د. محمود عباس
ما كنت لأعود إلى التعقيب والرد على ما يكتبه تجمع الملاحظين، من انتقادات، أو لنقل تقييمات، أو محاولات توجيه الحراك الثقافي، والقلم الكردي، حسب وجهة نظرهم، والتي يتخللها تعظيم وتعتيم، وكأن العالم لا يوجد فيه إلا لونين، من جهة لأنني لاحظت جمالية الكتابة لديهم، والمتابعة المستمرة لكتابات كتابنا الكرد، وحملهم لأحد أصعب المهمات في الكتابة وهي النقد، ومن جهة أخرى وددت لو أنهم أتبعوا منهجية التوجيه دون مواربة، وتنوير الكتاب بمصداقية ودون تحيز سياسي، وتنبيههم إلى الابتعاد عن التجزئة، بعرضهم الجمل الناقصة من مقالات الكتاب لبناء أراءهم مع تقديم أمثلتهم عليها والتي كثيرا ما لا توجد بينهما علاقة.
رغم ذلك وللصدق، الأمثلة والآراء والمفاهيم المقدمة كثيرها مفيدة ومنطقية، وتحتضن نوع من التنوير للأقلام قبل القراء، ولكن يتناسون أحيانا أن نفس الكتاب المنتقدون عرضوا أمثلتهم ومفاهيمهم مرات عديدة، فليتهم أعادوا النظر في الأسلوب المجزئ، وغيروا من طريقة التوجيه ومنهجية عرض مفاهيمهم أي ترك أسلوب التدريس الكلاسيكي. وكنت قد كتبت لهم وفيهم من مبدأ توجيههم وتنويرهم حسب إمكانياتي إلى بعض النقاط المهمة، ونبهتهم إلى حساسية النقد المتعمد لغاية سياسية، وعلى الأغلب يدركون أن النقد عامل بناء أو تدمير وبين الحالتين خطوة، وحساسية النقد رهيبة خاصة في هذه اللحظات الحساسة التي يمر بها شعبنا الكردي.
لكن ما توضح لي كان رد فعلهم عكسيا على ما قدمته لهم، وكأي كردي يجزمون أنهم لا يخطئون في تقييمهم، ولا فكر فوق مفاهيمهم، وهم في الواقع وحتى الآن قدموا القليل من النقد البناء مقابل الكثير المؤدي إلى توسيع حلقات التهجم والصراع الكردي -الكردي.
ومع الكتاب الكرد يبنون ملاحظاتهم كما سموا ذاتهم بـ(الملاحظين) على جملة أو جملتين من كلية دراسة أو مقال، أو مقال من كلية ما يكتب عن مرحلة أو قضية أحيانا تحتاج إلى الكثير، ونحن نعلم أن مواقف الكتاب ورؤيتهم، وخاصة الذين يتقدمون المشهدين الثقافي والسياسي، تتبين من خلال مسيرة طويلة من الكتابة، فتقطيع جملة من كلية الفكرة طعن في الكاتب، وخسارة لمصداقية المهمة التي يحملونها، وتعمية للقراء بل وتضليل له مثلما هو تشويش على الكاتب.
لن أكتب ثانية في الخلافات الفكرية، وتناقضاتهم، ووجهة نظري أصبحت أكثر من معروفة في مسألة التمسك بجانب والتخلي عن الجانب الأخر في النضال، عملية تفضيل توعية الداخل على العلاقات الخارجية الدولية ودورها في هذه المرحلة الحساسة. أو التمسك بأحد الطرفين وإلغاء الأخر والتهجم عليه تحت حجج مطعونة فيها في هذه الظروف ولا نتحدث عن منطقيتها ما بعد الكارثة الجارية، ولن أكتب ثانية عن الوطنية في هذه اللحظات الحساسة والتي تحتاج إلى عمليات الإنقاذ من الكارثة، وقد كتبت عن هذه في مقالي السابق، ولن أعيدها هنا، ولن أرد على مقالاتهم النقدية التي أقدرها وتمعنت فيها، وللأسف وجدت فيهم مغالطات، طبعا حسب وجهة نظري كمقولتهم التي يجدونها خاطئة وأنا أراها صحيحة وقد ركزت عليها في مقالي السابق ذاكرين ” سبب ذلك الفشل هو قلة وعينا؛ لإنقاذ ذاتنا، وضعف تقديرنا في اختيار الوقت المناسب لنشر الوعي بين جماهيرنا ( إن كنا نرغب فيه)، منعا لمثل تلك الملمات” ففي الأولى عين الصواب، لكن التتمة هي السذاجة وحيث التناقض مع الفكرة الأولى، وهم هنا يختارون هذا الوقت غير المناسب لتصعيد الصراع الكردي-الكردي.
ولا أظن أن أي باحث أو كاتب كردي يهرب من دراسة نكساته ونكباته، وفي كل المراحل والظروف، ولكن ليس كلنا يلطم بها وجه الكردي الأخر في فترات المحن الكردستانية كالتي تمر بها اليوم عفرين وشرق الفرات، وهنا لن أزيد في محاورة ما يعترضون عليه في مقالي السابق، لأنهم أولا ينساقون إلى إشكاليات متضاربة وأمثلة بسيطة يمكن عرضها لتثبيت نقيضه، وكنت سأتمنى لهم التوفيق والنجاح لو لم تفوح من انتقاداتهم رائحة توسيع الخلافات، فلهم رأيهم ولي منطقي في مسألة حمل القضية ومسيرة التنوير والأساليب التي أتبعها، تصعيد الصراع الكردي-الكردي خط أحمر لدي، التهجم أبتذله، كل الأوقات مناسبة للرد على الأعداء، وليس على بعضنا البعض.
لن أستخدم منطق الدفاع، وكأن كتابنا مذنبون بالجملة، أو أنهم أمام محاكمة، ولن أستخدم طريقتهم في انتقاء الجمل المناسبة والتغاضي عن التكملة، لتسهيل الطعن والهجوم، والتقييم العشوائي، ولن أدافع عن كاتب أو موقف كردي، ولن أقحم ذاتي في صراع سفسطائي، ولن أتبع منطق الخط الوحيد الساذج في النضال والذي هو تجهيل أكثر ما يكون توعية، وقد نبهتهم إليها في مقالي السابق الموجه لهم وللمجتمع الكردي، وكنت قد كتبته أملا الخير في حملتهم، لكن تبين أنهم يستخدمون منطق السلطات الشمولية، والأنظمة الدكتاتورية، حتى ولو كان التجمع يدعي أنهم يريدون توجيه القلم الكردي لتوعية المجتمع، وإنقاذه من التعمية التي يسير عليها الكتاب الكرد دون وعي.
بل سأنبههم إلى منطقهم الساذج والضحل، في تقييم الحراك الكردي الثقافي، حسب ميزانهم الخاص، والذي ينحازون فيه إلى منطق أعتبره متلكأ، وهو احد أسباب ديمومة الصراع الكردي-الكردي، ألا وهو أنهم، ومن خلال الحلقات العديدة والقصيرة التي ينشرونها بشكل يومي، يريدون توجيه القلم الكردي إلى صراع داخلي من نوع مختلف تحت محاولات توعية الكتاب والمجتمع وفتح بصيرته على ما فعله بهم الحراك الكردي، ويطلبون من الكتاب الكرد محاربة طرف سياسي يختلفون معه فكريا، أو لأخطائه، وفي هذه الظروف الكارثية، ولا شك لا يتوانون على انتقاد الأطراف الأخرى لتقاعسهم، أي عمليا يخدمون العدو بدون دراية، بل ولربما لو سألنا بعضهم فيما إذا كان التدخل التركي مناسبا للكرد أم لا، وبدون جواب نلاحظ من خلال تقييماتهم أنهم لا يعترضون عليه.
كنا نتمنى ألا يسقطوا في موقع المحاسبة، مبتعدين عن التهجم والتفخيم والتطبيل، ويظلوا نقاداً، كما يدعون، وحملة أراء نقدية أو منورين ومنبهين للكتاب والقراء إلى ما يفيد ويستفاد، إلى أنني لاحظت أنهم يريدون من الكتاب والقراء معا محاربة بعضهم البعض.
اعزائي تجمع الملاحظين، أشكركم على ما تناولتموه من أفكار بعض الكتاب وما طرحته في كتاباتي، وعلى انتقاداتكم، وملاحظاتكم، وقد راجعت ما كتبتموه بدقة، وهنا أود أن أشير إلى ملاحظة غريبة يقولون فيها “إذا عدت إلى مقالات محللي الغرب وإلى رؤية سياسييه قبل تأجيرها للأداة، لوجدت صدق قولنا.” ! على الأغلب يعلمون أنني أطالع يوميا معظم ما يكتبه المحللين الغربيين وبعدة لغات عن القضية الكردية. لكن التقطيع في الفكرة، وتحريفها، أوصلهم إلى هذا الاستنتاج. كعملية تقديمهم رأيي حول الحراك الكردي بخلاف ما ذكرته في مقالي السابق، وعرضهم للأمثلة الساذجة لدحض ما ذكرته، متغاضين عن تتمة ليس فقط المقطع بل وحتى أنهم لم يكملوا السطر الذي أعرضه، ومتناسين أنه ليس كل الحراك الكردي كان موافقا على ما جرى في الأمثلة المعروضة، ولا أعلم إلى أي مدى ضيق المفهوم عندهم يحصر الحراك الكردي في الأحزاب وحدها، فهل يقصدون الأحزاب فقط أم أنه أوسع؟
اعزائي، على الأغلب ولست مطلقا في الرأي، أن هذه المنهجية تضركم وتضر القراء وتضر عملية إيصال الفكرة، وهذا ليس بتقويم للمسيرة ولا تنوير فيه للحراك الثقافي، بل تعمية إضافية على الموجود، أرجوا منكم إعادة النظر في أساليبكم ومفاهيمكم النقدية، والابتعاد عن الصراع السياسي، ولتكن الخط الوطني دربكم.
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
24/10/2019م