نظام مير محمدي*
عقب ارتفاع أسعار البنزین في إیران، وفي کلمة مستعجلة أعلن خامنئي عن دعمه لقرار زیادة أسعار البنزین وتقنین توزیعه ناسباً القرار إلی المجلس الإقتصادي الأعلى في إيران (المؤلف من رؤساء السلطات الثلاث في البلاد والذي تشكل العام الماضي بأمر من خامنئي للالتفاف على البرلمان) وقال: «لست خبیراً في هکذا أمور، اتخذ رؤساء السلطات الثلاث قراراً استنادًا إلی رأي الخبراء» وأضاف: «إذا ما اتخذ رؤساء السلطات الثلاث قراراً فإنني أؤیده، لقد اتخذوا القرار استناداً إلی رأي الخبراء وینبغي بطبیعة الحال تنفیذه» (موقع خامنئي، 17نوفمبر2019).
طریقة خامنئي هذه في مواجهة الأزمات والمآزق باتت مفضوحة تماماً، حیث یحاول تبرئة ساحته بإبعاد المسؤولیة عن نفسه وإلقاءها علی عاتق منفذي قراراته.
الشاهد علی هذا القول هو ما حدث في الشأن النووي عندما قام رأس الأفعی خامنئي بتبرئة نفسه من مسؤولیة الاتفاق، لكن في حقيقة الأمر، كلا من حسن روحاني وجواد ظريف قالا صراحة أنهما تصرفا بناء على أمر من خامنئي. ظریف تحدیداً قال لأعضاء مجلس شورى الملالي بغضب وانفعال: «هل یمکن أن نفعل شیئاً من تلقاء أنفسنا؟ کل ما نقوم به هو بأمر خامنئي ونعدّ له التقاریر المفصلّة».
من جهته لرفع مسؤولیة قرار زیادة أسعار البنزین عن عاتق الحکومة قال رئیس مکتب روحاني: «تعدیل أسعار البنزین هو قرار جمیع أرکان النظام، وقد شارك الجمیع في هذا القرار، الحکومة تقوم فقط بتنفیذه».
تحصن خامنئي خلف حیله الدعائیة الکاذبة وأسالیبه المکشوفة فيما یتعلق بقرار ارتفاع أسعار الوقود جاء هذه المرة في محاولة منه لتجاوز المصيبة التي حلت بالبلاد نتيجة حساباته الخاطئة وعدم تقدیره الدقیق للأوضاع.
اندلاع غضب الناس العارم غاب عن حسابات خامنئي الذي یتجاهل قابیلة الشعب المحتقن للانفجار ونهوضه من بین الانقاض وإمکانیة تدفّقه الواسع إلی الشوارع في 31 محافظة إیرانیة وهتافه المتواصل بـ «الموت لخامنئي».
لذا فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو!! هل کان قادة النظام وزعماؤه یشعرون بالقلق والتوجّس إزاء ردود فعل الناس علی ارتفاع أسعار البنزين؟
الجواب هو أن كلًا من خامنئي وقادة نظامه يدركون جيداً أوضاع الناس المعیشیة ومعاناتهم من الفقر والحرمان ویعلمون أنهم على الأرجح سيحتجّون، لكن لم یقدّروا بدقة مدی اتساع رقعة الإحتجاجات. کما أن خامنئي في کلمته حول دعمه لقرار زیادة أسعار البنزین قد أشار إلی مشاکل الناس وهمومهم.
الحقيقة هي أن الشعب الإيراني المحتقن والمسحوق كان يبحث عن فرصة للتعبير عن غضبه واستیائه من النظام برمته.
منذ بداية الانتفاضة كانت هتافات المتظاهرین سياسية بحتة تستهدف خامنئي وتهتف بـ “الموت لخامنئي” و”الموت للدیکتاتور” في جمیع المدن.
بالتالي حتی بدون زیادة أسعار الوقود کان هناك مخاوف یومیة کثیرة تشغل أذهان ساسة النظام وأزلامه.
الحقيقة الواضحة الأخرى هي أنه بعد سنوات من ديكتاتورية وقمع ونهب وعدوان النظام الإیراني، بات الشعب یبغض هذا النظام بشدة ویحقد علیه، کما أنه محاصر في مأزق ملفه النووي. وقد انهارت خطط خامنئي لتمديد عمقه الاستراتيجي إلى سواحل البحر المتوسط بسبب انتفاضة الشعبين العراقي واللبناني.
كما أن العقوبات الخانقة قد منعت فعلياً حصول نظام الملالي علی أموال طائلة، وبالتالي لم یعد قادراً على تغطیة التکالیف الداخلیة والخارجیة في کل من لبنان والعراق وسوريا واليمن وتوفیر الدعم المالي للجماعات الإرهابية التابعة له.
منذ إنتفاضة 2017 والشعب الإیراني یردّد هتاف «استحي یا دیکتاتور واترک السلطة» أو یهتف بـ «خامنئي أترك سوریة وفکّر بنا» و«لا غزة ولا لبنان روحي فداء لإیران».
لذلك فإنّ زیادة أسعار البنزین جاء نتیجة لیأس وعجز النظام الإیراني المنهارعلی کافة الأصعدة وقبوله لجمیع المخاطر الأمنیة المحتملة لتعویض عجز میزانیته من جیوب الناس وسرقة قوتهم في محاولة يائسة منه للحفاظ علی سلطته.
في أعقاب الإعلان عن قرار زیادة أسعار البنزین والبحث في تداعیاته، سارع البرلمان إلی تقدیم خطة ثلاثية لهیئة رئاسة مجلس شورى الملالي وعقد اجتماعاً طارئاً مع الأمين العام لمجلس الأمن القومي “علي شمخاني” ملوّحاً بسحب القرار. لکن خامنئي یعلم بأن سحب القرار ستعقبه سلسلة تنازلات أخری عن كثير من القرارات الجائرة بحق الشعب الإيراني، لهذا استحضر تهمة التحریض الخارجي الجاهزة لوصم المتظاهرین ووصف انتفاضة الشعب علی أنها “أعمال شغب” والمنتفضین بـ “مثیري الشغب” و”قطاع الطرق” دون أدنی إحساس بالخجل، وأمر بقمع الإنتفاضة. وفيما يتعلق بانتفاضة الشعبين العراقي واللبناني وتردید شعار “إیران برا برا”، خاطب خامنئي أزلامه ومنتسبیه في البلدين ودعاهم إلی مواجهة الانتفاضة وقمعها باعتبارها “انعدام للأمن”.
لكن الشعب الإيراني بانتفاضته لم يرد على “رفع سعر البنزين” فقط، بل أخذه حجة واستهدف صميم النظام وأحرق صور خامنئي ومراكز القوة الرمزية للنظام بطريقة عملت بها معاقل الانتفاضة وشباب الانتفاضة لإظهار أن الشعب الإيراني يستهدف النظام الفاسد بمجمله.
قالت السيدة مريم رجوي، رئيسة الجمهورية المنتخبة من قبل المقاومة الإيرانية لفترة الانتقال فيما يتعلق بالانتفاضة الأخيرة للشعب الإيراني: إنها انتفاضة لإنهاء 40 عامًا من الديكتاتورية والإرهاب في إيران.
لعبة الإصلاحية والأصولية قد انتهت والشعب الإيراني يريد إسقاط النظام الديكتاتوري الديني بمجمله.
لقد وصلت ولاية الفقيه إلى نهايتها…
تسبب “البنزين” في تصاعد لهيب نيران الانتفاضة في المدن المنتفضة، وفي نهاية المطاف ستحرق هذه النيران خامنئي وكل عناصره القمعية في لهيبها. يجب الإطاحة بهذا النظام بهمة الشعب ومقاومته المنظمة المتمثلة في منظمة مجاهدي خلق الإيرانية والمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية وهذا سيتحقق إن شاء الله.
وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون..
*كاتب حقوقي وخبير في الشأن الإيراني
@NezamParham