إيران… أزمات متراكمة وراء مظاهرات الوقود

د. جبريل العبيدي
النظام الإيراني المأزوم داخلياً وخارجياً، لم يعد يواجه مظاهرات الدول التي تعبث فيها أذرعه الميليشياوية كلبنان والعراق، فقد أصبح يواجه الغضب الداخلي المكبوت والمتفاقم، فالمظاهرات الشعبية الإيرانية الساخطة وقودها الفقر والجوع والبطالة وغلاء المعيشة، وليس «المندسين» و«العملاء» والشيطان الأكبر، شماعات النظام الإيراني المتكررة في كل أزمة تواجهه، المشكلة داخلية مطلقة وليست مؤامرة خارجية.
فالمظاهرات ووفق وكالة الصحافة الفرنسية «كانت بين الكبيرة في مدينة سيرجان والمتفرقة في مدن مشهد (شمال) وبيرجند (شرق) وبندر عباس (جنوب) وكذلك في غشسارات والأهواز وعبدان وخرمشهر وماهشهر جنوب غربي إيران»، 
مما يؤكد أن الأزمة متفاقمة وليست محدودة، وأن المظاهرات شرارتها ارتفاع أسعار الوقود، ولكنها نتيجة أزمات أخرى مكبوتة ومقموعة يعاني منها الشعب الإيراني منذ صعود نظام «ولاية الفقيه» زمن الخميني إلى زمن خامنئي، الذي دأب على استخدام العصا الغليظة لقمع المتظاهرين من خلال قوات الأمن الباسيج والحرس الثوري، أذرع النظام الإيراني للحفاظ على البقاء في حكم إيران وقمع شعبها.
ارتفاع أسعار الوقود هي القشة التي قسمت ظهر البعير، حيث رفعت أسعاره بنسبة 50 في المائة أو أكثر، فإيران التي تعاني نسبة تضخم أكثر من 40 في المائة حالياً، ونسبة النمو تكاد تكون معدومة، وبطالة وعقوبات اقتصادية خانقة، جميعها تجعل خزينة الحكومة فارغة، والبلاد غارقة في مستنقع البطالة التي تجاوزت 15 في المائة، وتضخم مالي في ازدياد مطرد، في بلد يعتبر منتجاً رئيسياً للنفط.
رفع أسعار الوقود، والزعم بأن العائد سيمنح للشعب الفقير، هي أكذوبة تؤكد عجز الحكومة الغنية، وأنها فقط قامت برمي المشكلة من حضنها إلى حضن الشعب الفقير.
الرئيس حسن روحاني هو رجل أمن في ثوب رجل «دين»، ولهذا يعالج الأزمة الاقتصادية في إيران بشكل أمني من خلال القمع والاعتقال، وحتى استخدام القوة المفرطة بالقتل، واستهداف المتظاهرين، الذين سقط الكثير منهم بين قتيل وجريح.
أزمات إيران ليست في الوقود، بل متراكمة، وازداد تفاقمها بعد العقوبات التي أمر بها الرئيس الأميركي دونالد ترمب بموجب استراتيجية «الضغط القصوى» ضد النظام في إيران، حيث أنهى الإعفاءات التي كانت تسمح لبعض الدول بشراء النفط الإيراني.
العقوبات الدولية على النظام الإيراني، في مقابل الركود الاقتصادي الإيراني، والبطالة، وازدياد حجم الفساد والفاسدين بين أنصار النظام ومؤيديه.
النظام الإيراني زاد مأزومه منذ أن أعلن استئناف تخصيب اليورانيوم بمنشأة فوردو، في انتهاك للاتفاق النووي، الأمر الذي جعل النظام في حالة تصادم مع النظام الدولي، وهو غير متماسك داخلياً، حتى في جغرافيته التي صنعها بمقاييسه. فإيران التي ابتلعت دولة الأحواز العربية، بعد تهجير سكانها العرب واستبدالهم بهدف تغيير ديمغرافية المنطقة، والتي تُعد امتداداً للجغرافيا العربية، وقمعت سكانها، لدرجة منعهم من الحديث حتى بلغتهم العربية، واستخدامها في شوارع الأحواز، التي كانت بالأمس القريب تسمى عربستان، أي بلاد العرب.
في إيران حتى «الإصلاحيون» خيبوا آمال الشارع فيهم، واتضح أنهم جزء من نظام إيراني، ومجرد شخوص في جوقة النظام المستبد المتغطرس، صاحب أكبر ملف انتهاكات حقوق الإنسان، وإعدامات على الهوية والمعتقد في الشوارع.
الأزمة الإيرانية كبيرة ومتفاقمة، وإذا لم يفق النظام الإيراني من غيبوبته، وانفصاله العقلي عن الواقع، ستكون النتائج كارثية، وإن كانت الأزمة ستنتهي لا محال بزواله، وإن طال الزمن، ونأمل ألا تنتهي بفاتورة دماء كبيرة مؤلمة للشعب الإيراني.
كاتب وباحث ليبي
الشرق الاوسط

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…