خالد بهلوي
في المؤتمرات يتفق المشاركون على القرارات قبل الاجتماع، في القاعة الرئيسية يحتدم النقاش، ويرتفع الأصوات، ويطول الشرح، ويختلف البعض على تفسير كلمة كتبت في أول الجملة أو في آخرها، وكل من يتابع هذه المؤتمرات يعتقد ويصدق انهم متفقون أو مختلفون، وإن فلان كان محقاً وجريئاً في طرحه، وفلان كان وطنياً، وآخر كان مناضلاً من اجل حقوق شعبه.
هكذا هو دستورنا الموقر منذ اعلان الاتفاق على الأسماء ونحن نحمل المسؤولية لبعضنا لو حضر جماعة فلان لغير ؟؟ ولو حضر؟ لكانت الفقرات الخاصة بحقوقنا اقوى وأفضل لمستقبل اجيالنا …. لو حضر؟ لتحققت كل أحلام الشعب السوري.
قد يقول البعض حقوقنا طلعت ناقصة وغير منصفة، ولا تخدم طموح شعبنا، لأن ممثلينا غير قانونيين وغير حقوقيين أو بالأحرى ليسوا كفؤين، وبالتالي نعاتب، ونلوم، ونجتهد، وكأن الدستور هو خلاصنا، وأنه حل لكل مشاكلنا ويعمر بلدنا، ويعيد شهداءنا، ويرجع المهاجرين قسراً الى بلادهم، ويعوّض كل أسرة خسرت بيتها او أحد أفرادها ويطلق سراح جميع السجناء.
وكأن شعبنا عندما خرج للتظاهر، وقدّم كل هذه التضحيات كان من أجل اختيار ممثلين لكتابة دستور. صار فينا مثل مقلب أحدهم عندما صرخ قائلا في الشارع المقابل يتم توزيع الحلاوة فتراكض، وتدافش الناس، وتزاحموا وعندما شاهد صاحب المقلب تزاحم وتراكض الناس صدق وأقتنع فعلاً انه هناك يتم توزيع الحلاوة فركض معهم.
سؤال يطرحه كل مواطن بغضّ النظر عن قناعاته ومبادئه وأهدافه ما قدمه البلد من ضحايا ودمار وشهداء ومعاقين، كان من اجل تغيير الدستور؟ ام كانت هناك اهداف أخرى؟ هل تقاتلت وتكالبت الأمم والدول وصرفت المليارات لتغيير الدستور او بنود منها؟ ام وراء كل هذا وذاك مصالح وامتيازات وحقوق وواجبات؟؟؟
كل مشاهد خارج البلد وهو يتابع مسلسل اجتماعات الأمم المتحدة والدول العظمى لتشكيل لجان لدراسة ووضع دستور لسوريا منذ أكثر من سنة يعتقد جازماً ان سوريا بخير، وإن الأمور عادت الى مجراها ولم يعد هناك أية سلبية ولا مهاجر… ولم يعد هناك قتل ولا دمار في أي بقعة من البلد وان جميع المعاقين والمشوّهين ومن دمرت بيوتهم تم تعويضهم بالشكل الصحيح.
وعاد جميع المواطنين الى بيوتهم وقراهم وبلدانهم فرحين بما تم إنجازه من كتابة الدستور، للأسف كل الخوف ان يتمخض الجبل فيلد فأراً، كل الخوف ان يطول هذا المسلسل رغم ما يحدث من مراقبة ومتابعة كتابة الدستور الذي اشغل الكثير وأنساهم واجباتهم ومطالبهم وحقوقهم الذي آمنوا بها ودافعوا وضحوا من اجل تحقيقها وثاروا من أجلها.
كأن الدستور سيحمل عصاً سحرية يستيقظ الشعب صباح اعلانه فيجدون أنفسهم في عالم ودنيا اخر يعيشون برفاهية في جو من العدالة والحرية والديموقراطية ويصدقون ان الدستور مثل المصباح السحري مجرد ان يطلب أي مواطن خدمة او حاجة يطلبها فيتحقق فوراً من خلال ما ورد في نصوص الدستور.
رغم كل ما سيناقش وما سيتم الاتفاق عليه سلباً ام إيجاباً، يعتبر الدستور انجاز وانهاء لمرحلة ليتم التفرغ والبحث ومناقشة مراحل أخرى كثيرة متراكمة تحتاج الكثير والكثير من التنازلات والمساومات والاتفاقات بين الجميع، لأنهاء حالة اللااستقرار والخوف من القادم، ويلملم كل جروحه وآلامه ومأساته ليبدأ حياة جديدة ولبناء وتصحيح ما تم تدميره على الأرض وما تم تشويه في عقول ونفوس الكثير وما تجمد فيه من أفكار وممارسات مشوهة دون استثناء.
الحقيقة. الدستور يجب ان يكتبه، ويصوّت عليه الشعب صاحب المصلحة الحقيقية في كتابة أي دستور اما الذي سيكتبه الأقوياء من الدول والقوى المتنفذة او الدول الراعية له بحضور ممثلي المعارضة والنظام كشهود على كتابته الذين سيوقّعون بحضور هذه الدول على دستور بلادهم. قد لا يغير على الواقع شيئاً وأنها ليست نهاية المطاف وإن الصراع سيستمر في سوريا وفق مصالح الدول المتنفذة فيها. وان التغيير والاستقرار والسلام في سوريا يحتاج الى موافقة هذه الدول ولكثير من الوقت قبل أي دستور.
ألا تكفي كل ما قدم من تضحيات لنبدأ بحلول فعلية تخدم سوريا وشعبها، ويعيد للمواطن كرامته، ويعيش بأمان.