عبدو خليل
جاء في متن الخبر الذي تم تداوله عبر وسائل الإعلام الكردية حول لقاء الزعيم الكردي مسعود البرزاني مع وفد المجلس الوطني الكردي بالاستناد على البيان الرسمي الصادر عن المكتب الرئاسي العبارة التالية ” البرزاني وجه نصائحه وتوجيهاته للوفد الضيف “.
بادئ ذي بدء . العبارة ذات نفسها تكررت في وسائل الإعلام الرسمية لدى حكومة الإقليم او تلك التي نشرتها وسائل الإعلام التابعة للمجلس الوطني الكردي، أي أن العبارة لا تحتمل الشك أو النفي. بينما لم يتطرق البيان الصادر عن مكتب السيد البرزاني إلى فحوى اللقاء وحيثياته،
وحتى وسائل الإعلام اكتفت بالخبر المقتضب والمنسوخ عن بعضه البعض. مع العلم موضوعة الدعوة والهدف الغير معلن عنه واضحين وضوح الشمس. ترتيبات الوضع في شرق الفرات وكيفية التعامل مع دعوة العمال الكردستاني المتنكر هذه المرة بلبوس ” knk ” ، وكما هو بديهي ثمة ترقب وخوف يعربد في أزقة الشارع الشعبي الكردي/ السوري نتيجة التهديدات التركية وتقلبات السياسة الامريكية، ولكن يبدو أن الأطراف السياسية الكردية بالعموم لا تستطيع التعامل مع هذا الشارع سوى على أنهم ” رعاع ” ولا يستحقون المكاشفة .
وبالعودة إلى عبارة ” البرزاني وجه نصائحه وتوجيهاته للوفد الضيف ” وهي عبارة فضفاضة وتحتوي على الكثير من السرديات والتأويلات لذا من حقنا أن نطلق العنان للمخيلة قبل أن نقف على الحقيقة الدامغة، وهنا سأقفز من فوق مقولة سابقة للسيد البرزاني مع الإعلامية ” زينة اليازجي” عندما قال لها بما فحواه ” لا اتدخل في شؤون كرد سوريا ولكن اوفر لهم الجو والدعم ولا افرض عليهم إملاءات ” وهذا يناقض ” توجيهاته ” ، على أية حال ما يهمنا الآن هي هذه التوجيهات، أما هذا التضارب نتجاوزه برحابة صدر حتى لا يفقد موضوعنا الرئيسي بعده . ولكن لا بأس من معرفة كنه مفردة ” التوجيهات ” التي ترتبط بمفهوم المركز والمحيط ، عدا عن كونها ذات بعد ” عسكري”. وهي تأتي على شكل أوامر بنبرة مخففة، بكلا الحالات نتجاوز امر المفردة بحكم أننا على يقين أن السيد البرزاني على الدوام تمتع بسياسات اخلاقية ولم يسبق له أنه خالف قناعاته وقيمه، وكان على الدوام بمثابة ” بيت الحكمة ” سواء اختلفنا أو اتفقنا معه في بعض النقاط السياسية، صحيح الرجل فضل مصالح الاقليم مع تركيا في محنة عفرين واستساغ البقاء متفرجاً هذا شأنه بالنهاية، وصحيح أنه فضل استقبال وفد من ” البارتي ” عرف في الإعلام الكردي بـ ” مجلس تحرير عفرين” المدني والمقرب من تركيا بدلا من استقبال احد ضحايا الانتهاكات في عفرين، والشيء ذاته تكرر مع استقبال السيد عبد الرحمن آبو المعتقل السابق لدى سلطات الوكالة ب ي د بحكم أن هذا الاستقبال غير مكلف مقارنة بما تحمله من رسائل سياسية في حال استقبل احد ضحايا التعذيب على يد الميليشيات المدعومة و الممولة من قبل تركيا ، عموما نحن هنا بصدد معرفة توجيهاته التي تم التعتيم عليها من قبل مكتبه أو من قبل ” الضيوف ” الممثلين بالمجلس الوطني الكردي والذي يعاني من تناقضات جمة في تركيبته الداخلية، تبدو جلية من خلال التصريحات المتضاربة والمتخبطة لدى قادته حول التقارب من منظومة ب ي د / ب ك ك ، إلى أن جاءت تصريحات السيدة فصلة يوسف بعد ساعات من لقائهم مع السيد البرزاني صادمة للبعض عندما قالت ” نحن جاهزون للحوار مع ب ي د لأنها تمثل السلطة الحقيقية الموجودة على ارض الواقع ” وهنا مربط الفرس .
حقيقة ربما نتيجة قلة الخبرة والتسرع أزاحت السيدة فصلة دون قصد الستارة عن جانب من ” توجيهات ” السيد البرزاني والتي تم التعتيم عليها إعلامياً، وهنا اذكر فقط. سبق وأن تم التنكر للقاء جمع المجلس مع وفد من ب ي د برعاية وهندسة السيد ” دربندي” في اربيل قبل قرابة الشهر ونصف الشهر، وتم الاعتراف لاحقاً عبر وسائل اعلامية رسمية في اقليم كردستان العراق عن صحة هذا اللقاء وتسربت بعض تفاصيله، وحتى نخرج من تخمينات التأويل يبدو الآن واضحاً أن لقاء وفد المجلس مع السيد البرزاني جاء تتمة لتوجيهات السيد دربندي في محاولة لإحياء الجدوى من محاصصة ” ما ” مع ب ي د ، السلطة الحقيقية. كما عبرت عنها السيدة فصلة، وأن مشكلة دخول القوة التي تعرف باسم “بيشمركة روج افا” لن تمر دون موافقة ب ي د مهما كانت الضغوط. ربما يعود ذلك للخيارات المتعددة لدى هذه السلطة “المارقة” التي وجدتها السيدة فصلة على انها سلطة ” حقيقية ” ، ليس اخرها إعادة انتشار النظام في مناطق شرق الفرات. رغم انه موجود بشكل غير معلن، لذا التوجيهات التي جاء بها البرزاني هي لدفع المجلس للقبول بهذه السلطة بدلاً من مواجهة خيارين كلاهما مر بالنسبة إليه. النظام السوري أو الاجتياح التركي، ولا ننسى كيف اهملت تركيا اربيل ومن خلفه المجلس الوطني الكردي و امتنعت عن إفساح المجال أمامهما للعب أي دور يذكر في عفرين رغم التزامهم الصمت، بينما فضلت. أي تركيا، عليهم الميليشيات الراديكالية التي تعبث الآن فساداً ودماراً في شتى انحاء منطقة عفرين. لذا لا يجد السيد البرزاني سوى خيار وحيد هو الدفع بالمجلس الوطني الكردي للتوافق مع ب ي د / ب ك ك لحماية حدوده الغربية، سيما وأن امريكا البرغماتية لا تجد مانعا في البحث عن تحالفات جديدة. عابرة، أو ربما ترك المنطقة لمصير مجهول في حال فشل البرزاني المكلف بالتوسط وإيجاد حل في الوقت بدل الضائع من ساعة “اردوغان” المتربص بالمنطقة، والذي يريد تكرار نسخته المشوهة حول مفهوم “التحرير” في شرق الفرات.
بالنهاية قد يقول قائل. ما الحل أيها العبد الفقير؟ من المؤكد لا أملك جيوشاً ولا مؤسسات، إلا أنني املك حقيقة دامغة باتت جلية للكل رغم محاولة البعض الهروب منها. الوقوع مجدداً في حفرة محاصصات اربيل 2/1 ودهوك قد تزيد في الطين بلة، وهذه المرة لن يكون الفشل مثل سواه، وبدلاً من أن نكحلها قد تصاب بالعمى ، وإذا كنا نقدر قلق اربيل المضاعف في شرق الفرات عن ما كان عليه في عفرين ، فإن أكبر خدمة يمكن أن تقدمها اربيل لكرد سوريا هو القيام بـمحاولة إقناع قنديل بأن على كليهما ” اربيل / قنديل” ترك كرد سوريا يقررون مصيرهم لوحدهم ، بالاعتماد على انفسهم. دون ” توجيهات وتعبئة للفراغات ” ،عندها حتى لو سقطنا ثانية وثالثة ورابعة نتعلم مستقبلاً كيف ننهض من جديد.