إبراهيم اليوسف
بعد الانتصار العظيم الذي حققه الكرد على تنظيم داعش الإرهابي، والحديث عن بطولات الكرد في وسائل الإعلام، والمحافل الدولية، استشعر أعداء الكرد، لاسيما هؤلاء المستفيدون من تقسيم خريطتهم إلى أجزاء، بخطورة عظمى من ظهور الكرد على مسرح التاريخ، من جديد، ما أدى بهم إلى التخطيط مرة أخرى، للعمل على لجمهم، في إطار تذويبهم، بعد أن فشلت كل وصفات وتوصيفات محوهم من خريطة العالم، عبر سياسات: تمزيق الخريطة، ومن ثم التتريك، والتفريس، والتعريب، وكان ذلك بتجاوز أطراق مؤتمر أضنة 1998، كل الصراعات التي بينهم، من أجل كبح الحلم الكردي
ومن يعد إلى التاريخ الكردي، منذ إمبراطورياته الأولى فإنه يجد أنه كلما بسط سلطته على مكانه، فإن هناك قوى تظهر على مسرح الوجود في محاولة محوه، وإن كنا نجد بأن الكرد استطاعوا بالرغم من كل غزوات الأعداء لكردستان أن يبقوا على مسرح الجغرافيا والوجود، من دون أن يزولوا، في الوقت الذي نعلم أن أمماً وشعوباً متطورة كانت فاعلة عبر التاريخ، وقد دامت طويلاً أو قليلاً، إلا أنها زالت، من دون أن تتمكن أية قوة في التاريخ من إزالة الوجود الكردي- وهذا ما يمكن تناوله في دراسات مستفيضة- مع اعترافنا بأنه تم تذويب الملايين من الكرد ضمن إطار حدود الدولة العثمانية ، ولاسيما نتيجة حروب البطل صلاح الدين الأيوبي!
وحقيقة، فإن صدمات متتالية تعرضنا لها ككرد، منذ حوالي سنتين ونيف، على نحو خاص، أولها ردود فعل كثيرين من جيران الكرد في المنطقة على خطوة الرئيس مسعود بارزاني الشجاعة في إعلان” الريفراندوم/ الاستفتاء”، وما تبعه من ردود فعل كثيرة دفعت بالقوى المعادية لعيش الكردي فوق ترابه بأن يتحركوا على اتجاهات متعددة: أن يسجلوا اختراقات كردية لتقويض هذا المنجز الذي أصبح إنجازاً تاريخياً، لا قدرة لأحد على محوه لأنه نتاج إرداة شعب، ومع هذا فقد تم توجيه الحشد الشعبي باتجاه الكرد، وفق تحرك: تركي- إيراني، وتواطؤ دولي، لاحتلال كركوك، والحلم بالإجهاز على إقليم كردستان، ضمن الحدود الدولية المرسومة في إطار خط العرض 36، وقد تمت مقاومتهم بروح من التضحية، ودخل على الخط بيشمركة روج آفا ممن تطوعوا إلى جانب أخوتهم بيشمركة الإقليم لدحر الغزاة من محاور عديدة.
بعيد ماتعرضت له كركوك، بل وقبلها: شنكال/ سنجار، وكوباني، كان واضحاً أن هناك تحركاً كبيراً يتم من قبل الدول المقتسمة لكردستان، من أجل محو الوجود الكردي، وكانت صدمة الخيانة الدولية التي تمت بحق كركوك رسالة كبرى للكردي بأن أعداءه التاريخيين استطاعوا الوصول إلى مصادر القرار الدولي، بغية الهيمنة عليه، والتخطيط للجينوسايد الذي تتم شرعنته من قبل هاتيك الدول صاحبة القرار، وبتنفيذ محلي، وما محاربة اللغة والثقافة الكردية إلى جزء من هذا الجينوسايد، وكان ينبغي- في المقابل- أن يتم التحرك الكردي، وأوله تنازل حزب العمال الكردستاني عن غطرسته، وإلغائه للأخ، في الوقت الذي يدعو فيه لأخوة الآخر، وهذه الأخوة منقوصة، إعلانية، مالم يحقق النصف الأول من المعادلة، لأن من يرفض القيم الأصيلة والنبيلة في بيته، سيكون مزيفاً لو دعا إلى تطبيقها في بيوت الآخرين، وأول دعوته العودة إلى مكانه الأول: كردستان تركيا لإعادة ترتيب بيته مع القوى السابقة عليه، والتي مارس بحقها- الإبادة- أو الجينوسايد السياسي، أو النضالي، أو المقاومي، بما خدم دولة تركيا التي تحاربه، وما عاد يحاربها؟
وبعيد تهديد أردوغان الذي راح يسعى لتحقيقه، على إيقاع- خلعه البنطال- أمام القوى العظمى، صاحبة القرار: روسيا- أمريكا، ومن خلال شخصي رئيسيهما اللذين يعمل كل منهما لأجل أجندة: الأول الذي استعاد فحولته السياسية بعد اندثار روسيا، كقطب فاعل دولياً، وجعل سوريا حقل اختبار، بعد أن منحه الأسد وإيران مفاتيح قيادته الروبوتوية، ليغدو بين أيديهما مجرد دمية، وراح بوتين يتصرف على مبدأ لص منتصف الليل عبر سياسة مد الرجليل: خطوة خطوة، قبل أن يخترق جدار الخوف ويتصرف- في ضوء الشمس- وكأن اسم سوريا، المشترك بحروفه مع اسم روسيا، في طريق إعادة الصياغة، ليماهي الأول مع الثاني، وهو ما يتم، بوتائر عالية، ما يؤدي إلى طمس شخصية هذا البلد، كما قبل رئيسه- الساقط- لطمس شخصه، وتراب المكان المؤتمن عليه، لأجل مجرد كرسي قذر، أمام عظمة دماء السوريين، وأعني: الأشراف، لا مؤجري البنادق والقرار: معارضة مكتراة فاسدة ونظاماً قذراً على حد سواء!
اقترحت على الزملاء في لجنة أنشطة الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الكرد، ومكتبه التنفيذي هذه الفكرة، فتمت الموافقة، وبالإجماع، للتحرك بوتائر عالية، للوقوف مع أهلنا، وذلك عبر السعي للم شمل النخب الكردية، والناشطين، والمعنيين، قدر استطاعتنا، وضمن حدود تأثيرنا، وتمت الموافقة ب”الإجماع” على ذلك، لاسيما بعد أن تم اقتراح ذلك من قبل شخصيات سياسية، ومن ثم ثقافية، إذ قال لنا أحدهم وهو القيادي السياسي عبدالقادر خليل، قبل بضعة أشهر: أنتم وحدكم المقبولون من قبل أطراف الحركة الكردية كلها، ووحدكم من تستطيعون جمعنا، وهو ما أكده المثقف والسياسي الصديق: كومان حسين، و قاله لاحقاً، كل من: أستاذي محمد صديق شرنخي و صديقي د. صلاح درويش، وكان الصديق ريزان شيخموس مؤازراً لأفكارنا، وهو مالقي استحساناً كبيراً من لدن ممثلية المجلس الوطني الكردي: عبدالكريم أبو بيشو وعبدالباسط حمو وأكرم سيد رسول إلخ، وبقية الأطراف التي باتت ترحب بالانضمام لجلساتنا، ولا أنسى هنا دور جمعية هيلين التي فتحت لنا بابها، لنمارس في مقر الجمعية أنشطتنا التي لما نزل نغطيها باشتراكات الزملاء في: لجنة الأنشطة في أوربا والمكتب التنفيذي، باعتبارنا الجهة الثقافية- اتحاد الكتاب والصحفيين- الذي لم يمول لا من قبل المجلس الوطني ولا الإدارة الذاتية ولا الإقليم- إذ كل منهما يمول جهة تابعة له- ولا أية جهة أوربية، وإن كنا نسعى لمن يؤازرنا لتغطية أنشطتنا من قبل جهة دولية من دون أن تفرض علينا أية أجندة، باعتبارنا اتحاداً مرخصاً دولياً، حافظنا على نقاء أصواتنا، ولم نبع أو نؤجر أقلامنا، ولا ولن نفعلها، وقد قمنا منذ عشية تهديدات أردوغان بإقامة الأنشطة والفعاليات التالية:
ندوة للدكتور صلاح درويش- جمعية هيلين/ إيسن8-10-2019
ندوة لإحياء الذكرى السنوية لرحيل الزميل توفيق عبدالمجيد في 11-8-2019وتخصيص جزء منها لمحاولة طرح سؤالنا نفسه: ما العمل؟
ندوة لكل من الزميلين: د. محمود عباس وإبراهيم اليوسف في آخن، وذلك في 12-10-2019
ندوة في جمعية هيلين حضرها شخصيات سياسية وثقافية من الطيف الكردي والكردستاني في يوم 21-10-2019
وأمامنا برنامج من الفعاليات، في إطار وحدة الخطاب الكردي، ولا يبقى أي طرف ثقافي بعيداً عنه، لطالما يعمل لأجل ثقافة ووجود الكردي في كردستان سوريا، بعيداً عن أي علم حزبي سياسي، ضمن إطارنا الجامع للحركة الوطنية الكردية، كما أننا ألغينا مهرجان الشعر الكردي المقررفي يوم22-10-2019، وإعلان جائزة جكرخوين للإبداع الذي كان مقرراً في يوم22-10-2019- المتزامن مع إعلان اتفاق سوتشي: الروسي- التركي، الظالم، والمتواطىء، والمبارك ترامبياً، تقديراً لأرواح شهدائنا، وآلام جرحانا، وأسرانا، ومتاعب مهجرينا.
عود على بدء:
إن سؤال ما العمل؟، أمام هذه التحديات التي تتم بحقنا، لاسيما بعد احتلال سري كانيي/ رأس العين، من قبل المحتل التركي وجنجويده، والذي أطلقناه في الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الكرد، منذ احتلال عفرين، لابد من أن يخرج من إطاره النظري، عبر ترجمته إلى إطار عملي، وإن كنا نعرف بأن ذلك ما يجعلنا نصطدم بأكثر من عقل، لاسيما ذلك العقل الإلغائي، ومن استعين بهم من النخب الثقافية التي استعادت قيم نخبويي النظام، وراحت تهدم كل آصرة مع الكردي- الأخ، في إطار الدعوة الطوباوية إلى ديكورية العلاقة مع الآخر، وكان ثمن ذلك تسخير آلة إعلامية كبيرة قمعت طويلاً أية أصوات حريصة صادقة، لئلا يكون في الىفاق إلا الصوت الوحيد المملى على المحيط، ما أدى إلى تكريس روح وثقافة الخصام، والاستعداء على المختلف معهم، وللأسف فإن الثقافي من هذه النخب لعب دوراً تضليلياً كبيراً، وإن بدونا جد حريصين على هؤلاء جميعاً، على امتداد عملهم التهديمي، التخريبي الذي منح العدو التاريخي حججه في إعداد عدة احتلال مكاننا، وتدميره، بل ومحاولة إبادة كائننا..!؟