إبراهيم اليوسف
على امتداد السنوات الثماني الماضية، من عمر الثورة السورية، خَبر السوريون سايكولوجيا بشار الأسد جيداً، وباتوا يعرفونه أكثر، على ضوء حجم العقد التي يعيشها، إذ إنه يصدق نفسه رئيس جمهورية متمايز عن السوريين، من دون أن يعرف أنه حتى الآن، لا يمتلك في شخصيته مقومات أي رئيس مخفر، وأن كل ما يدور لصالحه إنما هو نتيجة تدابير فرق كثيرة، بعضها سوري، وبعضها أجنبي، ولعل من تابع موقفه فيما يتعلق بالشأن الكردي- ماعدا رأيه في الأول من أيار2004- عقب انتفاضة قامشلو، والذي جاء نتيجة عظمة الانتفاضة، وصدمته ونظامه بكسر الكرد جدار الخوف، لأول مرة، في سوريا، لاسيما بعد إسقاطهم تماثيله وأبيه، إلا أنه قبل ذلك، وبعده، كان ذا موقف جد سلبي من الكرد،
إذ إنه خلال إحدى عشرة سنة من حكمه، في مرحلة ما قبل الثورة لم يعد الجنسية السورية لمن سحبت منهم، إلا بعد بدء الثورة، ولقد حدثني بعض من كانوا في موفد المثقفين الذين التقوه بعيد الثورة السورية2011 بأنه لم يطمئنهم بأي وعد لصالح الكرد، وليت أحد هؤلاء يكتب لنا ملخص ذلك اللقاء!
هذا التمترس في قوقعة التمايز عن الآخر، هو نتاج حالة فصام استعلائي، بحق السوريين جميعاً، وليس الكرد وحدهم، يضعه في خانة هؤلاء الذين يرون في تقديم أي تنازل مع المختلف معهم- حتى وإن كان الأمر يتعلق بما ينبغي أن يكون مؤتمناً عليه، وهو رئاسة البلد، التي تعد مهمة، ضمن شروط مختلفة، كما مهمة أي موظف، لاسيما بعد سحبها من قبل من أولوه الثقة، ولذلك فإننا لنجد أن هذا النظام لم يستسلم عبر السنوات الماضية، خلال الحوارات الدولية: جنيف- سوتشي إلخ، قيد أنملة لصالح مطالب السوريين، وهو ما أطال من أمد الحرب. حرب النظام على السوريين، وهو نفسه ما تكرر مع رؤية النظام للكرد على أساس اعتبارهم مواطنين عرباً كرداً، أو كرداً عرباً، في أحسن الأحوال.
من هنا، فإن ما يروج عن اتفاق عسكري بين النظام وقسد، وبرعاية روسية في حميميم، يبقى ضبابياً، مالم يطلع مواطننا على مضمون هذا الاتفاق، و ما لم يؤخذ رأيه، وهو ما لم ولن يتم، وإن كان مقاتلو قسد، وبمختلف أسمائهم، وتصنيفاتهم، كما البيشمركة، قد أعطوا صورة مبهرة عن أنفسهم، وكردهم، لما حققوه من بطولات عظمى، دفاعاً عن العالم كله، عندما هزموا تنظيماً ما بعد وحشي هو: داعش، الذي أدخل الرعب والهلع في قلوب أحرار البشرية، إلا أنه لا يمكن تجاهل حجم المهارة العسكرية التي يمتلكها الاتحاد الديمقراطي، أمام ضعف قوة النظام الذي استنفد كل طاقاته، وما استقدامه إلى المنطقة إلا لداع رمزي، لقطع حجة تركيا، بعكس ما يروج له بعض أنصار أردوغان، والمعادين للكردي، بالرغم من كل تراث تفانيه في سبيل الآخر، والارتماء في حضن الغازي التركي، بكل تاريخه البشع، ضد مكونات الدولة العثمانية المنقرضة، ومن بينهم: أبناء منطقتنا جميعاً، على تعدد واختلاف هوياتهم..!
وإذا كان النظام قد استطاع أن يبتعد عن هذه المنطقة أمام قوة استطاعت إدارة ثلثي سوريا، وهزمت داعش، وسواه من القوات الراديكالية، بغض الموقف من استبدادها- فإنها كانت مؤهلة حتى للسيطرة على سوريا كاملة، وهو كلام قد يرى وكأنه مبالغ، فإن هذه القوة التي سيطرت على المكان لا يمكن أن تقصى، إلا في أذهان صناع الوهم، في الوقت الذي يرى النظام أنه بصدد استعادة سلطة أجرها لسواه، وها هو بصدد تسريحه، الأمر الذي لا يمكن أن يستقيم!؟
أمام هذا الواقع الصعب: وجود قوات النظام، إلى جانب قوات قسد، وبعض تشكيلاته الأخرى، بمسمياتها، في مناطق تواجد الكرد، لا يمكن أن يكون حلاً نهائياً لما هو قائم، أو لما تم في المنطقة: عشرات الآلاف من الموظفين، والإداريين، بل التقاء قطبين متنافرين. قطب هو النظام الذي لا يمكن أن يعاد تأهيله، لاسيما في مكان تمت فيه الاستعانة به، كمنقذ، في مواجهة قوة أخرى، دأبت على صلفها، بما لا يقل عن قوة النظام، وهذا ما يرمي بالمنطقة في أوار أخطار أشد، لأن أية مواجهات بين هاتين القوتين ستشعل فتنة كبرى. فتنة ٌكلُّ مقومات اشتعال وطيسها حاضرة، بسبب الثقافة التي صنعها النظام، عبر عقود، بل نتيجة وهم لدى بعضهم: إنه وطننا والكرد ضيوف غرباء، وهوما يردد على ألسنة مثقفين عنصريين، في الوقت الذي يمكن رفع كل ما يدعو إلى الخلاف بين المكونات، باعتبار كلهم شركاء في مكانهم. هذه الثقافة التي لم تؤصل، من قبل، نتيجة تدجين النظام لشارعه.
ليس لنا، إذاً، سوى حكمة أبناء المكان أنفسهم، خارج حالات الاحتقان التي تشكلت لدى أوساط واسعة من المواطنين، خلال سنوات الحرب، والضخ الإعلامي، من قبل النظام والمعارضة، في آن، إذ كان إعلان النظام، عن عودته إلى قامشلي، من وسط المدينة، استغلالاً للضوء الأخضر الروسي، ووفق وبعيد وساطات مستميتة، ديكورية، وتحت حماية الإدارة الذاتية، محاولة لإشعال الفتنة، بالرغم من أن إعلانهم ذاك كان مرخصاً له من السلطة القائمة التي كانت تنشغل بلعق جراحاتها، نتيجة مؤامرة كبرى، لولاها، ما كان لجموع “السبع بحرات” ومذيعهم، أن يلتقوا، هناك، وييشعلوا أوار الفتنة، كما الأولى التي شكلها أحد أعضاء القيادة القطرية وهو اللواء ياسر الشوفي الذي دخل المدينة- في أوائل أيلول 2018 برخصة من الإدارة الذاتية وراح يستعدي عليها، في أحد المعابد، ليشعل فتنة محلية، مستغلاً ونظامه خطأ استراتيجياً وقعت فيه الإدارة الذاتية آنذاك، في ما يتعلق بمدارس الكنيسة!