التقرير السياسي للحزب الديمقراطي الكوردستاني – سوريا، عن شهر تشرين الأول 2019

بعد الإعلان عن انتهاء المعارك في سوريا، والانتقال الى استئناف العمل السياسي والدبلوماسي، والسعي لتشكيل اللجنة الدستورية التي تبدأ بممارسة عملها اعتباراً من 30 الشهر الجاري في جنيف بين الجهات المعنية بماهي المعارضة والنظام وبرعاية هيئة الأمم المتحدة، وعلى أن يتم تنفيذ ما سمي بالمنطقة الآمنة سلمياً، وعلى طول الحدود السورية مع تركيا، وعبر الحوار بين الأطراف المعنية وخصوصا تركيا وأمريكا وروسيا، وبالفعل تم الإعلان عن اتفاق بين كل من: (أمريكا وتركيا)، وتم نشر نقاط التوافق، وعلى أن يتم التنفيذ مباشرة وعلى ثلاث مراحل والبدء بالمرحلة الأولى من كري سبي (تل أبيض) إلى سري كانيه (رأس العين)، 
لكن ما حصل كان خلاف ذلك تماما، فقد زعم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انسحاب قواته من سوريا، وبالتزامن مع هجوم القوات التركية المباغت على المناطق المذكورة ودارت المعارك الطاحنة بين الجانبين (القوات التركية وقسد) ولأيام عديدة اسفرت عن مآسي جديدة لشعبنا في سري كاني وكري سبي، أضيفت إلى مآسي وويلات شعبنا في عفرين ومناطقها، ولم تتوقف المعارك إلا بعد التدخل الروسي.
وبدا أن أمريكا لم تنجز الاتفاق مع تركيا، أو أنها لم تستطع اقناع أي من الطرفين (التركي وقسد) بقبول طلب الطرف الآخر حول عمق المسافة من الحدود السورية التركية الى داخل الأراضي السورية بين نص الاتفاق بعمق بين 5 و 14 كم وبين طلب تركيا ابعاد قسد عن الحدود نحو 32 كم، ما جعلها (امريكا) تدير ظهرها لتعطي الضوء الأخضر لتركيا بالهجوم، ليبدأ بعدها الدور الروسي حيث الاتفاق على انسحاب قسد الى نحو 32 كم حقناً للدماء ودرأ لمخاطر المزيد من الويلات على شعبنا، وعلى أن يتم نشر دوريات روسية تركية مشتركة ضمن عمق 10 كم وعلى طول الحدود بين الدولتين (سوريا وتركيا) مع امكانية الاستعانة بقوات النظام السوري.
الواقع، تبين أن أمريكا لم تنسحب من سوريا، ولن تترك مصالحها الاقتصادية في شرقي نهر الفرات، وتسعى لتوفير الحماية اللازمة لمنابع النفط والغاز بذريعة منع وقوعها في يد داعش أو الجهات الارهابية الأخرى، وتبين أيضاً أن روسيا سوف تلعب دوراً متميزاً في سوريا وفي ترتيب الأوضاع استعداداً للمرحلة المقبلة، ولعل أبرز النتائج الإيجابية لشعبنا الكردي ورغم المآسي أن قضيته قد ارتقت الى موضع الاهتمام عالميًا وإقليميًا وداخليًا اثر الهجوم التركي على مناطقه، أي أن الوضع الكردي ووضع عموم المكونات الأخرى في سوريا ينبغي أن يعالج عبر الدستور السوري وعبر الترتيبات العملية على أرض الواقع، وعليه ينبغي دعم المبادرة الألمانية لتشكيل المنطقة الآمنة، والتواصل الدائم مع روسيا وأمريكا ودول الاتحاد الأوربي، إضافة الى كافة اطياف المعارضة لكسب دعم الجميع ومساندتهم لقضية شعبنا الكردي في سوريا وحمايته، والسعي معهم لتسهيل عودة النازحين والمهجرين الى سكناهم واماكن عملهم، والعمل لإخراج المجموعات المسلحة التي تعيث الفساد في المنطقة وتسليم ادارتها لأبناء ذات المنطقة باتفاق سياسي عسكري يتشارك فيها الجميع بإشراف دولي أممي.
ومن الجدير ذكره أن الاتفاق الروسي التركي لم يتم برعاية الأمم المتحدة، ما يثير القلق لدى شعبنا، وعليه يحمل الاتفاق بعض الجوانب الايجابية كوقف القتال وإبعاد شبح الحرب والحد من مخاوف التدخل التركي والميليشيا التابعة لها، كما ينبغي ايلاء الاهتمام للموقف الايجابي لبعض القيادات الروسية حيال الشعب الكردي وقضيته العادلة، كما يحمل الاتفاق بعض النقاط او الجوانب السلبية منها تجزئة كوردستان سوريا عبر اقتطاع اوصال منطقة كوباني عن الجزيرة وقبلها منطقة عفرين، وأيضًا التغيير الديمغرافي الذي تسعى اليه تركيا بتوطين مُهجّرين في المنطقة بين سري كانييه (رأس العين) وكري سبي (تل ابيض)، واضفاء الشرعية على اتفاقية اضنة وملاحقها السرية بعد تفعيلها من جديد، وهنا لابد من الاشارة الى أن هناك تقاطعات بيت الاتفاقين (الأمريكي التركي والروسي التركي) سواء المتعلق بالمسافة او شكل ادارة المنطقة وحمايتها وغيرها.
تركيا، تزعم أنها تتعرّض لمخاطر جمة، وعلى أن هناك مشاريع إعادة رسم خارطة المنطقة، وتتذرع بحقها في الدفاع عن حدودها وابعاد شبح تلك المخاطر، إلا أنها ورغم ما حققتها من الأهداف بعد الإصرار والهجوم المباغت على المناطق المذكورة (سري كانييه وكري سبي) والتدخل الروسي عبر الاتفاق معها على انسحاب (قسد) من الحدود الى مسافة 32 كم، ومع ذلك فإن تركيا قد واجهت ادانة عالمية واسعة بسبب هجومها على تلك المناطق، بل البعض ذهب أبعد من ذلك حيث مساعي فرض العقوبات الاقتصادية عليها، لكن يبدو أنها تعزز علاقاتها مع روسيا على حساب حلفائها التقليديين (أمريكا ودول الاتحاد الأوربي) والجهات الأخرى، وتبدي على انها تسعى الى تطوير علاقاتها مع روسيا والارتقاء بها الى مستوى التحالفات الاستراتيجية، لكنها قطعا تمارس دورا مزدوجا بين (روسيا وحلفاءها الآخرين) وقد استفادت في سياستها من هذا الدور الابتزازي.
إيران، لاتزال مستمرة في سياستها العدائية تجاه أمريكا وحلفائها، وتمارس المزيد من تدخلاتها الإقليمية وشؤون دول المنطقة، وخصوصا العراق ولبنان في الآونة الأخيرة، وما المسيرات والمظاهرات لدرجة العصيان المدني في بعض مناطق لبنان، هذه الاحتجاجات تدعو الى اسقاط حكوماتها بل أنظمتها، وفي لبنان حققت تقدما في هذا الاتجاه، كما لا يخفى دورها في اليمن عبر الدعم المتزايد للحوثيين، وكذلك في سوريا تتحكم بمفاصل اساسية في الدولة، هكذا مستمرة ايران في سياستها تلك لبسط سيطرتها ونفوذها على عموم المنطقة رغم العقوبات الاقتصادية ورغم الصراعات الحادة في داخلها كدولة وكنظام، ورغم سوء الأوضاع المعيشية ومعاناة الجماهير الشعبية من الفقر المدقع، لدرجة من يتوقع أن إيران أمام كارثة اقتصادية قد تودي بها الى الانهيار.
العراق، بالرغم من الأداء النسبي الجيد لحكومة عادل عبد المهدي، الا أن ملفات الفساد المالي والإداري بقيت على ما هي عليه دون معالجة تذكر، ما انعكس على الوضع الاجتماعي للمواطنين مع تزايد الصراع بين الكتل والقوى والأحزاب السياسية، بسبب التدخل الإيراني السافر والتواجد الأمريكي في العراق، كل هذه القضايا مع تردّي الخدمات وسوء الأحوال المعيشية للمواطنين ما ادى الى اندلاع المسيرات والمظاهرات والاعتصامات وخصوصًا في المحافظات الجنوبية مطالبة بالإصلاحات وتوفير فرص العمل والمطاليب الخدمية من الماء والكهرباء لتتسع دائرة هذه الاحتجاجات لتشمل العديد من المحافظات الجنوبية، وتتحول الى حراك جماهيري سياسي واجتماعي مطالبة تارة بإسقاط النظام ورفض المحاصصة وأخرى برحيل الميليشيا التابعة لإيران، وهكذا تستمر رغم تدخل السلطات ورغم الوعود او اتخاذ بعض الاجراءات في مجال العمل والمال اللازم للمعيشة ومع ذلك بقيت هذه الاحتجاجات مستمرة، وهي محقة لأن الوضع في العراق يسير من سيء الى اسوأ وأن الفساد والمحسوبية قائمة على حساب الجماهير الفقيرة ومعيشتها.
إقليم كوردستان، الرئاسات الثلاث (رئاسة الإقليم والحكومة والبرلمان) تواصل مهامها على مختلف الأصعدة، حيث تسعى لتعزيز علاقاتها مع المركز باستمرار عبر المزيد من حل الاشكالات معه، كما تواصل في تحقيق المزيد من التفاهمات بين القوى والأحزاب السياسية في سعي لتعزيز التلاحم بين الجميع، والتوجُّه نحو الاهتمام بالوضع الاقتصادي ووضع البيشمركة بغية توحيد صفوفها والاهتمام المتزايد بشؤون عوائل واسر الشهداء، وفي سياق الوضع السياسي يشهد الإقليم تقدماً في المشروع القومي الكردستاني الذي يقوده الرئيس المناضل مسعود بارزاني سواء على صعيد الإقليم او في عموم أجزاء كوردستان، وقد بدا بوضوح اهتمام سيادته بشعبنا الكردي في سوريا خلال المحن التي يمر بها ولاسيما الأخيرة حيث تقديم المساعدات اللازمة سواء للإيواء أو الطعام أو الدواء وحتى مستلزمات الأطفال، وفتح ابواب مشافي كوردستان أمام الجرحى والمصابين، كما لم يتردد في السعي لدى بعض الأطراف الدولية ذات الشأن بغية الاهتمام بشأن الشعب الكردي في سوريا وحقوقه القومية المشروعة وفق العهود والمواثيق الدولية وخصوصا لدى قيادة دولة روسيا الاتحادية، وعلى العموم يبقى وضع الإقليم في تطور دائم ما يعكس دور القيادة وحكمتها.
كوردستان سوريا، ماتزال جماهير شعبنا تعيش حالة قلق وتوتر جراء ما تعرضت لها العديد من مناطقه للمآسي والويلات جراء الهجوم التركي عليها واستشهاد العديد من ابناء وبنات شعبنا معظمهم مدنيين وإصابة أعداد كبيرة بجروح بعضها ظلت عاهات مستدامة، هذا الى جانب النزوح والتشرد لآلاف العوائل من سري كانييه وكري سبي وتعرضت ممتلكاتهم للسلب والنهب والسرقة أسوة بمنطقة عفرين الجريحة ولاتزال النتائج ماثلة حتى الآن.
وعلى صعيد العلاقة مع ب ي د والدعوات التي تطلق بخصوص وحدة الصف الكردي والموقف الواحد ولاسيما بين المجلس الوطني الكردي في سوريا و ب ي د ، فنحن سواء في حزبنا (الحزب الديمقراطي الكردستاني – سوريا) أو في المجلس الوطني الكردي لم نتهرب يوما من تلبية دعوات كهذه لا بل نراها ضرورة استراتيجية، والدليل على ذلك الاتفاقات التي حصلت فيما مضى (هولير1 ، 2 ودهوك) ولم نتنصل منها أبداً وفي هذا السياق فقد دعمنا جهود اصدقاء شعبنا، (المبادرة الفرنسية) ولا نزال على استعداد للاستجابة لها ومواصلة العمل من أجل تنفيذها، أما الدعوات الآنية الشكلية فلا نرى لها ما يبررها، خاصة وأننا لم ندخر وسعا في العمل والمساهمة في تقديم ما أمكن من المساعدة وفي الموقف السياسي أيضا وعبر البيانات والتصريحات في هذا الشأن.
ختاما، سيظل حزبنا يواصل العمل والنضال بشكل مباشر أو عبر المجلس الوطني الكردي في سوريا، من أجل نجاح وتقدم المشروع القومي الكوردستاني الذي يقوده الرئيس المناضل مسعود بارزاني والذي يمثل نبض شعبنا الكردي وضالته المنشودة، كما يعمل جنبًا الى جنب القوى الوطنية والديمقراطية من أجل بناء سوريا المستقبل لكل السوريين، من أجل سوريا دولة اتحادية ذات نظام ديمقراطي برلماني يتمتع في ظلها كل المكونات السورية بحقوقها القومية والوطنية بما فيها شعبنا الكردي وفق العهود والمواثيق الدولية ليتعايش الجميع معا في سلام وأمان.
المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكوردستاني – سوريا
31 / 10 / 2019

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…