كشف الداء ليس نصف الدواء بل أكثر

عماد الدين شيخ حسن
نتواصل مثالاً كما غيرنا بين الحين و الحين مع ما تسمّى بلجنة التحقيق الدولية المعنية بسوريا، حيث نسعى لأن تكون لنا مساهمة مفيدة في التقارير الدورية التي تعدّها و تصدرها تلك اللجنة كل ستة أشهر و ترفعها لمجلس حقوق الانسان التابع للامم المتحدة .
و المُلاحظ في هذا الصدد، إنه ومن خلال متابعتنا للجهات العاملة في هذا المجال اي مجال تزويد لجنة التحقيق و غيرها من الجهات الدولية بالحقائق وملفات رصد الأوضاع و توثيقها، أنها تتخذ في إعداد تلك الملفات نمطاً و منهجاً تقليدياً ثابتاً و مكرراً وبالكاد عقيماً لا يُسمن ولا يُغني من جوع .
و سبب ضعف فاعلية تلك المعلومات و التقارير التي تُقدّم عائدٌ بالدرجة الأولى الى إنعدام أو ضعف خبرتنا و ثقافتنا القانونية، حيث تتصف تقاريرنا بطابع واحد و تدور حول فلك و محور واحد او محاور ثابتة لا تتغير.
فلا نلتفت البتّة الى تدارك نواقصنا و قصورنا، حيث و بمثال بسيط لا نراجع التقارير السابقة التي تصدر عن لجنة التحقيق و لا نتعمق في أبعاد جملها و مصطلحاتها القانونية، لنعي منها ما اذا كانت قد تلبي الغاية التي اردناها من عملنا ام لا، و ما هي يا ترى المشكلة و ما المطلوب منا التركيز عليه مستقبلا ؟ 
أكدنا مرارا وفي مناسبات سابقة بأن تقارير لجنة التحقيق الدولية ولا سيما التقريرين الأخيرين و مع انها تتضمن ما يجري ارتكابه في عفرين من جرائم فظيعة وانتهاكات و ما الى ذلك و لكنها بالمقابل وبجملة بسيطة وصغيرة تنسف قيمة كل ما ذكرته.
فجملتها الواردة في التقرير الأخير مثلاً ( ( لا تزال اللجنه غير قادره على ان تؤكد على وجه الدقه المدى الذي كانت في حدوده عفرين وضواحيها تحت سيطره القوات التركيه او الجماعات المسلحه وقت كتابه هذا التقرير ولا ماذا كانت القوات التركيه قادره على ممارسه السلطه الفعليه و القيام بالمهام الحكوميه في عفرين….).
هذه الجملة تنفي أي مسؤولية عن تركيا بخصوص تلك الجرائم، استنادا إلى انها تنفي عنها شروط الاحتلال حسب المادة (٤٢) من اتفاقية لاهاي ١٩٠٧و بالتالي صفة الاحتلال و واجباتها و التزاماتها.
قد يقول قائل بأن العذر و العلة ليست فينا و في معلوماتنا و توثيقاتنا التي نقدمها بقدر ما أن العلة في لجنة التحقيق ذاتها و انها مسيّسة و لا تريد أن تثبت صفة الاحتلال على تركيا و بالتالي تثبت التهمة عليها بأنها مسؤولة عن كل الجرائم التي تحدث.
هنا قد يكون هذا القول فيه جانب كبير من الصحة، و لكن لماذا و ما الذي يمنعنا نحن لأن نقوم بواجبنا على اكمل وجه ، أليس المطلوب منا على أقل تقدير أن نحرج لجنة التحقيق و أن نضعها في موقف المُعرّاة و المكشوفة إن كانت مسيّسة .
للأسف الشديد.. ما زلنا عوض أن ينصب تركيزنا تبعا لذلك على التقارير التي تثبت مظاهر السيطرة الفعلية التركية على عفرين و على ما يثبت بأن ما من مسلّح في عفرين يخطو خطوة واحدة إلا بأوامر تركية ، مع ان أمثلة ذلك على الأرض كثيرة و ليست بالمهمة الشاقة . و لكننا ما زلنا منصرفين إلى أن فصيلا مسلحا ارتكب كذا و قام بكذا .
لا يجب ان نفهم مما سبق بأننا نقصد إهمال تلك الوقائع و الجرائم، بل القصد أن نلتفت الى ما يكون اكثر مفعولا و فائدة .
و القصد أن نكشف الداء الذي هو يعني نصف الدواء بل أكثر .
المانيا في ٢٧/٥/٢٠٠٩

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد ابراهيم منذ أربعة عشر عامًا، كان الأطفال السوريون يعيشون في مدارسهم، في بيوتهم، في أحلامهم. كان الحلم بالغد أقرب إليهم من أي شيء آخر. وكانوا يطمحون لمستقبل قد يحمل لهم الأمل في بناء وطنهم، سوريا، بكل ما تعنيه هذه الكلمة من عزةٍ وكرامة. كان العلم هو السلاح الوحيد الذي يمكن أن يغير مجرى الحياة. لكن بعد ذلك، غيّرت الحرب…

اكرم حسين لطالما كان الكرد في قلب الجغرافيا الشرق أوسطية أحد أكثر الشعوب تعرضاً للتهميش والاضطهاد القومي، بالرغم من كونهم يشكلون ثاني أكبر قومية في المنطقة بعد العرب، ويملكون تاريخاً عريقاً وثقافة غنية ومطالب سياسية مشروعة في الاعتراف بهويتهم القومية وحقوقهم في الحكم الذاتي أو المشاركة العادلة في السلطة. في تركيا وإيران وسوريا والعراق، تكررت السياسات ذاتها: إنكار…

دلدار بدرخان لم يعد اليوم بالأمر الصعب أن تكشف افتراءات وأضاليل الجهات التي تحاول تزوير التاريخ وتشويه الحقائق كما كان في السابق، فما هي إلا كبسة زر لتحصل على كامل المعلومات حول أي موضوع أو مادة ترغب بمعرفته، ولم يعد الأمر يحتاج إلى مراجع وكتب ضخمة غالبيتها مشبوهة ومغلوطة، بل يكفي الاتصال بالإنترنت، ووجود هاتف بسيط في متناول اليد، وبرنامج…

بوتان زيباري في قلب النقاشات، كانت الأصوات تتعالى لتؤكد أن هذه الأرض، التي يسميها البعض “كوردستان سوريا” أو “غرب كردستان”، ليست ملكًا حصريًا لقومية واحدة، وإن كان للكورد فيها حق الدم والعرق والتاريخ. بل يجب أن يُبنى الإقليم المرتجى بروحٍ تعترف بجميع مكوناته من عرب وآشوريين وسريان وغيرهم، كي لا يقع البناء الجديد فريسة لمرض القوميات الذي مزق سوريا…