الكورد واستحقاقات ما بعد الأزمة..

م. محفوظ رشيد
 تهدف تركيا من بناء الجدار الفاصل اقتطاع عفرين من الخارطة السورية وضمها لحدودها، وعزلها جغرافيا عن امتدادها الطبيعي من المناطق الكوردية، استكمالاً لسياساتها الاستعمارية وأساليبها العنصرية (احتلال وتقسيم كوردستان) المتبعة سابقاً من زرع الألغام ووضع الأسلاك الشائكة لجعلها أمراً واقعاً بعد انتهاء الأزمة الحالية.
     تصريح وزير الخارجية الروسية لا تتعدى حدود الأعلام والتظاهر برفض بناء الجدار، فاحتلال عفرين جاء نتيجة صفقة دولية دنيئة، وروسيا الحامية والحريصة على النظام وسيادة الدولة السورية هي طرف رئيسي في عقدها وتنفيذها، لأن عفرين تقع ضمن منطقة نفوذها العسكري ووصايتها بالتقاسم مع دول الحلفاء.
     تسعى روسيا منذ بداية الأزمة السورية لاحتواء تركيا واستخدامها لابتزاز الخصوم واضعافهم (افشال المشروع الأمريكي وتحجيم الدور الايراني)، والقيام بأية حملة عسكرية واسعة في إدلب يأتي في إطار تنفيذ اتفاقيات أستانا وسوتشي، التي تأخرت تركيا في الوفاء بالتزاماتها المقررة فيها، والتوترات القائمة نتيجة الخلاف بشأن بنود الاتفاقات وكيفية تنفيذها.
     في ظل المساعي الدولية القائمة لدفع الوضع السوري المتأزم نحو الانفراج عبرالحل السياسي والبدء بمرحلة الاستحقاقات ومحاولات الحلفاء بقيادة أمريكا لإقامة المنطقة الآمنة، تسعى تركيا ما بوسعها لانهاء الدور الكوردي فيها ليخرج من العملية خالي الوفاض دون تحقيق أية مكاسب قومية، ولا سيما عسكرياً والمتمثل على الأرض عملياً بقوات حماية الشعب والمرأة ypg  و  ypj، من خلال تشويه سمعتها ووضعها على لائحة الإرهاب عبر دعوات مغرضة وبيانات “مفبركة” وبأسماء وهمية، هذه من جهة، ومن جهة أخرى لخلق الفتن والنزاعات بين الكورد أنفسهم، ونسف المبادرات الجارية واجهاضها، لمنع تحقيق أية مصالحة كوردية – كوردية وفي مقدمتها المبادرة الفرنسية المدعومة أمريكيا.
     ضمن المعطيات والظروف الراهنة يتطلع الشارع الكوردي إلى تحقيق توافق بين الأطراف السياسية الكوردية الفاعلة على رؤى وآليات موحدة من خلال عقد مؤتمر وطني كوردي عام وشامل، لتثبيت الحضور المؤثر وأداء الدور اللازم في مواجهة التحديات وتأمين الاستحقاقات القومية والوطنية، ويتأمل من القوى الكوردستانية المتنفذة الدعم والتأييد من منطلق قومي استراتيجي، وهنا لا بد من إبداء أقصى درجات الجدية والمسؤولية وتجاوز المصالح الحزبية الآنية والضيقة.
     أي تعنت أو تفرد في التمثيل واتخاذ القرارات المصيرية ستكون النتائج وخيمة على المستوى العام والخاص، لذلك  ومن مقتضيات المرحلة التاريخية المفصلية التأهل والتهيئة لمواجهة كافة الاحتمالات والتعامل مع المتغيرات بفعالية من خلال ترتيب البيت الكوردي أولاً ثم التنسيق والتشارك مع باقي مكونات الوطن بمساعدة ودعم الأصدقاء والحلفاء من الدول العظمى.
  ———– انتهت   ———–
1/5/2019

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…