ماجد ع محمد
لا يخفى على متابعي وسائل الإعلام أن تركيا استطاعت حشد الرأي العام المحلي أولاً والعالمي ثانياً ضد حزب الاتحاد الديمقراطي الذي كان يحكم مقاطعة عفرين أقصى شمال سوريا في السنوات الماضية، وذلك بدعوى أنه يتبع حزب العمال الكردستاني الذي تعتبره أنقرة حزباً إرهابياً، ولقد نجحت تركيا في حشدها الدولي وإقناعها الغرب قبل الشرق في الحرب على الحزب المذكور، وبالتالي السيطرة على عفرين بعد تدمير كل المواقع العسكرية التابعة للإدارة في المنطقه، ومن المؤكد أن السيطرة لم تكن لتتم بتلك السهولة لولا الطيران الحربي التركي الذي دمّر جميع المواقع والأهداف العسكرية لوحدات الحماية الشعبية في عموم المقاطعة.
إلاّ أن الذي حصل على الأرض جاء بخلاف ما صرّحت به تركيا منذ العام الماضي، وذلك من خلال تصوير الواقع في منطقة عفرين وكأنه سجن أبو غريب، وأنها فور تخليصها المنطقة من يد الحزب المذكور ستغدو تلك المقاطعة أشبه باسطنبول أو أنقرة؛ بينما الحقيقة على أرض الواقع وخاصةً بالنسبة لمن يعيش في المنطقة الآن هي على خلاف ما روجته وتحدثت عنه وسائل الإعلام التابع للحكومة التركية، وكذلك الإعلام السوري الحائم في فلك إعلام تركيا، والذي بقي لسنوات مجرد صدى لما يتحدث عنه الإعلام التركي بخصوص كل ما يحصل في سوريا عامةً والمناطق الكردية بوجهٍ خاص.
إذ وبعد مرور أقل من أسبوع من السيطرة على عفرين شَعَرَ العفرينيون بالفرق الكبير بين ملامح وتصرفات الإرهابي السابق المتمثل بالوحدات العسكرية التابعة لـ: PYD وممارسات الإرهابي اللاحق ممثلاً ببعض الكتائب الاسلاموية المحشورة بين باقي الفصائل، وهنا في نقل الصورتين ومقارنتهما سنكون قدر المستطاع حياديين وموضوعيين، وسنكتفي بمقاربة المشهدين ونقل الصورة التي عليها المنطقة الآن، وكذلك ما كان عليه حال ذلك الكانتون ابان حكم حزب الاتحاد الديمقراطي قبل شهور.
وبما أن كلمة الإرهابيين لا تفارق وسائل الاعلام، لذا سنورد تعريف الإرهاب كما حددته المحكمة الجنائية الدولية، حيث قيل بأن “الإرهاب هو استخدام القوة أو التهديد بها من أجل إحداث تغيير سياسي، أو هو القتل المتعمَّد والمنظم للمدنيين أو تهديدهم به لخلق جو من الرعب والإهانة للأشخاص الابرياء من أجل كسب سياسي، أو هو الإستخدام غير القانوني للعنف ضد الأشخاص والممتلكات لإجبار المدنيين أو حكومتهم للإذعان لأهداف سياسية، أو هو باختصار استخدام غير شرعي ولا مبرَّر للقوة ضد المدنيين الأبرياء من أجل تحقيق أهداف سياسية” والهدف من إيراد تعريف الإرهاب ههنا هو لحض القارئ على مقارنة سلوكيات طرفي المعادلة في عفرين، ليرى أيهما أكثر إرهاباً من الآخر.
وبخصوص حقيقة ما كانت عليه منطقة عفرين قبل 19/1/2018 أي قبل إعلان وزير الدفاع التركي نور الدين جانيكلي عن بدء العملية العسكرية ضد وحدات الحماية الشعبية في منطقة عفرين؛ فلا شك أن المنطقة كانت تعيش حالة التعبئة الأيديولوجية الأوجلانية، وكانت عقلية التفرد والشمولية والاحتكار والاستبداد هي المهيمنة من قبل حزب الاتحاد الديمقراطي والأجنحة العسكرية التابعة له، وقد منع الحزب الوكيل انتعاش الحياة السياسية في المنطقة، وفرضَ الأتاوات على المواطنين بوجهٍ عام، وساق الشباب للقتال في مناطق لا تعني أهل المنطقة بشيء، وجعل المنطقة كلها بلون أيديولوجي يميل إلى التكلس العقائدي، يثير الغيظ ويبعث على النفور، ومن ثم إبعاده لكل أصحاب الاختصاص والشهادات العليا، وحكر السلطة وتوزيع المناصب على الموالين لتلك الأيديولوجيا، ومن ثم اعتماده على كل المنافقين والمصفقين لها من فئة المتلونين الذين كانوا مصفقين لحزب البعث العربي الاشتراكي قبله كما غدوا مصفقين للجيش الحر بعده!!
حيث أن النشطاء الذين كانوا طوال السنوات الماضية يعارضون كل ممارسات حزب الاتحاد الديمقراطي يشيرون صراحةً إلى أن المنطقة ومنذ أن سيطر الجيش الحر على مركز مدينة عفرين في 18/3/2018 انتقلت من الحفرة إلى الهاوية؛ إذ بالرغم من نفورهم من العقل الشمولي برمته للسلطة السابقة، إلاّ أنهم راحوا يسردون حالة ما تعيشه المنطقة راهناً فيقولون: بأن المنطقة كانت سابقاً أهدأ وأأمن منطقة في محافظتي حلب وادلب! بينما الآن فهي تعيش حالة الفوضى العارمة، فلا أمن ولا أمان ولا استقرار ولا بمقدور المواطن السير من قرية إلى قرية أخرى بدون خوف التعرض إما للابتزاز أو للسرقة أو السلب والنهب والسطو المسلح، كما يشيرون إلى أن الحزب السابق رغم علمانيته إلاّ أنه لم يكن ليتدخل في شؤون الدين وعقائد الناس فيها، إلاّ اللهم من باب استثمار أصحابها سياسياً، بينما اليوم فاليزيدي لا يتجرأ على أن يعلن عن هويته أو يمارس طقوسه الدينية، والمزارات أهينت على مرأى العامة من قبل بعض الفصائل الراديكالية، والمواطن يعيش في بيته وهو مرعوب ولا يعرف متى ينقضون على منزله، فحالة الخوف والقلق والرعب يعيشها العفريني منذ سيطرة المقاتلين التابعين لتركيا على عفرين، مؤكدين بأنه حتى مجرد مفهوم الحرية لم يعد له أثر، لا قولاً ولا عملاً، باعتبار أن اللون الاسلاموي غلّف سماء المنطقة برمتها، وبأن نساء وبنات عفرين حرمن من كل شيء اسمه السفور بعد غزوة عفرين، وغدا الحجاب سيّد الموقف لدى كل إناث المنطقة، والأهم من ذلك كله أنه طوال السنوات السابقة لم تشهد المنطقة أية حالة من حالات اغتصاب النساء لا من قِبل أنصار الحزب ولا من قِبل أحد من عناصر فصائله العسكرية، بينما اليوم وخلال أقل من شهر على دخول الفصائل إلى عفرين، فتحدث النشطاء عن حالات اغتصاب من قبل بعض العناصر الهمجية التي تحتفي بارث التخلف، والمتكئين على فقرات من االثقافة الثيوقراطية التي لم تعد تناسب الإنسان في هذا الزمان، مثل: السبي والغنائم، تلك الثقافة التي لا تتواءم البتة مع ما جاء في الاعلان العالمي لحقوق الانسان، كما تتعارض جملةً وتفصيلا مع صلب قيم الديمقراطية والليبرالية في العصر الراهن.
لذا فبعد إعمال المقارنة بين أجواء المرحلتين، وتعاقب الزمنين، فهل هناك بشرى يؤمن بحرية الإنسان وكرامته وأمنه وأمانه الفردي أو المجتمعي يفضل الفوضى على الاستقرار؟ وهل ثمة مَن بمقدوره وبكل عنجهية أن يقول بأن المنطقه تحررت بينما هي عملياً دخلت مرحلة ظلامية أخرى؟ وصار خوفاً من إرهاب الفصائل حتى بعض الملحدين يرتادون الجوامع، والعلماني غدا يشعر بأنه في قندهار وليس في عفرين المعروفة بلا تدينها، كما أن عفرين لِمن لا يعرفها واقعياً، فقبل دخول جحافل المقاتلين إليها كان نسبة الفتيات المحجبات فيها لا تتجاوز 10% في كل المنطقة، بينما اليوم بفضل بعض الكتائب الفالحة في ممارسة الإرهاب الديني، فمن الرعب الذي تعيشه النساء في المنطقة فقد لا يجد المراقب امرأة سافرة في كل عفرين.
عموماً ما من حنينٍ يشد الإنسان العاقل إلى مرحلة حكم الفكر الشمولي الصّلد، ليس تهرباً من الاعتراف بحقيقة أن الوضع في عفرين هو أسوأ بكثير مما كان عليه من كل النواحي، وأن عفرين بالتالي انتقلت من حكم وسطوة الأيديولوجيا القنديلية إلى حكم فئة لا تشبه إلاّ قندهار الأفغانية؛ إنما العاقل يقول هذا من ذاك، وأن خلاص العفرينيين مرهون فقط بدحر العسكر وعودة المجتمع المدني، ونعيد القول بأن السابق واللاحق على سويةٍ واحدة، باعتبار أن الطرفين شموليين، أحدهما شمولي يميني والآخر شمولي يساري؛ والسابق مشاركٌ في الخراب كاللاحق، باعتبار أن الحزب المذكور هو السبب الرئيس لما جرى ويجري في عفرين، وهو المسبب المباشر لما آلت إليها الأوضاع هناك، بسبب كذبه ونفاقه واستغلاله الناس ببضعة شعاراتٍ وأوهام لا تمت بصلة لحقيقة إمكانياته وأهدافه وما يعمل عليه، بما أنه كان بمقدور الحزب المخادع أن يبعد المنطقة عن هذا الفصل الكارثي لو وقّع معاهدة استسلام تجنباً للخراب والدمار كما فعلت فرنسا مع ألمانيا يوماً، وكان بمقدور الحزب أن ينقذ المنطقة من المصير العسير لو تشاور مع أحزاب المنطقة أو أخذ بآراء الوجهاء وأصحاب الاختصاص والعلم من أهلها، ولم ينفذ فقط الأوامر من جهات مجهولة من قبل الشعب، ولكنها معلومة من قبل خاقانات الحزب الأداة، الحزب الذي تبين بأنه ليس أكثر من تنظيمٍ وظيفي، تعمل مخابرات الأنظمة على سطوع نجمه فترة من الزمن ومن ثم تعيد وتعمل على إطفاء بريقه الكاذب فجأة، مثله مثل التنظيمات الدينية الوظيفية في سورية والعراق وفلسطين ولبنان، وأن ما على الحزب المذكور غير تنفيذ ما يُطلب منه حرفياً، ولو كان ذلك الطلب الوضيع سيكون على حساب قتل مئات الأبرياء من الشباب الكرد، أو تهجير آلاف المواطنين من بيوتهم وتدمير بنيان حياتهم الاقتصادية والاجتماعية، كما فعل بالضبط قرينه حزب العمال الكردستاني في المناطق الكردية بتركيا كـ: شرناخ ونصيببين وجزيرة بوتان وكفر التابعة لولاية هكاري ومنطقة سور ديار بكر(آمد).
ختاماً وبعد عرض الواقع العفريني نقول بأن تركيا الآن كدولة علمانية تعتبر نفسها من أولى الدول الديمقراطية في الشرق الأوسط، فهي مسؤولة قبل أي جهة أخرى عن انتشار الفكر الظلامي على حدودها، كما أنها تتحمل كل ما يحصل في عفرين من سلب ونهب وسطو وابتزاز بحق أبناء عفرين من قبل بعض الكتائب المقاتلة، كما أنها مسؤولة عن أمن وسلام واستقرار المنطقة برمتها، باعتبار أنها أنهت حكم الإدارة السابقة التي كانت على الأقل قد حققت السلم والأمان لمواطني المنطقة طوال حكمها، وتركيا الآن بما أنها وضعت يدها على عفرين بناءً على التوافقات الدولية، وغدت عفرين علناً من مناطق نفوذها أمام العالم، فهي مسؤولة إذن أمام المجتمع المحلي والدولي عن كل الانتهاكات اليومية التي تحصل بحق أبنائها، بما أن الكتائب المقاتلة التي سيطرت على عفرين تدربت داخل أراضيها، وتسلحت من قِبلها، ودخلت بأمرتها، وحاربت تحت رايتها.