ابراهيم محمود
هي حرب كانت تركيا وليدها التاريخي المشوه. حرب تركية، لا تركيةَ دونها وجوداً. لم تكن لتركية قامة، أو علامة حضور لولا فتنة الحرب التي تتنفس بها، وتنام وتصحو عليها. تأكل تركيا حرباً، كي تطرح ضحايا من بشر وثمر وبهائم وحجر، تشرب تركياً حرباً ، كي تلفظ عبر شدقييها الدمويين، دماء، ميتات تترى. ليس لتركيا تاريخ، دون حرب تسميها. ليس لتركيا مقام، دون ارتداء لباس الحرب، وخوذة الحرب المسننة، ومخالب الحرب المعقوفة.
حرب تركية بالحرف، بالفعل والاسم، هي بنية تركيا التي كانت حصاد العصر العشريني بالأمس، هي هويتها المثقَلة بالآثام، سليلة من ظهروا إلى الوجود ببصمات حروب .
تعيش تركيا حرباً، كي تعلِم من حولها أنها مؤهلة لتنسل حروباً. ليس لتركيا أن توقف حربها ضد هذه الجهة أو تلك، هذا الشعب أو ذاك، لتؤكد أنها الشعب الذي لا نظير له، رغم أن ليس من شعب فعلي بهذا الاسم، ولكنها قانون الحرب التركية، وهوية الحرب التركية، وجغرافية الحرب التركية المدماة، المنزوعة من شعوب أخرى، وتاريخ الحرب التركية التي لا حدود لشهوتها في النيل من الآخرين، حرب ليس في وسع نفسها إيقافها، وقد أدمنتها قلباً وقالباً .
هي ذي الحرب التركية التي تلد حروباً. بين حرب تركية وأخرى، ثمة حرب تعَدُّ، وحرب قيد التفكير، وحرب في هذه الجهة أو تلك. حرب على أي كان، وإلا ستكون حربها على نفسها. بذلك تستولد تركيا حروباً لا أسماء محددة لها، دون ذلك يستحيل فهم تركيا هذه. حروب بالجملة، مستطيلة، مربعة، خارج التسميات، بأسماء لا تحصى، دينية، قومية، اجتماعية، مذهبية، المهم هو أنها حرب متعهدة تركياً. حرب كما هو المعهود في الذاكرة التركية القديمة والحديثة، مركبة، ومجرثمة، ومعدية، معاهدة كل منتم إليها، أنها باقية ما بقيت تركيا، ليس من استثناء ليكون عجينة هذه الحرب، لقمتها السائذة، كردياً أو غير كردي. حرب أوجدت تركيا، وحرب لا بد أن تأتي لتنيها وتفنيها. كما هو فقه الحرب يقيناً ..