قهرمان مرعي
لم يكن التكليف بالمهام الحزبية في العرف السياسي الكوردي ترفاً وامتيازاً شخصياً أو منفعة مادية، بل مسؤولية قومية وأخلاقية، لهذا ترى الأشخاص الذين يحرصون على احترام ذواتهم وتقدير مصلحة شعبهم، المتمثلة في تحقيق الهدف الأسمى الذي تأسس من أجله الحزب السياسي الكوردي، يتجنبون الانتهازية بتَحمُّل تلك المسؤولية، خاصة بعد التدخلات الإقليمية والدولية في مسيرة الثورة السورية، بقدر حرصهم على تسنُّمِها بالطرق الاعتيادية الشرعية، بحيث أصبح التكالب والوصولية سمتا الموقف بعد كل محطة أو مؤتمر، من خلال تشكيل لجان ووفود أو دورات تدريبية أو تمثيل لدى جهة ما أو وظيفة …,
لهذا أصبحت المنفعة الشخصية تظهر بالترافق مع الفساد في مختلف أوجه النشاط السياسي و نظراً لتشابه الأوضاع الداخلية لأحزاب الحركة الكوردية، بغض النظر عن حجمها ونشاطها ومن خلال مقاربة موضوعية للحالات التي مرت بها معظم الأحزاب التي لم تَسلمْ مُجملها من الانشقاقات المتكررة وخاصة في العقدين الأخيرين، على اعتبار أنَّ الأمر جُلَّه يتعلق بالشخصية السياسية القيادية الكوردية في زمن أفتقد فيه الرجال عزَّةَ الأنفس فأصبحوا جزءاً من وقود المساومات والمنازعات فيما أُستُبِعد فيه النساء وأَبقينَ لجمالية المشهد .
فما نسقطه هنا من توصيف على حزب ما دون تحديد، ينسحب بالتأكيد على الآخر بلا مبالغة، حيث شكلَّت الزيارة الأولى للأمانة العامة للمجلس الوطني الكوردي ( تأسس في 26.أكتوبر.2011 ) إلى إقليم كوردستان والتي اُختتمت بالعطايا، بداية زعزعة الثقة داخل كل حزب كوردي في غرب كوردستان . حيث دخلت الأحزاب مرحلة الكسب والتعويض الشخصي بدل إيجاد موارد للنفع العام الشعبي وبقيت المحاصصة الحزبية تفعل فعلها السلبي مع استبعاد المختصين المستقلين و شريحة المثقفين وانعكست على أداء المجلس وبالتالي الأداء السياسي الكوردي العام .
لهذا تم ربط عضوية الأمانة العامة بالحبل السري للشخص الأول ( السكرتير) دون منازع مع الاستئثار بعضوية اللجان المهمة في هيئات المعارضة السورية أو اللجان ذات الصلة بالحل السياسي التفاوضي الأممي، ناهيك عن الدعوات من مختلف الدول والمنظمات الحقوقية المعنية بالقضية السورية والمهتمة بقضايا الحريات والتحولات الديمقراطية والسلم العالمي، فخلال زمن قياسي اكتسب هؤلاء خبرة عجيبة في المناورة، بحيث بقي التكليف محصوراً في المجموعة المُتنفّذِة حول الشخص الأول الذي يتحول بدوره مع مرور الزمن إلى زعيم لمجموعته وقديس يقدم له ولاء الطاعة والتبجيل . وحتى نكون منصفين فإن المستأثرين ببعض المهام خارج هذه الحلقة الضيقة من القيادات الحزبية تظل مساومة عادةً عن ما يحدث ضمن هذه الدوائر المُفرغة على اعتبار أن الوضع يلبي رغباتهم واحتياجاتهم بالمقابل، دون منازعة من البقية الباقية الساكتة أو الذين كانوا يعترضون دون أن يشكلوا ضغطاً حقيقياً، حول ما كان يجري خلال ثمانية سنوات من عمر الحراك الثوري والسياسي السوري العام والكوردي الخاص، حيث شكلّت العملية التشاركية الناقصة هذه، نوعاً من التوازن الهش والوهمي على اعتبار أن اختلاف الموقف السياسي الواضح من مجمل العملية السياسية، المتعلقة بالقضية القومية لشعب غربي كوردستان والجدل بشأنه كان يشكل على الدوام عبئ كبير على هذا التوازن بالترجيح لصالح الداعمين للكيان السوري المستقبلي،المفترض والمتمثل بالجري خلف موقف المعارضة العربية، و ازدادت الأوضاع سوءاً و كارثيةً على أرض الواقع، مع استمرار سيطرة منظومة ب.ك.ك على الحياة السياسية و استئثارها المطلق بالشراكة مع النظام بالثروة والسلطة واستفرادها بقرار السلم والحرب على حساب الوجود القومي الكوردستاني في هذا الجزء من وطننا كوردستان .
فلم يعد تكليف أحد الأعضاء كما السابق يتم دون ترتيبات، بل يتم التحضير له ضمن الكواليس والدوائر الضيقة التي لا تلبث أن تتشكّل بعد كل محطة حزبية وتكون عادة مؤلفة من الأشخاص ذاتهم الذين أوصلوا الشخص الأول في الهرم الحزبي إلى منصبه الحالي ويبقى مبدأ تبادل المنفعة هو السائد، حتى بات رقاب بعض الأشخاص تنوء من كثرة حمل اللجان مما دفعهم إلى التهرب من مسؤولياتها وربما شكَّلت بعضها، الغير مفيدة بالنسبة لمصلحته ورغباته عبأً إضافياً على الأخرى التي أتت في أولويات خياراته . فالتغَّوِل والقناعة سمتان مميزتان مرتبطان بالنفس البشرية وما ألهمها من فجورها وتقواها وفي الوقت ذاته تم تهميش المختصين الذين كانوا يجمعون بين المؤهل الدراسي العلمي والمنصب السياسي لتبقى المهمة مستباحة لغير المؤهلين أو للذين سبقوا لهم أن تهربوا من مسؤولياتهم بعد أن تضاربت مع مصالحهم الخاصة، طبعاً هذه الإشكالية الحزبية انعكست بشكل واضح في تمثيل المجلس الوطني الكوردي . فيما بدأ البعض الآخر يكشفون سريرتهم الحقيقية عن تلك الظاهرية وينزعون الأقنعة عن وجوههم ويعطون الحق لأنفسهم بما لا يحق لغيرهم و تواروا خلف بطولات، لطالما كانوا يتشدقون بها، فأصبح ينطبق عليهم الأقوال المأثورة مجتمعةً .
لهذا فإن حالة الأشخاص الذين كلفوا بمهام، أصبحت تختلف قبل وبعد الاستلام، من حيث سيماهم في وجوههم، تكون مسحة القلق بادية على محيَّاهم، متوجسين، يطبعون على قسمات وجوههم بَسمة خافتة مصطنعة، عيونهم زائغة، مشوشي التفكير، لم يلبَثوا أنْ ينالوا الفوز ويتمتعوا بمزاياه، حتى تتغير أحوالهم من حال إلى حال، تراهم يتعاملون مع رفاقهم وفق حالاتهم المُستحدثَة و يتناسون بأنهم ممثليهم وعليهم الالتزام بواجباتهم ومسؤولياتهم وفق المهمة التي أسندت إليهم، حيث يظهر عندئذٍ جوهر الأشخاص وقيمَهم وهكذا يستمرون في عدم الوفاء حتى تأتي محطة حزبية أخرى حيث يعود الانتهازي إلى دورته الأولى وهكذا يحاول التمسك بوظيفته ولو على حساب انقسام حزبه وفي المقابل هناك من يشجع الانقسام على أمل الحصول على منصب في الاصطفاف الذي جره إليه الحساسيات الشخصية والمنافسات الكيدية دون رادع أو وازع من ضمير .
المزايا المادية والمعنوية التي غَلبتْ المسؤولية الشخصية في أغلب المهمات التي يتكلف بها أعضاء قيادة الأحزاب جعلت من هذه الأحزاب حوانيت للسياسة يُنشر فيها بضاعة كاسدة يروِّج فيها كل طرف صلاحية تكتله وشرعيته المزعومة على حساب تضحيات قواعد الحزب وأنصاره، وهو من حيث يدري أنّ وجهته صوب الانقسام و التشرذم، لهذا فإن تطور الحركة الكوردية في الجزء الكوردستاني الملحق بالدولة السورية تطور سلبي وهذه السلبية تتجلى في ظاهرة الانشقاقات والتبعية للأطراف الكوردستانية المتصارعة و الحنين للنظام وما يجري في هذه الأيام من عودة بعض الأحزاب إلى مواقعها الأصلية، دليل أن الأحداث التي تسبق الزمن لا تغير العقول الجامدة ولا الهياكل المتكلسة .
نعم أحدثت الثورة السورية انقلاباً في المفاهيم والرؤى وأسست لمرحلة جديدة مختلفة عن سابقتها، لكن القناعات والثوابت بقية كما هي بالرغم من هذه الكوارث، بل أزداد الصدق أكثر قوةً و إشراقاً في النفوس الخيِّرة،المطمئنة و كانت لضخامة تضحيات الشهداء الأثر البالغ في الوجدان، بأن شمس حرية الشعوب لا تَغيب ولا تسدلها غَولُ النفوس الشرّيرة، المريضة .
أبداً سيظل الجانب القيمي النبيل في شخصية الإنسان السوّي في الأنا الأعلى، سواء في ممارساته السياسية أو في حياته الخاصة أو العامة وبالتأكيد سيكون محور ثقة الآخرين ومنطلق كل عمل من شأنه احترام العقل ، لما فيه رفعت الإنسان و سمو الإنسانية .
15. رمضان. 1440 هـ الموافق لـ 20.5.2019