في النزاع السوري !

اكرم حسين
تعيد التطورات الاخيرة في الحرب السورية وتداعياتها بلورة  المشهد السوري عبر النظر في منطق قراءة الاحداث ووضعها في مكانها الصحيح . ففي الازمات ترتبط القراءة باللحظة نفسها بعيدا عن الاسئلة الكبرى والمرتبطة بكيفية قيام اوطان مستقلة ذات سيادة لكل ابنائها وليس لفئة او جماعة او دين، وماهي الصيغ الملائمة كي تكون هذه الاوطان ديمقراطية تشاركية قائمة على العدل والمساواة وسيادة القانون !
فالمشهد السوري يتجه الى مزيد من التعقيد فقد تخلت امريكا عن الكرد الذين كانوا يتطلعون الى مستقبلهم بتفاؤل كبير وكانوا يعولون على دعمها مستخدمين الصراع السوري لتحقيق اهدافهم السياسية ، وذلك عندما سمحت بدخول الاتراك الى منطقة عفرين ، وتم تهجير اهالي الغوطة الشرقية عبر اتفاقات مع الجانب الروسي والذي يصارع الولايات المتحدة الامريكية في سوريا من اجل حل ملفات عالقة في اوكرانيا ومناطق اخرى في عودة لأجواء الحرب الباردة بين الطرفين وتتوه الحقيقة في الحرب المتوحشة التي تجري على الارض السورية بدءا من المجازر والقتل والتحالفات بحيث لا تستطيع تقدير الموقف او القيام بتحليل منطقي لان ما يسود هو منطق اللامنطق فتركيا مثلا دخلت الى عفرين بحجة مقاتلة داعش و”ارهاب” حزب العمال الكردستاني وحماية امنها القومي في حين ان من تصفهم تركيا بالإرهابيين هم رأس الحرب والقوة الرئيسية في قتال تنظيم الدولة  ودحره بالتعاون مع التحالف الدولي فالولايات الامريكية تحتاج تركيا والكرد معا من اجل محاربة تنظيم الدولة بشكل فعال  ، في حين يظهر الواقع بان المعركة في سوريا هي اكبر من القوى السورية المحلية بما فيهم النظام والمعارضة والكرد وان تركيا وايران مضطرتان للاعتراف بالدور الروسي والتي لولاه لما سمح للترك بدخول عفرين وطرد قوات قسد الشريك الاساسي للتحالف الدولي في القضاء على داعش . ورغم ذلك علينا ان لا نقلل من  دور النظام في الاستراتيجية الروسية والتي تعتمد عليه بشكل كبير
بعد اكثر من سبعة سنوات ليس لدى النظام والمعارضة والكرد الارادة للارتقاء الى مستوى الحدث السوري بعد فشل الجيش الحر وتخلي داعميه عنه وتحوله الى اداة بيد الدول الإقليمية – قطر- تركيا- التي  قدمت دعم قوي للحركات الاسلامية المتطرفة  وخاصة تركيا التي تلعب به اليوم كما تشاء من اجل مصالحها وتنفيذ اجندتها .
لقد كشفت معركة الغوطة وعفرين بان من يدفع فاتورة الدم هو الشعب السوري وهي مأساة انسانية بكل تجلياتها وهي ضريبة تدفع نيابة عن الاطراف الدولية المتصارعة وبان النزاع السوري طويل الامد كما انها كشفت الاطماع التركية في استعادة مجد السلطنة العثمانية في السيطرة على  الشمال السوري وتقاسم النفوذ مع كل من ايران وروسيا في سوريا 
كما  كشف ما جرى ايضا في الغوطة وعفرين بان المعركة اكبر من كل الاطراف الداخلية المتصارعة وان القوى الخارجية هي التي تقرر مصير سوريا ومستقبل شعبها وباتت تتدخل مباشرة في النزاع الدائر بدون الاعتماد على الادوات المحلية وبالتالي فقد تؤول الاوضاع الى تغييرات جيوسياسية وقد يكون هناك مشروع تقاسم وتقسيم سوريا !  رغم وجود قرارات دولية ينبغي الالتزام بها الا ان روسيا تحاول فرض رؤيتها للحل السياسي في سوريا عبر جنيف او خارجه اما الولايات المتحدة فتؤكد على ان هدفها في سوريا هو القضاء على داعش والحد من تمدد النفوذ الايراني وهو ما يقلل من تصريح الرئيس الامريكي دونالد ترامب بانسحاب القوات الامريكية من سوريا في القريب العاجل لان مغادرتهم سيعيد تمدد داعش وسيؤدي الى خسارتهم كما حصل في العراق وسيترك حلفائهم من قسد في مواجهة الاطماع التركية وقد يخسرون كل ما بنوه طيلة السنوات الماضية الا اذا استطاعوا الاستدارة باتجاه الروس والنظام معا كي يحصلوا على بعض الحقوق التي تلبي طموحاتهم وقد يصيبهم الخذلان جراء الموقف الامريكي !
نشرت في صحيفة كردستان العدد 582 تاريخ 15-4-2018

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…