زاكروس عثمان
من يقرأ المستجدات السياسية- العسكرية الجارية في شمال سوريا وغربي كوردستان التابعة للدولة السورية، سيجدها انعكاسا للتطورات الحاصلة في الأزمة السورية في سياقها العام، حيث أن الغزو التركي لشرق الفرات جاء بعد مدة وجيزة من إعلان تشكيل اللجنة الدستورية وتحديد موعد انطلاق اعمالها، ومن السذاجة عدم الربط بين توقيت العدوان وبين ملف اللجنة الدستورية، لإن إعلان تشكيلها تم وفق تفاهمات سرية بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية اولا وبين دول أستانا “روسيا، إيران وتركيا” ثانيا، على إجراء تعديلات دستورية بسيطة والابقاء على النظام الحاكم في سوريا وإعادته إلى الأسرة العربية والدولية من بوابة الأمم المتحدة.
وما كانت أنقرة توافق على استكمال اللجنة الدستورية دون حصولها من واشنطن وموسكو على ضمانات قطعية تحرم الكورد السوريين من انجاز اي مكسب سياسي سواء كان فيدرالية او حكم ذاتي وكانت المشكلة الأساسية امام الطرفين هي أن أنقرة لن تقبل بإعلان تشكيل اللجنة وبدء اعمالها ما لم يتم القضاء على الإدارة الذاتية الكوردية القائمة، تحسبا من التوصل إلى حل سياسي لسوريا بوجود الإدارة الذاتية الأمر الذي قد يجعل المناطق الخاضعة لها اي شرق الفرات وغربي كوردستان في وضع خاص خارج اطار الحل السياسي ما يعني توطيد الإدارة الذاتية بوجود القوات الأمريكية التي تردع قوات النظام السوري وكذلك الجيش التركي والفصائل السورية الإرهابية التابعة له، لهذا كان شرط أنقرة الوحيد قبل البدء بالحل السياسي هو القضاء على القوات الكردية لتسهيل عملية إسقاط الإدارة الذاتية، وحتى يتم لها ذلك عرض الرئيس التركي رجب طيب اردوغان على نظيره الروسي فلاديمير بوتين انه سيقطع الدعم عن حليفه تنظيم القاعدة والتنظيمات السورية الارهابية الاخرى المسيطرة على إدلب ليقوم جيش النظام بتحريرها، كما تعهد اردوغان ان يعيد علاقاته مع رئيس النظام السوري بشار الأسد، بشرط موافقة موسكو على احتلال تركيا لشرق الفرات وغربي كوردستان.
من جهة اخرى استغل اردوغان وجود شخص مثل دونالد ترامب يقود الولايات المتحدة الأمريكية بمنطق الصفقات كي يقنع البيت الأبيض بسحب الجنود الأمريكيين من شرق الفرات والانقلاب على حلفائه الكورد شركائه الرئيسيين في محاربة دولة الخلافة الإسلامية، وحصلت أنقرة على موافقة واشنطن بالهجوم على شمال شرق سوريا.
وجاءت كل هذه التفاهمات في سياق توجه دولي جديد فضل بقاء سوريا تحت حكم النظام الحالي على مغامرة قد تأتي بجماعات إرهابية إلى سدة الحكم في دمشق، خاصة ان غالبية الأطراف المسماة معارضة سورية تمتلك إيديولوجيات إسلامية متطرفة وتتبنى تنظيمات مسلحة تمارس الإرهاب، ناهيك عن ان القيادات السياسية والعسكرية لهذه الجماعات لا تمتلك اية اجندة وطنية كونها أدوات في مشروع تنظيم الإخوان المسلمين العالمي وتتلقى التمويل من الدول الراعية للإرهاب.
بناء على هذه المعطيات يمكن القول ان المجتمع الدولي يطبخ حل سياسي للأزمة السورية على نيران اشعلها ترامب واردوغان بتوافق تام مع بوتين في شمال سوريا وغربي كوردستان لحرق دماء مزيدا من السوريين ومدنهم وقراهم بالمنطقة ذات الاغلبية الكوردية، حيث استخدمت واشنطن وموسكو الجيش التركي في ضرب الكورد السوريين لرسم خارطة ميدانية جديدة في شرق الفرات تمهد لوضع حل سياسي لسوريا وفق الرؤية الأمريكية وتحقق أهداف روسيا وإيران وتركيا التي تحتكر ملف الأزمة السورية.
إذ ما كاد العدوان التركي يبدأ حتى دفعت روسيا في خطة معدة مسبقا بجيش النظام السوري للسيطرة دون قتال على مناطق عدة كانت تابعة للإدارة الذاتية وجناحها العسكري وحدات حماية الشعب، وتمت عملية الانتشار هذه برضا تام من الجانب التركي طالما هي تضعف او تنهي سيطرة القوات الكردية على مساحة كبيرة في شمال شرق سوريا طولا وعمقا، وهذا ما تريده تركيا تحديدا اي تدمير الإدارة الذاتية التي يقودها الكورد، ويلاحظ هنا عملية توزيع أدوار بين جيش النظام السوري والجيش التركي حيث دخل جيش النظام إلى بعض المناطق وتولى الجيش التركي احتلال مناطق اخرى اما الإدارة الأمريكية فقد اخذت على عاتقها عملية إنهاء الإدارة الذاتية وقواتها المسلحة من خلال إجبارها على الانسحاب جنوبا لعمق 30/ كم ما يعني خروجها من كامل الجغرافية الكوردية تقريبا.
ومن الجانب السياسي سوف تشهد المرحلة القادمة عودة العلاقات بين النظام التركي والنظام السوري، لقاء سماح اردوغان لبشار الأسد بتحرير إدلب والمناطق المحيطة بها من الحركات الإرهابية المدعومة من أنقرة وبالتالي سيطرة الحكومة على كامل أراضي الدولة السورية ما يضع بشار الأسد في موقع قوي ليفرض شروطه الخاصة بالحل السياسي خاصة انه سيلقى الدعم من حليف جديد وهو اردوغان إلى جانب الداعم الروسي والإيراني وقبول واشنطن وحلفائها الأوروبيين وتبقى أمام اردوغان مسألة سهلة وهي فرض هذه التسوية على الاطراف السورية التابعة له وليس أمام هذه الأطراف التي رهنت نفسها لتركيا تماما سوى قبول ما تقبل به تركيا اي بقاء دولة الأسد ما يعني اختزال حل القضية الكردية السورية في بضعة حقوق لا يمكن التكهن بها إلى حين استواء الطبخة الدولية الخاصة بسوريا وإلى ذلك الحين ليس على الكورد القلق على حقوقهم بقدر القلق من سماح المجتمع الدولي لتركيا بارتكاب جرائم حرب بحق القومية الكردية وتدمير التركيبة الديموغرافية في غربي كوردستان.
واعتقد ان هذا السيناريو الذي اعد في أستانا هو الاقرب للتطبيق في سوريا كونه يحظى بقبول دولي وعلى هذا الأساس صدرت الأوامر إلى الامم المتحدة لإعلان تشكيل اللجنة الدستورية، وطُلب من الدول العربية والاقليمية مباركة هذه الخطوة، وان دل هذا التوجه على شيء، انما يدل على حل ترقيعي يبقي على دولة الاستبداد ونظام السلطة الشمولية القائمة في سوريا، مع تعديلات شكلية لا تمس اركانها، حيث ان الدول المتصارعة على سوريا، وضعت مصالحها فوق اولويات الشعوب السورية، التي تطالب بدولة حديثة خالية من الاستبداد تشق طريقها إلى العدالة والتحول الديمقراطي، ولن يحدث ذلك بدون وجود دستور عصري، ينهي حقبة الدولة الاستبدادية، لكن المؤشرات لا تصب في هذا المنحى، بوجود مشيئة دولية في الحفاظ على النظام القائم، وعلينا ان لا نستغرب لماذا تكون كافة القوى الاجنبية حاضرة بقوة في المسار التفاوضي واللجنة الدستورية، فيما الغائب الوحيد هو ممثل حقيقي يعبر عن تطلعات الشعوب السورية التي هي صاحبة القضية.
إذ بعد ايام قليلة من إعلان الأمم المتحدة الانتهاء من تشكيل اللجنة الدستورية بالتأكيد على ان عملها سيكون استنادا على المرجعية الاممية والقرار الدولي (2254)، لوضع دستور جديد للبلاد، بدأت تصريحات بيدرسون تدور حول توافقات لإجراء تعديلات دستورية ما يؤكد اتفاق مسبق بين دول استانا، على إجراء تغيير طفيف في دستور 1973 وتعديلاته في 2012، اما الحديث عن دستور جديد ودور الامم المتحدة ليس اكثر من خدعة دولية، لتمرير حل سياسي على مقاس النظام وبما يخدم موسكو طهران أنقرة.
وكما هو معروف هناك ثلاثة قوائم في اللجنة الدستورية واحدة للنظام واخرى للأطراف السورية التابعة لتركيا وثالثة للمجتمع المدني بكلام آخر سوف يجري المسار التفاوضي وفق توافقات دول أستانا.
ولن يكون للأطراف السورية المسماة معارضة سوى دور شكلي في الحل السياسي باعتبارها تتأمر بأوامر اردوغان الذي رغم أنفه سينقلب إلى حلف بشار الأسد لأن سيف القضية الكردية سيكون مسلط فوق رأسه دائما من جانب واشنطن وموسكو وهذا يكفي ان تقدم تركيا كافة التنازلات لقاء عرقلة اي حل للملف الكوردي في سوريا وتبقى الأمور مرهونة بتقلبات الوضع والمفاجئات التي تحصل في ملف الأزمة السورية.