تفاصيل تنشر لأول مرة من داخل الملعب

إبراهيم اليوسف
 
الجزء الاول:
حاولت أن أعود – ونحن نعيش توترات الذكرى الأولى لأحداث ملعب – قامشلي –وما تبع ذلك من تداعيات لما تنته ، بعد ، من خلال تناول بعض التفاصيل والجزئيات الصّغيرة التي فاتتنا – كإعلاميين في غمرة المحنة والحدث المروّع ، والخطب الجلل – عساها تحمل شيئاً من الدلالة لأيّة دراسة مقبلة، مادام انّ هذا الحدث العرضيّ – في منظور مفتعليه- سيكون –محطّة في التأريخ السوريّ ، بعيداً عن التأريخ الرسميّ الذي ظلّ إلى فترة طويلة يمارس دور التعمية، والقفز على الحقائق، وتناولها من زاوية الرّغبة لا الواقع….!؛ فوجدت أنّ ما قلته عمّا جرى في الملعب منذ الدقائق الأولى لإشعال جمهور الفتوّة فتيل الفتنة، عن سابق إصرار وتعمّد ، قبل الأمر بإطلاق الرصاص- عبر برنامج إذاعي ـأولاً ـ وكان هذا أول إعلان غير رسمي ّعمّا تم، بعد إعلان مراسل إذاعة دمشق عن الشرارة الأولى، وإشعالها، وجدت أنّه لم أتمكّن من التقاط إلا القليل، لأن كلّ ماكان صار مكشوفاً، وأن المتابعة التي قدمتها للحظة إطلاق الرصاص عبر فضائية ــ روز ـ لما تزل كما هي، لأنّنا ــ آنئذ ـ أنا ومن جاء بعدي ليغطّي الحدث، قدمنا كلّ ما هو حقيقي، بخلاف ماكان يفعله إعلاميو السلطة، ومحلّلوها السياسيون الذين ــ لم يضربوا في المندل ــ أمام هذه الواقعة، بل قرأوا أفكاراً أمليت عليهم، وراحوا يفلسفونها، وبئس فلسفة من هذا الضرب (( قصيرة الحبل)) لا تمتلك أية مقوّمات مصداقيتها، و بالتالي: الإقناع…
جمهور الفتوة وسيكولوجيا العنف:
مؤكّد أنّني لا أريد هنا أن أعمّم كلامي البتة على سائر جمهور فريق نادي الفتوة. حيث أنّ فيه من لا يفكّر على طريقة مشاغبيه، بل يتناول الأمور بعقلانية، وتبصّر ــ بعكس غلاظه الذين شكّلوا صورةً عن كامل هذا الجمهور، ولعلّ أكبر دليل على وجود هذا الأنموذج ــ أيضاً ــ هو إن هناك من أبناء قامشلي من قدّم شهادات بأنّ هذا الصنف ــ وهو لا يشكّل نسبةً عاليةً ــ كان قد انخرط لتهدئة من معهم دون جدوى، معبّرين عن سخطهم، وتذمّرهم من سلوكيات أقرانهم، وهم ليسوا من دير الزور ـــ وحدها فحسب -بل من زعران ــ الحسكة ــ الذين قدموا على دراجات نارية، وكانوا من عداد ناهبي المحال التجاريّة، في ما بعد، كما سنرى …..
أجل، رغم وجود مثل هذا الأنموذج ــ بيد أنّ جمهور دير الزور وخلال فترة زمانية طويلة هي عمر ــ هذا الفريق ــ قد أعطى عن نفسه صورة ًسيئة ، بمعنى أنه أوّل من أساء إلى نفسه ، من خلال تسويد سجله ، لدى الجهات المعنية بالرّياضة السورية ، بل وعمليأ ــ أيضاً ــ من خلال انعكاس سلوكياته المشينة على اسم فريقه ، وتشكيل صورة عن ذاته من الرعونة ، والاخشيشان ، بل أقصى درجات العنف الذي يجعل جمهور الرياضة – سوريا ً –يتورّع منه ، وظلّ يرافقه أنّى حلّ ، ليحوّله إلى بعبع مرغوب عنه ،على امتداد خريطة البلاد .
إن أية عودة إلى الخطّ البياني لهذا الفريق ، وقراءة سجل مبارياته ، ستجعلان المتابع يتوصل إلى قناعة مطلقة ، مفادها أن جمهور هذا الفريق لم يبق محافظة سورية – قطّ – إلا و أساء إ لى جمهورها ، بل وإلى أهلها ،وإلى رياضتها ، وان هناك حوادث عنف تشمئز منها النفوس ، ارتكبها هذا الجمهور الذي راح – يوما ً وراء يوم –يتمادى بأكثر ، كي يستشرس ،إلى أن يصل ظهيرة 12 آذار 2004كي يتجاوز – في بعض منه – إلى درجة ترجمة موقف سياسيّ صداميّ ، بكسر الصاد وفتحها لا فرق – في قراءتين صائبتين ، معتقدين أنّ أبا نشأت الذي ضرب بحذائه أحد تماثيل صدام حسين ، إنّما هو من بين جمهور قامشلي …..!
إن مايجعل مثل هذا الكلام ليس افتئاتاً على أحد ، ولاتجديفاً ، أو تخرّصاً ، هو انه – ونتيجة هذه الحالة المفزعة التي آل إليها هذا الجمهور – نتيجة انه لم يلاق ما يلجم ممارساته ، ويكبح تهوره المقيت ، وهوأن الاتحاد السوريّ لكرة القدم وجه إنذاراً إلى نادي الفتوة في تاريخ 9-3-2004- أي قبل أحداث ملعب القامشلي بثلاثة أيام فقط ، وذلك بسبب شتم جمهوره طاقم التحكيم في الأسبوع السابق ،مع التأكيد بإقرار عقوبة أشد ّفي حال تكرار المخالفة ، وحسب اللوائح والأنظمة ( راجع جريدة الاتحادالعدد 406) 
جمهور قامشلي وشهادة تاريخية :
لاأريد أن استرسل مع العاطفة ، من خلال كيل المديح لجمهور قامشلي – الذي عرف – في المقابل – بروح حضارية مائزة ، تؤهله أن يكون – بامتياز- فريداً بوعيه ، وسلوكه المتزن ، شغفه ب / الرياضة – بعيداً عن إحراز الكؤوس – وما يذكّرني ببيت – مسجوع – طالما رددته في طفولتي وهو :
ليست الرياضة لإحراز الكؤوس وإنّما لتربية النفوس
كي يلتقطه مدرب الرّياضة من فمي ، ويدوّنه ، على جدار المدرسة التي أتابع فيها دراستي منذ حوالي ثلاثين عاماً ، وأنا الذي لا أحبّ الرياضة البتة ، بيد أن كل ّ مايمكن أن أتذكّره هنا هو إن فقيد الرياضة : عدنان بوظو رحمه الله ، قال في نهاية السبعينيات (1979) عن جمهور هذه المدينة: إنه حضاري ، وذوّاق ، بل إن ريبوتاجه المتميز الذي استغرق فترة طويلة عن نادي الجهاد ، وجمهوره عن صعود الجهاد من الدرجة الثانية إلى الأولى ، عبّر فيه عن مثل هذا الإحساس – آنذاك – خير دليل على هذا الكلام ، لدرجة أنه – كما قال – تعرّض للمساءلة ، إلى أن اضطرّ لإيقاف تلك الحلقات ، بيد انه أجابهم : لم أخترع شيئاً من نفسي ، هذا هو الجهاد وجمهوره ، اذهبوا إلى هناك بأنفسكم ، لتروا كلّ شيء ، ما أقوله – هنا- ليس هرفاً ، ولا ضرباً من المناصرة العمياء ، أو المناطقية المتآمرة ، والتخندق الأرعن مع مدينة ، وجمهور ، بل رصداً للحقائق ، كما إن مثل هذه الشهادة البوزوية موثقة في أرشيف التلفزيون السوري ّ
   
الجزء الثاني: 
  
محاولة لرصد الشّرارة الأولى إ 2/ 3
” أيام مؤرّقة
– انه لمأزق صعب ..!!
هكذا ، فكّرت إدارة نادي الجهاد ، وهي تستعدّ لاستقبال الفريق الضّيف ، على أرضها – بلغة أهل الرياضة – وهذا ما دعا الإدارة لتداول الأمر فيما بينها ، كي تتمخض عن هذه المداولات بين أعضائها فكرة مراسلة الاتحاد على عجالة ،لاستحثاثهم بخطورة المباراة ، نظراً لرعونة جمهور هذا الفريق ، وتصادي صيته في هذا المجال ، بل وتناقل أصداء وعيد بعض غوغائيه الذين راح وعيدهم يصل إلى الآذان ، تهديداً سافراً ،كما يبدو ….
ولعلّ في عرف إدارات الفرق الرياضية – عادةً – إعلام الجهات التنفيذية قبيل أية مباراة تتمّ في ملاعبها،من أجل تأمين ما يلزم من قوات “حفظ النظام !” لحماية هذه المباراة، وهذا – تحديداً – ما قامت به الهيئة الإدارية للجهاد في وقت مبكّر، تحسباً لأي طارئ ، لم يعد غريباً أمام أيّ لقاء ببعض الجمهورالأرعن لهذا الفريق…!
تم ّالاتفاق في إدارة النادي على صياغة كتاب موجّه إلى هذه الجهات المعنية في يوم الثلاثاء 9-3-2004 حيث تم التأكّد على حساسية هذه المباراة ، واستثنائيتها، بل خطورتها، بصريح العبارة….!
تؤكّد اللجنة الإدارية أن عيون أعضائها لم تعرف طعم النوم والراحة ، فكانوا في حالة فائقة من التحسّب لهذا اللقاء ، وهو ما حدا بهم أن يبذلوا قصارى جهدهم لضبط الملعب، ومن هنا فقد التقوا الضابط – خالد كاجا – ممثلين برئيس النادي وأحد أعضاء إدارته ، وأطلعوه على نظام الملعب، مؤكّدين أنّه يجب ألا يتمّ فتح مدخل الزاوية الجنوبيّة الغربية ، إلا في حال وجود جمهور أكبر من أن يستوعب ، لأنّ هذه الزاوية قريبة من المكان المخصص للجمهور الضيف الذي سيخصص له المدرج الجنوبي ، مركزين كذلك ،على ضرورة ألا يسمح لأحد بالدخول حتى الساعة الواحدة ظهراً ، أي قبل بدء المباراة بساعة ، حيث ستبدأ هذه ال…”وقعة ” في تمام الساعة الثانية من بعد ظهر الجمعة 12 –آذار 2004 …!
الموت القادم من الشرق…!
لقد كان مدعاةً للدّهشة تقاطر جمهور الفريق الضيف منذ ساعات الصباح الأولى ليوم بدء المباراة ،حيث يمكن القول : إنها المرة الأولى التي يصل فيها جمهور فريق ضيف مدينة ستجري فيها المباراة ، قبل ساعات من بدئها ، فها هو في الساعة التاسعة والربع يتفاجأ أبناء المدينة بوصول موكب هائل ، لم يتمكّن أحد في البداية من معرفة دواعيه ، حيث مئات الدراجات النارية ، والآليات – المركبات المتوسطة : فانات – فوكسات – باصات إلخ….
وبعضها مغطّى بلافتات استفزازية ، استفزاز كرد قامشلي – دون ريب ، ثمّ راحوا يجوبون شوارع المدينة ، دون أن يتعرّض لموكبهم الاستفزازيّ المريب أحد ، ولتتصادى شعارات موغلة في بربريتها وهمجيتها……!
– ما لنا غير اثنين ، الفتوة وصدام حسين …
ولتتصدر اللافتة المكتوب عليها : الموت القادم من الشرق! – والتي ستنزع عن المركبة ، كي تغرس في أرض الملعب إمعاناً في التحدّي ، كما سنجد ..
أصحاب المحال التي تفتح عادة في يوم الجمعة اضطروا لإغلاق محالهم ، عاجلين ، وهم يقرؤون الشّرر في عيون هؤلاء الطارئين الذين لم المدينة من قبل مثيلاً لعنجهيتهم ، بل أن أذاهم وصل إلى أحد أكبر مساجد المدينة – قاطبةً – وهو مسجد زين العابدين ، كي يوقف الخطيب خطبته ثلاث مرّات
– أية مدينة هذه…؟
يقولها محدثي – كي يكمل حديثه : أو يعقل ألا يتصدى ولو شرطيّ واحد لهذا الاستعراض البربريّ على امتداد أربع ساعات ، تبدأ بالتاسعة وحتى الواحدة بعد الظهر…
أين هؤلاء الذين كانت مناظرهم مروّعةً وهم يضعون المسدسات – عادة ً– على خواصرهم ، يتنصتون إلى أيً حوار بين مجرد طائرين في عشّهما على امتداد المدينة ، وضواحيها ، المتخمة أو المجوّعة ، لا فرق إلى الدرجة التي بات يخيل إلينا أن الأشجار تتنصت إلى أحاديثنا ، وهو ما كنت قد قلته ذات مرّة في إحدى قصائد مجموعتي الشعرية الأولى 1986 ….
– كانت إدارة النادي قد بذلت ما يتطلب منها، وأوصلت كلّ هواجسها ومخاوفها إلى الجهات المعنية التي تستنفر عادة من أجل عرس في قرية بعيدة ، أو صوت رصاصة ، أو مفرقعة في أقاصي الريف ، فتتمكّن من ضبط هذا وذاك ، وآخرين لا علاقة لهم بالأمر ، في سباق فرض سطوتها ، غير آبهة بأن يدفع الأبرياء – ثمن فاتورة – هيبة هؤلاء ، واحترازاتهم ، وها هم أمام لحظة تستدعي ممارسة دورهم الأمني ، ولجم جموح بعض الأشارى الهائجين ، دون أن تفعل ذلك البتة
– أجل ، إنه لسؤال جارح : أين كان هؤلاء الأمنيون طوال كل تلك الساعات؟
أين….؟
أين…؟
الجزء الثالث:
من داخل الملعب…..! 3/3
” تفاصيل صغيرة تنشر لأوّل مرّة…” 
في مطبخ الدم…
بدأت جموع هؤلاء المشاغبين تتوافد صوب الملعب البلدي ، وسط مدينة – قامشلي – بيد أن متعهد المباراة منعهم من ذلك بسبب التعليمات المتشدّدة من قبل إدارة النادي ، ومن بينهم ثلاثة من الشبّان الكرد المستقلّين د. سيف الدين سليمان – د. أحمد خلو- محمد حفيظ ….!
لم ترعو هذه الحشود المتقاطرة والتي توقفت أمام المدخل الجنوبيّ الغربي ّ للملعب، بل اقتحموا الباب ، ودخلوا الملعب في الساعة الحاديّة عشرة ظهراً – قبل بدء المباراة بثلاث ساعات، فاجتاحوا المدخل كالموج الهائج العارم ،ومعهم أكياسهم السوداء ، وحقائبهم ، وترامسهم المائية المملوءة بالحجر الأسود الذي اصطحبوه معهم حين وصولهم أول مدخل المدينة كي يلتقطوا الحجارة المعدّة للسكّة الحديدية ، وهي حجارة ليس ما يشبهها في المدينة من حجارة كما يعرف ذلك أخصائيو الجيولوجيا ، وهي دليل نيّة مبيتة ، وسبق إصرار على الإساءة….!
لجنّة الاستقبال – خلف الباب ، وفي وسط الملعب ، وفي المدرّجات ، تفاجأت بهذا الحشد الهائج الذي – اكتسح – الملعب ، ناشراً صخبه في كلّ مكان، دون أن يتقيّد بالتعليمات التي أبدوها، فاتّجه – إلى المدرّج الشرقيّ – المخصّص لجمهور الجهاد ، غير آبه بتوسلات اللّجنة للتقيّد بالنظام والتعليمات الخاصة ، ولكن ، هيهات!.
وسط هذا اللغط ، والضّجيج ، والصّراخ الذي يصل السماء ، تابع الجمهور الضيف احتلال مدرجات سواه ، كي يواصل – رعونته – ويترجمها ، وهو ما لفت نظر مدير المنطقة العميد تيسير الخطيب ، الذي لحق به – على الفور – أعضاء الهيئة الإداريّة يطلعونه على خطورة ما يتمّ ، وعدم التزام جمهور دير الزور بالتعليمات الخاصة ، وقاموا بدعوة أحد إداريي الفتوة ، راجين منه أن يوعز إلى جمهوره للدعوة إلى مدرّجه الخاص، فرفض ذلك ….؟!….
اضطرِّ مدير المنطقة للتوجّه – بنفسه – إلى الجمهور الديريّ – وعبر مكبّر صوت أحضر له –بهذا الخصوص – بيد أنّه واجه سيلاً من الشتائم و الأصوات المنفّرة المستهزئة منه “تصغيراً وقذفاً وتعفيطاً” كما يقال….!
أول إجراء احترازيّ لجأ إليه – مدير المنطقة – أن قام بوضع حاجز من رجال الشّرط بين مدرجي الجمهور الضيف والمضيف ، تحسّباً لأيّ طارئ باتت بوادره تلوّح ، وإن كان جمهور قامشلي لمّا يدخل ساحة الملعب بعد !…
في الساعة الواحدة ظهراً سمح لجمهور المدينة بالدخول ، كي يجد مدرّجه المخصّص له يعجّ بالجمهور الضيف !، فأخذ يحتلّ بدوره ما تبقّى من مدرّجات 
ليترافق ذلك مع نزول – الفريقين – إلى ساحة الملعب للبدء بالتحمية !
ولكن ، أنّى له ذلك ، فصراخ الجمهور الضّيف يصل عنان السماء، فها هو ذا يزمع على إلهاب الملعب بشعارات همجيّة، تصعق الآذان ، تؤجّجها بأكثراللافتة التي دونت عليه عبارة : “الموت القادم من الشرق” الإنذار الذي لم يقرأه أحد :
– بالرّوح بالدم نفديك يا…صدام….!
– بالزّور بالكوّة *– يربح الفتوّة…!…
بالكوّة بالزو رتربح ديرالزور.
– ….. الطالباني..!
– ……. البارزاني..!
كي يردّ جمهور – قامشلي –على هتافاتهم الاستفزازيّة التي تريد إخراج اللعبة من مسارها ، وإعطاءها بعداً سياسيّاً ، لم يخطر ببال هؤلاء:
– يسقط صدام…!
– …..
– …ثمّ راح أحدهم يرفع صورة صدّام بكلتا يديه في تحدّ ، أخرق ، سافر، لجمهور قامشلي – ويجري بيده حركة مشينة ، دليلاً على درجة أخلاقه ، وأخلاق وفكر صاحب الصّورة أبي عديّ….!
وليغدو أبناء – قامشلي – مرمى للحجارة الصوّانية السوداء القاسية التي باتت ترتطم بالرؤوس ، وتنهال على جمهورالجهاد ماداموا في المدرّج المقابل ، دون أن يكون لديهم ما يردون به عليه ، فهم عزّل ، تم ّتفتيشهم على الباب الرئيس، ولم يسمح لهم حتّى بإدخال صحيفة رياضيّة ، أو قلم ، أو سبّحة…! 
لم يكن من بدّ أمام هؤلاء – أبناء المدينة – إلا أن يفرغوا المدرّج ، ولكن ، أنّى لهم ذلك ، أنّى لهذه الآلاف أن تلوذ بالفرار خارج الملعب، ووابل الحجارة يسقط فوق رؤوسهم ، وأعمدة اللافتات سرعان ما تنفكّ عنها أقمشتها ،و في عجالة لاتصدّق، فإذا بها قضبان حديدية ، ترتفع وتهوي على الأجساد ، بل كي يظهر ملثّم على غرار من يسمون ب: المقاومة “5”– يخرج مسدساً كاتماً للصوت ويطلق العيارات الناريّة على الحشد المضيف…!؟
أجل ، أنّى لهذا الجمهور أن يفرّ، ما دام ممرّ النجاة لا يتجاوز عرضه – المتر – الواحد ، كي يصبح – دريئةً- سهلةً ، لحجارته، وضربات زبّانيته الذين راحوا يتصرّفون وكأن ّ من أمامهم أعداء حقيقيون، إذ انهالوا بالضّرب المبرّح على أجسادهم ، خبط عشواء ، دون تمييز أحد عن سواه،كي تجد الرؤوس مدماةً، بل والدماء تسيل من هذه الكتلة البشريّة المذهولة دون ذنب اقترفته البّتة…!
عدد الجرحى وصل المئات ، والدماء تسيل على ملابسهم، بل وتترك آثارها على أرض الملعب، وكأنّ معركةً بين جيشين تتمّ الآن، أو لكأن ّهطلاً من دم أحمر باغت المدينة !..
– منظر مؤلم !
– صورة لن ينساها كل من أبصرها…!
– جرحى..؟
– دماء..؟
– دماء…؟
شرط لم يفعلوا شيئاً ، أو فعلوا ما يريدون…
– إنّه سؤال يدعو إلى الاستغراب…!
وفجأةً ، يصل صوت مراسل إذاعة دمشق :” من ملاعبنا الخضراء “– معلناً سقوط ثلاثة أطفال ضحايا بالتزاحم ، وأن ّمندسين دخلوا الملعب ، حيث أن البثّ بات يتناسى ما يدور في ستّة ملاعب أخرى من سوريا في اللحظة نفسها ، وهو ما لم يحدث في تاريخ هذا البرنامج من قبل ، كي يصل النبأ المؤلم إلى كل المدينة . تتقاطر أفواج أهل المدينة – وأنا منهم – صوب الملعب ، أولاً ، فالمشفى الوطنيّ ، ثانيا ً ، بحثاً عن فلذات أكبادهم ، أو بداعي الفضول ، أجل ، لقد كنت من عداد هؤلاء ، و من توجّهوا في تلك اللحظة للاطّلاع على ما تمّ، وحلّ من رزء بالأهلين ، بحسب الشائعة ، بعد مكالمة من خارج سوريا ، حيث تساءل أحد أصدقائي من الإعلاميين : أو صحيح ما سمعناه؟…
ولعلّ أصداء “موت” الأطفال الثلاثة تناهى إلى مسامع اللاعبين في المحافظات الأخرى ، وهم في الملاعب ، فها هم لاعبون من فريق الكرامة ؛ يبدون ألمهم لما حلّ بأطفال قامشلي – وجمهورها ، وهو ما ركّزت عليه كاميرا التلفزيون السوريّ بعد أيام قليلة من المباراة ، كي نكون أمام لقطة لهؤلاء ، لا آلم….ولا أحزن ، ولا أفظع منها البتة!!….
مدير المنطقة – يلتقط بارودةً من يديّ أحد الشرط ، يطلق الرصاص في الهواء الطلق ، ويخرج جمهور – قامشلي – خارج الملعب مذعوراً، مستجيباً لنداء مدير المنطقة، كي يبقى الجمهور الضّيف يكسر كلّ ما يقع بين يديه ، وقٌدميه ، في الملعب ، وإخلاء الملعب للجمهورالضّيف ، يجمعه مدير المنطقة في وسط الملعب ، تحميه بنادق الشّرط ، بعد ردّة فعل الجمهور المضيف ، وحالة فزعه إثر انتشار خبر قضاء الأطفال الثلاثة ، وهو ما لم يكن طبعاً…!!
مصعوقاً ، لاعقاً جراحاته ، جرّ الجمهور الضيف أذياله ، كي يتوجّه من يصل من أبناء المدينة إلى المشفى الوطنيّ ، ليطمئنوا على فلذات أكبادهم ممّن لم يصلوا بيوتهم بعد !؟.
الشوارع المؤدية إلى الملعب كانت شبه خالية من المارّة – قياساً إلى الحدث –
ما خلا تجمعات صغيرة ، هنا وهناك ، وحده الشارع المؤدّي إلى المشفى الوطنيّ، كان يعجّ بحشود الناس المضطربة ، وكأنّه يوم الحشر ، ليتفرّقوا شيئا ً فشيئا ً ، وليبدو أن كل ّ شيء قد انتهى ، فلا قتلى – يؤكد أطباء كثيرون – وكلّ الإصابات طفيفة ، لم تصل حدّ الموت ، وحكاية موت الأطفال ملفقة، فلربنا الحمد ، إذاً …!؟….
يصل”موكب” محافظ الحسكة – سليم كبول – والشوارع المؤديّة إلى الملعب شبه خالية ، ومعه “ستّ سيارات” من الوفد المرافق له ، وثمّة من يقول بأنّ – حصيّةً – قد أصابت سيارته!، دون أن تترك أثراً ، طبعاً، وثمّة من ينفي ذلك…
بعيدا ً ، ثمّة مارّة – متحلّقين – قلة ، يتساءلون عمّا حدث ، إنّهم تحديدا ًعلى بعد أكثر من مئتي متر – قرب مشفى فرمان، أو على الطريق السياحيّ ، المحافظ لم يحالفه الحظّ برؤية كل ما تمّ من فيلم هوليوديّ في العنف، ومن حقّه أن يرى ما يشاء ، مادام أنّه الشّخص الأوّل في المحافظة ، بعد أن ربح المعركة مع المسؤول الحزبيّ الأوّل ، بل ومن حقّه أن يترك هو الآخر بصماته!!….
يخرج هاتفه المحمول، يتصل … بمن يتّصل” ..؟” ، وهو شخص أعلى مرتبةً ، كما يظهر ، وكما أوضح ذلك الكاتب سليمان يوسف- الناطق الرسميّ باسم المنظمة الآثورية – في مقال له في الحوار المتمدن – كي يأمر من حوله من شرط:
نار ..!!
كي يتوسّل إليه سليمان يوسف: أرجوك سيادة المحافظ – إن من تبقّى من الجمهور المتقهقر أتكفل -أنا- بإبعاده عن هذا المكان ، ولكن ، دون جدوى !؟.
يتمركز هؤلاء – فوراً- حول” المستديرة” الموجودة غرب الملعب البلدي ، المستديرة التي أسميها : ساحة شهداء 12 آذار – يأخذ هؤلاء الشرط أماكنهم ، منبطحين حول المستديرة ، وضمنها ، يصوبون غلّ بنادقهم – بعد أن ينضمّ إليهم رجال أمن حملة مسدسات – برصاصات حيّة ، إلى بقايا المارّة ، دون أن يسألوا أنفسهم:
– ولكن ، ماذا فعل هؤلاء الذين نرميهم بالنار…!؟
أربعة ضحايا يسقطون – فوراً- في نهاية الشارع ، وآخران يسقطان أيضاً في الزاوية الجنوبية للملعب، وعشرات الجرحى يسبحون في برك الدم ، دون أيّ رادع من ضمير ، أو وازع من إحساس إنسانيّ….
ولعلّ معرفة أن أحد هؤلاء كان عاملاً في مطعم لاعلاقة له ب” ترف ” الرياضة ، ينقل طلبة طعام إلى بعضهم على درّاجته الهوائيّة ، لخير دليل على مستوى الجريمة، وفضيحة الفرمان المقيت ..
ينجح محافظ الحسكة – وهو ربّما أوّل عمل ناجح له في مهمّته كمحافظ في الحسكة- بتأمين باصات من مؤسّسة الحبوب وشركتي ال”حسن” و”هرشو”، كي يعيد الجمهور الضيف إلى مدينة دير الزور، حيث سيعلن “عماد عطا الله” إداري الفتوة في تمام الساعة السادسة والنصف مساءً بالقول : بعثة النادي غادرت القامشلي……بسلامة- بل غدرت ..كما هي الحقيقة- وها هي الآن على بعد خمسة وعشرين كيلو متراً عن دير الزور….!
بعد أيّام ، يعلن محافظ الحسكة في اجتماع مديري ّ المؤسّسات والدوائر الذي يعقد برئاسته في الحسكة قائلاً:
” اتّصل بي المعنيون في القامشلي مؤكّدين أن لا داعي لمجيئي ، وأنّ الوضع تحت السيطرة ، فقلت لهم : لا بدّ أنّ آتي لأستطلع ما تم ّميدانياً…”
– وكانت المجزرة …
– المجزرة الخزي ّ…..
– المجزرة….. 
..—————————-
• أي القوّة ، شدوّ الفتوة ….هنا…..!… 
• وفد من الشيوعيين السوريين التقى في مكتب مدير المنطقة بقامشلي أولي الأمر من رجالات السلطة-ممّن تركواالمحافظة وجاؤوا إلى ” غرفة العمليات” هذه ، فقالوا لهم : نحمّلكم – أيها المسؤولون -كامل المسؤولية، وأشاروا إلى سوء تصرّف المحافظ، ولم يرحبّوا به طوال وجوده في المحافظة أنّى حضر أية فعّالية جبهوية مشتركة.، هذه الغرفة التي سيوقع مسؤولو الحزب والأمن كافّة فيها – كما يبدو – على الوثيقة المتسربة.أنترنيتياً بإباحة قتل الكرد بتاريخ 12-3- 2004. 
• تم استدعاء ممثلين عن الحركة الكرديّة : الاستاذ عبد الحميد درويش- نصر الدين إبراهيم – صالح كدو، وربما آخرون…أيضا ً، فدخل رئيس أحد الفروع الأمنية ليقول بتغطرس : أوعجبك يا أستاذ عبد الحميد مافعلتموه؟ 
ولقد كان عليه أن يصوغ سؤاله على نحو آخر: أعجبك ما فعلناه؟”
بل ولعلّ أهم سؤال هنا هو: لماذا تم استدعاء الكرد وحدهم ماداموا غير مستهدفين ، بل لم لم يتمّ سماع الاقتراح المهم للأستاذ بشير اسحق سعدي لوضع حلّ رآه اسعافياً ، صائبا ، ًملحّاً ، عندما هتف إلى أمين فرع حزب البعث بالحسكة وهو في الطريق إلى قامشلي ، فانقطع الاتصال ، ليعزى ذلك إلى عدم وجود تغطية الهاتف المحمول، ودوم أن يستفسر بدوره عن سبب الاتصال لاحقاً… …
صدر لطرفين شيوعيين : بكداش – قدري بيانان حمّلا فيه السلطة المسؤولية ، وإن كنت سأسجّل عليهما الملاحظات بخصوص وقوعهما – أيضاً – في شطح الخيال والحديث عن مؤامرة أخرى ، لاعلاقة لها هنا ، كما سيؤكّد ذلك السيد رئيس الجمهورية د. بشّار الأسد – وبمنتهى الوضوح والصراحة – في 1-5 -2004
5- قدّم التلفزيون العراقي – العراقية- في 10-3- 2004حواراً مع أحد الإرهابيين- وهو إمام جامع – وأمير- لأنّه قتل أكثر من عشرة عراقيين – قبّحه الله ، اعترف فيه هذا” المجاهد” أنه طرد من “جامعه “لأنه مارس الّلواطة في الجامع….ياللمقاومة ال….”شريفة” ياللمجاهد ال”…….”!!….
– مسؤولو الرياضة في محافظة الحسكة أصدروا قرارا بإيقاف الرياضات في 16-3 -2004— ليكونوا أول من يخترقه عندما يتعلق الأمر بفريق ألعاب قوى من” مدينة الحسكة” حيث يتم إرسال الفريق إلى دمشق ويتعرض لحادث سير على مشارف دمشق ، فتكون الفضيحة….!!
ملاحظات:
منذ اليوم الأول لانتفاضة قامشلي 12 آذار 2004، بدأت بكتابة الكثير من المقالات، التي أصبحت بالمئات، إلى أن تم إطلاق سراح المعتقلين، و كنت  قدنشرتها في المواقع الإلكترونية: الكردية وبعض المعارضة، إلا أن غياب تلك المواقع، الآن،، دعا إلى ضياع جزء كبيرمن المقالات، ماعدا حوالي 90 مقالاً لي وجدته في موقعي الفرعي في الحوارالمتمدن، ولدى بعض الأصدقاء سأشير إلى أسمائهم، منهم: محمد سعيد آلوجي رئيس تحريرموقع كردستانا بنختي، وسأقوم بطياعتها في كتابين
كنت أنشر مقالاتي في الموقع الكردي -غالباً- وأعيد نشره بعد أيام، في موقعي الفرعي في الحوارالمتمدن، لذلك فإن تواريخ نشرها هنا أتت متأخرة.
آلاف الأخبار التي نشرناها ضاعت!
كتحية إلى تلك المواقع التي عملت كجبهة إعلامية في مواجهة النظام السوري، أعيد نشر المقالات التي كتبتها خلال الانتفاضة في – ولاتي مه- كتحية خاصة له، ولصاحبه لأنه الوحيد الذي استمر حتى الآن وفيه جزء من أرشيفنا منذ تأسيسه وإلى الآن، وسنخص المواقع الإلكترونية، ومنها الكردية بوقفة، واحتفاء، ومن بينها ولاتي مه، في وقت لاحق
هذه المقالات الثلاث، نشرتها بمناسبة عشية مرور سنة على ذكرى الانتفاضة، ومن مصدر مطلع من داخل الأسرة الرياضية- الكردية- سأشيرإليه، إن وافق صاحبه، وتحية له…!
سعيد، لأن جميع مصادري بقيت محافظاً على سرية أسماء أصحابها ممن تواصلوا معي، في أصعب وأخطر الظروف، معي طوال هذه السنوات……….
– موقعي الشخصي، المشار إليه  www.alyosef.com 
، ومن ثم موقع شخصي آخر أسسه ولدنا فائق قبل الانتفاضة بسنتين  http://www.alyosef.cjb.net  ، تم حجبهما، وكنت أنشر فيهما مقالاتي.
 من لديه مقالات لي أتمنى منه إرسالها إلي على إيميلي:
elyousef@gmail.com
– بعض الأصدقاء جادون بالعمل على استعادة أرشيفي من المقالات التي افتقدتها وسأشير إلى أسمائهم، شاكراً إياهم..! 
موقعي الفرعي في الحوار المتمدن هو: 
http://www.ahewar.org/m.asp?i=343 
روابط المقالات “الاجزاء” الثلاث المنشورة أعلاه هي:
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=33281
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=33355
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=33452 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه”1970-2024″ كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. إذ إن بعض…