إبراهيم محمود
أكتب عنها، عن هذه الـ” سري كانيه ” عن ” سريكانيغراد ” ربما أكثر من أي مدينة كردية، من موقع حجمها المهيب، وموقعها المهيب، ووجهها المهيب. سرى كانيه: رأس العين، وقد أصبحت على ” الرأس والعين ” أكثر من قلعة مفتوحة، محمية من الأعماق،، في مواجهة أردوغان ومن أرسلهم من شذاذ الآفاق. حيث تشد في عضدها عين ديوار، قامشلو، عامودا، كوباني، عفرين، حتى آمد، هولير، مهاباد. لتكون نار الهمج برْداً وسلاماً، رغم دمها المراق .
سرى كانيه، سريكانيغراد، تنهض من أعماقها، تصعد بالمكان، وتشد إلى رقعتها الجلمود البركان، وما ليس يُرى من قوى تبقيها باسمها، وليس باسم آخر، في كل هجمة معادية أقوى من قبل، أثقل من فولاذ، أمتن من صوان .
سريكانيغراد عروسة الأكراد في البلاد، وقبلة الصمود إذ تفجر الهواء والماء والنار والتراب في الأوغاد، ذخيرة العنفوان، أكبر من حجمها الصغير، تمتد في عمق المكان، وتذهل يأجوج أردوغان. كلاب أردوغان، بما تخبئه في داخلها، كأنما كل حصوة في حاضرة سريكانيغراد، رصاصة لا تخطىء الهدف، كأنما التراب مدرَّب، كيف يحمي نفسه، كيف يميّز القادم إليها، والغازي لها، من رائحته، من صوته، من ظله، من أنفاسه، ودون ذلك يستحيل فك شفرة المقاومة الكردية، شفرة من أشعل في كيانه المستحيل، وفي دمه أكثر من خفقان ينابيع سري كانيه، أعني سريكانيغراد، فيصدم الغزاة بما ليس في الحسبان. كيف للشجر أن يستحيل فوة بندقية، سبطانة مدفع، سهماً نارياً كردي النشأة في صدر الغادر الجبان. كيف للجماد أن يخرج من صمته الجماد، ويحفّز في كيانه قوى تزهق أرواح الأوغاد. كيف للنبع المائي أن ينتفض من بؤبؤه الأرضي، ويشتعل بالموت الزؤام، متربصاً بكل خطوة يخطو بها المسكون بالأحقاد . كيف للبهيمة الخرساء أن تثبت انتماءها السريكانيغرادي، وتقف لكلاب أردوغان بالمرصاد . كيف للفراغ أن ينقلب فخاخاً، يتساقط فيها الغزاة كالجرذان .
أكتب عن سريكانيه، الأميرة المتوجة بالفضاء والبقاء والثبات في كل الجهات. أميرة نارية، تبصر من كل الجهات، لها في حكمتها ما للموت من حكمة الانقضاض على الغافل السافل، في طرفة عين .
أميرة لا تعرف من اللغات إلا كرديتها، ومن الكردية إلا عبارة واحدة: كيف التصدي للجناة، للطغاة، للبغاة .
من عين سريكانيغراد، تنفتح العيون، ينتشر الصيت، من حيث يحرس المكان أباتها الأباة، وكلهم عبارة واحدة: نكون أو لا نكون. والموت للعدوان، ومن يعلِم للعدوان، من يمدح في العدوان هذا الغزو الهجمي والمأفون .
ذهول، كلهم جنود أردوغان، أشقياة أردوغان، لصوص أردوغان، ذهول فيما صدموا به، وفيما يحصل لهم، يلفظهم حتى العراء، تنتشر صورهم وملؤهم رعب، في مختلف المواقع، درساً قويماً لكل من يعد نفسه للإغارة.
ذهول كلها: طائرة أردوغان، مدفعية أردوغان، دبابة أردوغان، مصفحة أردوغان، بندقية أردوغان، وانخراط في الذل والهوان، إزاء أجسام عارية، ومدد ينزل فيها ما يخرجها عن طورها، تصاب بالاحتقان .
ويمضي أردوغان، ذيول أردوغان، وما أكثر هؤلاء الذيول، في التأكيد أنهم يمضون في محاربة الإرهاب، والكرد هم في واعية التركية، أو لاوعيه، وللإرهاب في منظوره الحالي اسم واحد، وجه واحد، هو التركي، والرمز أردوغان .
وللعالم أن يتابع الجاري نطاق سريكانيه، بالصوت والصورة، للعالم الحر، وهو يمنح طغاته، مرابيه، أسلحة الموت، ثم ينادي بالحقوق العالمية، تاركاً الكرد ممن هزموا أعتى وجوه الإرهاب:داعشهم، داعش تركيا، ومن في الجوار، وهم في عجب مما يجري، كيف لهؤلاء أن يقاوموا حليفهم الطاغوت، بجيشه الجرّار، وإعلامه الجرار، كيف لهؤلاء الذين بثوا أنفاسهم في شرايين سريكانيغراد، وأقسموا الإيمان المغلظة، أن ليس في مقدور أي جائح، أو غاشم نوْل ما يريد.
أعجب من أي عجب، حين تتناوب المدن الكردية فيما بينها، ليعطى الدور في كل فترة من الزمن، أن تلقّن الغزاة درساً في المقاومة، أن تشدد على وشيج قربى المدن التي لا تعرف من اللغات إلا كردية الآباء والأجداد، أنها قد عاهدت شقيقاتها أنها قادرة أن تدحر العدوان، ولمن يريد أخذ العلم، أن ثمة وجهاً واحداً لكل هذه المدن، في كيفية رد كيد أي عدو إلى نحره.
سلمت سريكانيغراد، سلم فيك بهيمة الأنعام والجماد، سلِم فيك من بقي من الكرد الأباة وهم عزل، سلِم فيك باسمك، كل من التحف باسمك أو صوتك، واستمد منك مدداً، يعجّل في موت الغازي، سلم فيك زمانك والمكان، وقد أصبحت على كل شفة ولسان..أمان أمان ..!