجد مراثوناٌ من نوع أخر طبعا إذا ما ظهرت هناك أفعالٌ مساعية كلغمٍ موقوتة تنسف الأمر برمته، يعنى جولات من الاتفاق على الألية والترتيبات وأماكن انعقاد الجولات هذا بالإضافة للتباين الواضح بين الأعضاء المائة والخمسون من ناحية التطلعات والأجندات والاختلافات الفكرية التي وكما أعتقد هي الألغام الموقوتة بالإضافة لمدى كفاءة هؤلاء السادة لوضع دستورٍ لدولة جديدة.
 بالمحصلة نرى دخانا رماديا متصاعدا حتى الآن على الأقل من مدخنة الأمم المتحدة لننتظر ربما نجد حنينا قد عاد حتى بدون سرواله.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…