ملحمة سري كانيي/ رأس العين العظمى

إبراهيم اليوسف

 
ثمة ما يكاد يشبه المعجزة هذا الذي يصنعه أبطالنا السوريون، تحت اسم- قسد- في مواجهة آلة هولاكو العصر، وزبانيته من مرتزقة عدد من الفصائل المجرمة، بمختلفي التسميات الذين يقودهم المسخ سليم إدريس، وزير الإجرام في الحكومة المؤقتة. تلك الحكومة التي لا تضم إلا طيفاً ممن رضيت عنهم تركيا، أخواناً، وأشباههم، إذ إن ما يجمع كل تلك الفصائل هو أنها تنقلت بين أحضان ممولين عدة، وهوما التقطته تركيا، لتمارس عليهم حصاراً رهيباً، من الجهات كلها: الاقتصادية، والأمنية، كما يمارس-عادة- مع كلاب الصيد، التي تحاصر في أقفاص خاصة، ويتم تجويعها، إلى أن تستسلم لمدربها، وولي نعمتها، فتأتمر بأوامره!
استمعت إلى مارواه لي عدد من الأصدقاء المحايدين، المطلعين، عن قرب، على سير الأحداث، وهم من أبناء سري كانيي، المهجرين، عنوة، وإن كنت أعتبر أن لا كردي محايداً، أمام المذبحة. المحرقة. المجزرة، المفتوحة التي تجري بحق شعبنا، كأحد أشكال الجينوسايد الرهيبة، بعد أن استحصل أردوغان على رخصة أممية، لممارسة جريمته، ولم لا؟ مادامت وجبة عفرين- صعبة الهضم-  قد سلست له، بموجب توقيع المتواطئين بتسهيل احتلالها، ومن بينهم رأس النظام الذي ينطبق عليه ما قاله الشاعر العراقي مظفر النواب عن الديوثين!
مارواه لي هؤلاء، ومن خلال أسماء شخوص، معروفين في وسطهم، ومن بيئة معروفة على نطاقنا: عرباً، كرداً، مسيحيين، بطوائفهم، ومن بينهم: أرمن، إذ كان هناك ما يذكر بالبطولات الأسطورية التي يحققها أنصاف الآلهة في ما نمتلك من تراث، أو في ما وصلنا من الملاحم الغنائية، والقصصية، لدى بعض أمم الأرض، وهو ما قد يبدو في إطار صناعة اللغة، في نظر من لايريد للكردي إلا الغياب عن مسرح الكرة الأرضية، كما خطط لذلك، من لدن واضعي الخرائط، ممن انضوى الكردي تحت لوائه، أو من يعد الآن عالماً حراً، مزق خريطته بين بلدان عدة،  ما رواه هؤلاء لي، يمضي بالمستمع بعيداً إلى عالم السحر، أو السرد السحري، إذ كيف يمكن لهؤلاء البواسل، الشجعان أن يواجهوا غل أمم الأرض، من خلال ممثل له، هو الأكثر عداء للحياة، و يستخدم كل السلاح المحرم دولياً، والما بعد مابعد حداثي، في مواجهة بشر ليس لهم من قوة إلا إرادتهم الحديدية التي رعت العالم، طويلاً، وأسهمت في صنع كيانات لها خرائطها، ونست في تلك الغمرة خريطتها، لأنها استغرقت في حب من عاشت معهم، قبل أن تكرر اكتشافها، مرة تلو أخرى، أن  هؤلاء، أجمعين، إنما يخططون لمحو أثره من مشهد الكون!؟
فلول مقاتلة، مهيأة،  بأكثر ما أمكن، عدة وعتاداً وعدداً، سلاحها ثقافة البغضاء التي نشأت عليها، وكان من نتاجها: داعش ذاته، ها هو لسان حالها، يقول: لابد من أن يسمح لنا بقطع رؤوسهم، بل ثمة  إعلامي ظهر في وعيد سابق ضد الكردي وهو يحمل الساطور والسيف، بحسب صورة منشورة، من دون أن ننسى رجل الدين الذي ينزل عليه وحي فتاوى القتل، كاذباً على لسان رسولٍ وإله، في خدمة حاكم مجرم، ومن دون أن ننسى المغني الذي يستعين به الحاكم، وهو يكمل له طقوس” نبع الدم الكردي” أو نبع الدم السوري”،  في حاولة مستميتة لاحتلال مدينة مفرغة من أهلها، في إطار تفريغ مدن: مافوق الخط، وما تحت الخط، من كردستان، إلا أن كل هؤلاء يندحرون، كما يقول أحد قادة المرتزقة مشتكياً في فيديو: كلهم هربوا، وبقينا عشرين مقاتلاً، فحسب!
أية عَظَمة، أية مرجلة، أية بسالة، أية شجاعة، أية أساطير يصنعها المقاتل القسدي، المسدي، إزاء عالم كامل، إزاء جيش كبير، هو رابع جيش في العالم، ما يدعو الرئيس المنهزم أردوغان ليأمر مدافعه، ودباباته، وطائراته، كي تصبب حمم النار على هؤلاء المقاتلين، المرابضين، على خطوط النار. هؤلاء الذين كذبوا أكثر من مرة، آلة إعلام أردوغان التي ادعت باحتلال سري كانيي/ رأس العين، قائلين، ببساطة الثوار: أيها العالم ها نحن، الآن، في وسط سري كانيي.
 
مايقوم به أردوغان، ليس من أضغاث أحلامه فقط، إلا أنه نتاج التقائها بمثيلاتها من أضغاث أحلام الرئيس المخلوع بشار الأسد، الذي يروم تشديد قبضته على مكاننا، بعد أن غادره، في أول الحرب، وما كان لأضغاث أحلام هذا وذاك أن تترجم تحركاً ضد المكان، لولا دياثة روسيا بوتين. مهرج موسكو، التي نشدنا لها، في يوم ما، فاحتلها مجرم سفاح، أفاك، إلى أن أقنعوا مجنون البيت الأبيض، الرئيس الهوليودي، المستقدم من كبريهات أمريكا، ليقول من قدموه للعالم بحقه: هذا من يليق بعصر مابعد الحداثة!

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

في الثامن من كانون الأول/ديسمبر، نحتفل مع الشعب السوري بمختلف أطيافه بالذكرى الأولى لتحرير سوريا من نير الاستبداد والديكتاتورية، وانعتاقها من قبضة نظام البعث الأسدي الذي شكّل لعقود طويلة نموذجاً غير مسبوق في القمع والفساد والمحسوبية، وحوّل البلاد إلى مزرعة عائلية، ومقبرة جماعية، وسجن مفتوح، وأخرجها من سياقها التاريخي والجغرافي والسياسي، لتغدو دولة منبوذة إقليمياً ودولياً، وراعية للإرهاب. وبعد مرور…

إبراهيم اليوسف ها هي سنة كاملة قد مرّت، على سقوط نظام البعث والأسد. تماماً، منذ تلك الليلة التي انفجر فيها الفرح السوري دفعة واحدة، الفرح الذي بدا كأنه خرج من قاع صدور أُنهكت حتى آخر شهقة ونبضة، إذ انفتحت الشوارع والبيوت والوجوه على إحساس واحد، إحساس أن لحظة القهر الداخلي الذي دام دهوراً قد تهاوت، وأن جسداً هزيلاً اسمه الاستبداد…

صلاح عمر في الرابع من كانون الأول 2025، لم يكن ما جرى تحت قبّة البرلمان التركي مجرّد جلسة عادية، ولا عرضًا سياسيًا بروتوكوليًا عابرًا. كان يومًا ثقيلاً في الذاكرة الكردية، يومًا قدّمت فيه وثيقة سياسية باردة في ظاهرها، ملتهبة في جوهرها، تُمهّد – بلا مواربة – لمرحلة جديدة عنوانها: تصفية القضية الكردية باسم “السلام”. التقرير الرسمي الذي قدّمه رئيس البرلمان…

م. أحمد زيبار تبدو القضية الكردية في تركيا اليوم كأنها تقف على حافة زمن جديد، لكنها تحمل على كتفيها ثقل قرن كامل من الإقصاء وتكرار الأخطاء ذاتها. بالنسبة للكرد، ليست العلاقة مع الدولة علاقة عابرة بين شعب وحكومة، بل علاقة مع مشروع دولة تأسست من دونهم، وغالباً ضدّهم، فكانت الهوة منذ البداية أعمق من أن تُردم بخطابات أو وعود ظرفية….