عصام محمد جميل مروة*
يجب قبل البدأ في البحث حول الأسباب الأولية للعملية الإرهابية التي تنفذها الأن قوات تركيا في شرق شمال سوريا ضد اخر القواعد والأمكنة الأمنة للأحزاب الكردية التي عانت ظلم الأنظمة كافة في كل من تركيا والعراق وإيران وسوريا
عملية ” نبع السلام ” تلك الدائرة الان ما هي إلا اضواء خضراء قد نالت قبل كل شيئ موافقة الإدارة الامريكية، وكل من روسيا وإيران والنظام السوري والنظام العراقي، منذ شهور عندما اكد دونالد ترامب عن سحب قواتهِ العسكرية من الحدود الشمالية الشرقية حيث تتواجد الأحزاب الكردية التي ناضلت من اجل البقاء مكانها،
برغم ضراوة الهجمات التي قامت بها قوات داعش داخل المنطقة التي يتكون معظم سكانها من “الأكراد والأزيديين” الذين عانوا الاضطهاد بعدما حكمت منظمة داعش واخواتها بالحديد والنار ، فارضةً “قانون وشريعة ألغاب ” على السكان الأصليين الذين يرابطون بوطنهم السوري والعراقي على حد سواء ؟ اتى ذلك بعد انحصار قوات داعش في تلك البقعة المنسية من الجميع بعد ما تمكنت داعش في إمساكها وسيطرتها على موارد النفط الحدودية.
ان عملية نبع السلام تلك قد تكون اخر المراحل التي تُبدي القوات التركية الظلامية في ضرب القوات للأحزاب الكردية المتجمعة في المنطقة المعنية في كل مدن وقرى الأكراد ، من الشرق الشمالي السوري من مدينتي “القامشلي والحسكة “وبعض القري الحدودية مباشرة في ” اقليم كوباني و تل ابيض ورأس العين”.
ان عمليات التطهير العرقي الخطير الذي تستخدمه القوات التركية الغازية للمناطق اياها حيث تقوم الوحدات الغازية بإستخدام اعتى وأشرس وأعنف واقوى السلاح الفتاك ضد السكان الأمنين الذين يسكنون المناطق النائية، وتتعرض كذلك المخيمات الكردية الي قصف مباشر من سلاح الجو التركي المزود بأحدث التكنولوجيا الممنوحة من “حلف الناتو”، المتواجد على الاراضي التركية منذ عقود.
٣٠ مليون كردي يتوزعون ما بين جبال العراق وحدود تركيا وإيران وشمال وشرق سوريا يتعرضون للإبادة الجماعية وليس ذلك بجديداً اذا ما عدنا قليلاً الي الوراء حيثُ حاولت كل الدول الأربعة تلك اثناء تقاطع المصالح مع بعضها البعض في إستخدام الورقة الكردية كالخاصرة الرخوة يتناقلون في التفنن بالإنقضاض عليها ساعة يشاؤون ورفضهم رفضاً حاسماً لإقامة دولة كردية او حتى حكم ذاتي.
مثلاً الإبادة لعشرات الألاف من العائلات الكردية من قبل النظام العراقي اثناء فترة حكم صدام حسين بعد او حتى خلال الحرب العراقية الإيرانية “١٩٨١-١٩٨٨” قد تم إحصاء ثمانية آلاف من ابناء قرية “حلبجة ” بعد ما اعلن ضباط صدام حسين عن إسقاط المؤامرة ضد النظام من افقر منطقة شبه معدومة معظم سكانها من النساء والأطفال والشيوخ، “وعلي المجيد الملقب بالكيماوي”، اشهر من سيف على علم.
اما في تركيا نفسها كان ومازال الاكراد يُعتبرون خارجون عن القانون التركي ولا يتمتعون بالمواطنة مع العلم ان ما يقارب العشرات من نواب الشعب الكردي داخل البرلمان إلا انهم يُزجون في السجون والمعتقلات فقط لأنهم يتحدثون “لغة الام الكردية” المحظورة في المناطق العامة على كافة الاراضي التركية.
كما ان ايران لها تاريخ حافل بالمجازر ضد الأكراد منذ عهود حتى ما قبل الثورة الاسلامية الحاكمة حاليا ً، كان “مصطفي البرزاني” يصارع في طهران حيث ممنوع على الأحزاب الكردية ممارسة حقها وتمثيلها لشريحة كبرى للأكراد الذين ناضلوا طويلا ً لكى يتعايشوا مع الامر الواقع لكنهم يصطدمون دائما ويُتهمون بأنهم خارجون عن واقعهم كضيوف لا اكثر.
ولم تكن سوريا مميزة في تأييدها للقضية الكردية بل اكثر من ذلك كان النظام السوري اثناء حكم الأسدين “الاب حافظ والابن بشار” ، يتعامل مع الحركات والمنظمات الكردية الوافدة من تركيا ومن العراق ومن ايران بما يتناسب مع مصالح النظام .وقضية “عبدالله اوجلان” أمين عام حزب العمال الكردستاني المحكوم عليه في سجون تركيا، قد تم تدريبه في “سوريا وفي البقاع اللبناني “بعد ذلك عندما أُلقي القبض عليه وتم إعتقالهِ من جانب المخابرات الامريكية بالتعاون مع المخابرات السورية تم تسليمه الى المخابرات التركية حسب تقاطع المصالح أنذاك.
ان السلطان التركي “الظالم والحاكم والجبار والقاتل والعنصري ” يستغل دائماً كافة الحجج من اجل البقاء في سلطةٍ متداولة ومعروفة للجميع في الإنتقام حتى من اقرب المقربين وتلك الطرق من الهيمنة على الحكم عريقة منذُ الامبراطورية العثمانية التي لم يعرفها أحداً على الإطلاق الا ويدلُ بالسبابة عن قتل الأخ لأخيه والتصفية الجسدية والخسيسة للخصوم مدونة ومعروفة ومن إبتكاراتها الخطيرة في اسلوبها “السخرة” “الخازوق أشهرها “مهما كانت الظروف.
منذ السلطان “سليم الاول” الى سلطان انقرة وإسطنبول اليوم لم يتغير شيئاً في الأسلوب سوى الإستقواء على الضعيف ها هو “رجب طيب اردوغان” الذي يتخفي بحزبه “العدالة والتنمية” الذي هو فعلاً مرادفاً لتنظيم “”الاخوان المسلمين”” المحظور.
اذاً كيف نستطيع ان نأمن على حياتنا تحت ظل حاكم من نوع اردوغان الذي إستغل ورقة الإنقلاب منذ أعوام ضارباً بعرض الحائط كل الوسائل الديموقراطية كما يعلم الجميع عندما زُجّ في السجون اكثر من “ستين الفاً ” مما يعتقد انهم مشبوهون في تعاونهم مع “فتح الله غولن “، المقيم في الولايات المتحدة الامريكية وهو المحرض المتهم الاول اثناء فترة الإنقلاب.
الاكراد سوف يبقون ورقة ضعيفة تتناقلها الدول الأربعة تلك الى جانب المجتمع الدولى الذي يتعاطي مع القضية الكردية حسب الواقع السياسي للمنطقة.
اخيراً ماذا قالت الادارة الامريكية عند بدأ العمليات العسكرية التي ادت الى اللحظة مصرع “المئات وآلاف الجرحي ” وتهجير اكثر من مئة وخمسين الف لاجئ.
صرح وزير الدفاع الامريكي “مارك أسبر” عن الصراعات الداخلية هي التي وصلت الى مداها العسكري ولدينا عملاء في المنطقة ننتظر فقط الإشارات ونحن مستعدون الى تقديم خارطة جديدة للعرب وللأكراد على حد سواء.
يعني ذلك ان المنطقة ذاهبة الى ابعد بكثير من مجزرة جماعية ليس الاكراد وحدهم الضحية بل مما يعنى حسب رؤية الخارجية الامريكية العملية العسكرية هي مناورة لكنهم الضعفاء الاكراد ضحيتها الأن.
المواقف الإنسانية لا ترتقى الى إعتبار المجازر الحالية ضد الاكراد سوى في اعلان هنا وبيان هناك واخرها المضحك المبكي في إيقاف التصدير للسلاح من قبل الدول التابعة للإتحاد الاوروبي الى تركيا فقط من باب التهديد يا للمهزلة.
اوسلو في /١٣/ تشرين الاول اكتوبر /٢٠١٩
*كاتب و باحث لبناني