إبراهيم محمود
ما أقرب الحروب، بتدرجاتها، تلك التي تدور حول دار الكردي وفي عقر دار الكردي، بين الكردي وأخيه الكردي، وعلى الاثنين معاً إلى حقيقة لحمه دون لحم الآخرين كثيراً. لحم الكردي الذي يُعرَض بتمامه في وعلى حدوده اللاحدود، نذوراً للآخرين، يعرَض في عرصات الآخرين المفتوحة، على كلاليب تواريخهم، وفي عراء شهواتهم. اللحم الكردي المشبَع بالدم الأحمر الفاتح، مخصَّب بأكثر من فيتامين قوة لسواه، وهو ينقسم على نفسه كثيراً، ويقدَّم على موائد الآخرين، ويصعب توحده وبروزه لحماً مراً، صعباً هضمه، أو الاقتراب منه.
مباحٌ هو اللحم الكردي، وهو في عري مشهده، لا شيء يقيه التلوث بالهواء المكربن والذي يهبُّ من جهات آخرين، يتلمظون برؤيته ملبَّساً، أو ذا رائحة تثير شهيات أولئك، في الإجهاز عليه، أو في التصرف به، طالما أنه أعدِم في ذاته ما يخرجه عن صنفية اللحم الرخيص، عن العرض في بازارات القوى العظمى وتلك التي تليها درجة، والتي التي تتبع هذه وتلك، ولكل منها حصة من هذا اللحم الملحَّم والمشحَّم، وفي غمرة هذا الانشغال المحلي، الإقليمي، الدولي، بمزايا اللحم الكردي، وسهولة لمسه، والتصرف به مطبوخاً، بطرق شتى، على نار متَع الآخرين، ما أقرب هذا اللحم إلى غياب هويته الوجهية، إلى عطب ذاكرته. ليس للحم الرخيص، المرخص ذاكرة تمنحه إمكانية التحرك في رداء أو كساء. ليس للحم الذي يفتقد هيئة جسدية، اللسان الجدير بتمثيله عموماً، والدفع بكل مسكون بالافتراس أو النهش أو التمزيق، إلى البعيد البعيد .
وليس ما يجري الآن، وما كان يجري قبل الآن، وما يمكن أن يجري بعد الآخرن، حيث ينفتح الزمان الكردي أمام أزمنة الآخرين، وأمكنتهم، مطلقاً روائح استقطاب لهم، لنزواتهم، أو لكل ما يشتهونه في بنية هذا اللحم الذي يتباهى بقابليته للتكاثر والانتشار، دون أن يسالئل نفسه في وحدة معتبَرة، ما حكمة الكثرة، إذا كان النوع منزوع القيمة، ليتساوي اللحم في مجموعه: اللحم الذكري، كاللحم الأنثوي، لحم الكبير كلحم الصغير، مملح، متبل، طازج، حاضر، جاهز للهضم لحظة اندفاع رغبة دموية لدى أعدائهم من جنسيات شتى .
ليس للحم الكردي اعتبار في ميزان الصرف اللحمي الدولي، طالما أن حامله، أو العائد إليه، يتقدم به رخيصاً، وباسم كرم ضيافة من نوع خاص.
وستبقى حروب الآخرين، كما هي الحرب الأردوغانية وخلافها قائمة، طالما أن هذا اللحم يباع رخيصاً، أو يتقرَّب به على حدود ليست لكرده، وأسير القسمة وليس الجمع الضام له.
سيبقى هذا اللحم بدمه الساخن، رخيصاً، طالما أنه يعيش عرياً ذاتياً، يطرب به الآخرين….!