الأمازيغي: يوسف بويحيى
بينما كنت أتصفح صادفت مقالا لكاتب لا داعي لذكر إسمه مسلطا الضوء على شخصية “مصطفى البارزاني” ،المقال عبارة عن تقزيم شخصية البارزاني في بعض النقاط التي لا داعي لها لأنها بعيدة كل البعد عن العقلانية و المنطق ،مثلا البارزاني شيخ عشيرة و البارزاني قبلي و البارزاني ليس أكاديمي ذا شهادة و البارزاني تسلق ثورات الأخرين للوصول إلى السلطة…
أولا قبل كل شيء أود أن أخبر الكاتب بأنه يفتقر إلى بعد نظري و عمق فكري و حس ذكي لإستنباط بعض الحقائق و العمل على بعض البديهيات و قراءتها بنظرة أكثر أناقة و إحترافية لإستخراج كنوزها المدفونة ،بعيدا عن القراءة السطحية العقيمة و الكسولة ،كما أن تلبيق الكلمات من أجل طمس الحقائق ماهي إلا طريقة المأجورين و ليست من صفة المثقفين و المفكرين ،كما أرى أنه من الضروري على الإنسان أن يرى عملا شريفا عوض خيانة أمانة القلم و الكتابة.
شخصيا أنا قومي امازيغي و لم أواكب حياة “مصطفى البارزاني” ،لست محزبا و لم أكتب يوما من باب الحزبية ،لم تطأ قدماي أرض كوردستان بعد ،ليست لدي أي علاقة مع عائلة البارزاني ،كل هذا فقط لأقول اني أكتب من باب المعرفة و البحث و التنقيب من منطلق فكري علمي عقلاني وفق شروط مضبوطة متفق عليها.
بعد أن قرأت لمحات على شخصية “البارزاني” و حياته النضالية إستطعت أن أقرأ الدرس بنظرة أخرى مغايرة عن الكاتب ،فالبارزاني كونه فقيه أو شيخ هذا ليس مبررا للحكم كوني علماني و أحترم حرية المعتقد لأي إنسان كان ،لم ينتبه الكاتب أنه عارض نفسه كونه الآخر علماني ،من هنا بدأ إنهيار مشروعه الذاتي الأخلاقي و الفكري دون أن يشعر بذلك ،إن دل هذا على شيء فإنه يدل على عدم قناعته و إيمانه بأي شيء يدعيه ،التحجج و تقزيم الشخصية في إنتمائها الديني و العرقي دليل يثبت مدى صغر عقلية الكاتب.
صحيح أن البارزاني كان متدينا مسلما ،لكن النقطة المهمة التي لم يحللها الكاتب هي أي نوع المذاهب يتبع؟؟ ،الإجابة هي الصوفية و من فروعها النقشبندية ،علما أن الصوفية هي أقرب التوجهات الإسلامية تعاملا و إنسجاما مع كل الأديان الأخرى كيفما كانت ،الصوفية تختزل العمل الديني في علاقة روحانية بين الإنسان و الله ،دون أن تسلك هذه العلاقة فكرة الجهاد و التطرف و فرضها على المحيط الخارجي ،هذا التوجه السليم هو سر نجاح “مصطفى البارزاني” في إستمالة الغرب له في حقبته إلى الآن ،حيث كانوا يرون فيه طرفا قريبا منهم قابلا لهم رغم إختلاف المرجعيات الدينية ،لهذا فلقب الشيخ عوض أن يكون تقليلا لشخصه فهو تشريف له يسلك مسارا مغايرا على باقي الرؤى كالسلفية الجهادية و التطرف و التشدد…
البارزاني لم يكن قبليا و لا مناطقيا و لا جهويا كما يدعي الكاتب ،بل كان قوميا كوردستانيا ،العجيب في أمر الكاتب على الرغم من أنه تطرق إلى تجارب البارزاني في أجزاء كوردستان إلا أنه لم ينتبه إلا نقطة مهمة أخرى ،هي لو أن البارزاني كان قبليا أو جهويا لما فكر في الإلتحاق بالثورات الكوردية في كل من روجهلات و باكور و روجاڤا علما أن مسقط رأسه كان “بارزان” في باشور ،هنا فالبارزاني كان أمميا كوردستانيا و لم يكن شيوعيا بمعناه الماركسي الستاليني العقيم ،نظرة البارزاني الفكرية و السياسية كانت تخالف شكلا و مضمونا سياسة الدول الإمبريالية الأروبية و الإقليمية الغاصبة العربية و التركية و الفارسية على مدار كوردستان الكبرى ،محاربته من طرف هؤلاء كاف لإثبات أنه كان في الطريق الصحيح.
البارزاني لم يتسلق ثورة أحد بل وجد نفسه من عائلة ثورية ،فكان له أن يتزعم بدوره ثورة الشعب الكوردي في العراق أولا ،كما إنتقل لدعمها في مهاباد وراء القائد “قاضي محمد” ،كما دعمها كذلك في باكور وراء “الشيخ سعيد” ،كان متطوعا مع باقي رفاقه ،هذا دليل على أنه كان أمميا كوردستانيا و لم يكن ضيقا المستوى القبلي و الجهوي ،كما أنه لم يبحث قط عن القيادة بل أن شروط القيادة تتوفر فيه…
مسألة عدم آهلية البارزاني لقيادة الثورة أو الأمة الكوردية و عدم ثقة كورد “مهاباد” به حسب قول الكاتب مع تمجيده للقائد العظيم “قاضي محمد” ،لم ينتبه الكاتب لٱنزلاقه في تناقض قاتل و مستنقع ضيق جدا ،وهو إن كان ما يدعي صحيحا فلماذا “قاضي محمد” منح للبارزاني وزارة الدفاع بعد تأسيس جمهورية “مهاباد” ،كما خلع “قاضي محمد” المسؤولية منه في آخر حياته و وضعها في رقبة البارزاني كخير سلف له ،كما وضع علم كوردستان في يده قائلا “لم أرى أجذر من البارزاني لصون أمانة هذا العلم” ،متسائلا مستنكرا في حد ذاتي للكاتب لماذا لم يأتمن “قاضي محمد” الآخرين عوض البارزاني.
صحيح أن البارزاني لم يكن دكتورا و لا يملك شهادة كالبقية ،هذه الأخرى كانت مشكلة الكاتب في تحليله لشخصية البارزاني ،حيث أشعر كأن الكاتب يبحث فقط على نقط ضعف ليرتكز عليها من اجل بلوغ هدفه الذي يرسمه من خلال كتابته و أحرفه ،لكن نسي أن البارزاني كان ثوريا بالفطرة و مقاتلا و عسكريا من طراز عال إلى رتبة جنرال عام فيما بعد ،خبيرا بخصوص الحرب و محترفا فن حرب العصابات التي تعد من أعقد و أصعب أساليب فنون الحرب التي مازالت تدرس في جامعات البلدان الثورية إلى الآن ،كما كان سياسيا ذكيا محنكا أفشل كل المخططات الأكاديمية التركية و الفارسية و العربية و الأروبية على الرغم من أنه ليس دكتور ،هل إلى هذا الحد من نجاحات البارزاني على الأنظمة الغاصبة القوية سواء سياسيا و عسكريا يمكن القول على أنه كان غبيا!! ،إن كان الكاتب يرى بهكذا نظرة فإن الأمر ينطبق عليه كذلك كونه دكتور لا يجيد التحليل و الإستنباط و التفكير…
البارزاني لم يكن مرتزقا أبدا ،فكل ما يقال عنه بخصوص ذلك كان كذبا و زورا في شخصه ،أولا لأنه رفض أن يعمل جاسوسا للدول الأروبية و الإقليمية و هذا بشهادة الجميع ،لم يفكر الكاتب جيدا بخصوص قوله هذا ،علما أن البارزاني لو أراد بيع المباراة لصالح الأعداء لفعلها بكل سهولة معززا و مكرما عوض العيش في كهوف و مغارات جبال كوردستان لعقود من الزمن ،كما أن رحلته إلى الإتحاد السوڤياتي بعد سقوط “مهاباد” دليل على أنه لم يجد أحدا من الأنظمة الإقليمية و الأروبية لتأويه مع رفاقه ،أما علاقته مع إيران و تركيا فيما بعد لم تكن عمالة أبدا ،بل كانت فقط مصالح متبادلة يحكمها مد و جزر حزازات و صراعات الأنظمة الإقليمية فيما بينها مستغلا هو ذلك لصالح قضيته و مشروعه التحرري.
البارزاني تاريخ نضالي طويل و حافل إعترف به أعداءه قبل أصدقائه ،عنوان مكتوب بخط عريض في تاريخ كوردستان لا يمكن تجاهله أو تزويره ،فتأسيس البارزاني للحزب السياسي كان ضرورة و حتمية لإقحام المطلب الكوردي بشكل سلمي ديموقراطي حماية للشعب الكوردي و تفاديا للمجازر و الحروب و ليس كما يظن الكاتب ،مع العلم أنه لو لم يؤسس البارزاني الحزب لما حقق مكسب الحكم الذاتي و المكتسبات الإقتصادية و الثقافية و الإجتماعية للشعب الكوردي ،زيادة إلى أن البارزاني حتى وإن لم يؤسس الحزب كان تاريخه النضالي سيفرض نفسه في الساحة على كل الأحزاب المؤسسة ،ظهر هذا في أكثر من مناسبة و صرح بها أكثر من عدو للكورد كصدام و الخميني و حافظ الأسد…،عقدة الأنظمة الغاصبة من بارزاني ليست حزبية و لا سياسية و لا إقتصادية بل مسألة قومية و تاريخية و فكرية صلبة حقيقية ،أهمها ما قاله “صدام” في حق عائلة البارزاني قائلا “هم من غرسوا القومية الكوردية بشكل عميق في نفوس الكورد” ،أضف إلى ذلك ما قاله “العبادي” بأمر من “إيران” بخصوص مطلبه الرئيسي من سماع “مسعود بارزاني” بشخصه أن يصرح بإلغاء الإستفتاء ،مع العلم أن إيران و العراق و تركيا تجاهلت كل تصريحات القوى الكوردية السياسية التي رفضت و تبرأت من الإستفتاء قبلا و بعد ،ما يثبت أن المسألة لا تكمن في تأسيس دكان حزبي للبيع و الشراء و إقتناء الكرافتة و الميكرو ،بل البارزاني في نظر الأنظمة الغاصبة مسألة تاريخ ضرب بجذوره أرض كوردستان بشكل أعمق و أعقد و شائك لا يعلم عمقه سوى الأعداء.
البارزاني حورب بطرق كثيرة و أشكال متنوعة من بينها تقزيم شخصه في القبلية و المناطقية ،لكن الحقيقة تقال بأن الشخصيات السياسية التي إنشقت عن البارزاني هي من إعتمدت إقحام النزعات القبلية و المناطقية قصد خلخلة الوحدة الكوردية و إثارة عواطف الشعب من أجل بناء قاعدة جماهيرية حزبية جديدة ،لو تمعن الكاتب الدكتور جيدا لرأى أن خطابات النزعة القبلية و المناطقية لم تكن إلا بعد إنشقاق مام “جلال الطالباني” و “إبراهيم أحمد” و بالخصوص في خطاباتهم ،قبلا لم يكن الخطاب ضيقا كهكذا ،بل النظام السوري و الإيراني هم من إستغلوا نقطة ضعف القادة الكورد لدس سموم القبلية و المناطقية بين الكورد ،هذا يظهر في كل الأحزاب الكوردية التي تم تأسيسها بدعم الأنظمة الغاصبة.
تأسست أحزاب كوردية كثيرة و تلاشت و أخرى ضعفت ،كما ذاب تاريخ شخصيات سياسية كوردية مرت من كوردستان كأنها لم تكن قط ،بينما بقي تاريخ و فكر و نهج البارزاني محفوظا كما لو بقي حيا يرزق ،كما بقي حزبه قويا نتيجة لمرجعية تأسيسه الذكية و المتكاملة و المعتدلة المتوافقة مع الغرب و الشرق ،كل هذا يدل على أن البارزاني ليس فقط سياسة أو حزب أو قيادة مرحلية بل شيء أقرب من الفطرة عند الكورد ،مقرون بالوجود الكوردي و النفسية الكوردية و التاريخ الكوردي في كل زمان و مكان ،كثيرا ما حاولت أن أفسر علاقة الكورد بالبارزاني الخالد إلا أني أجد الأمر كعلاقة الإنسان بالروح ،علما أن البارزاني يسكن في أرواح الكورد و ليس فقط علاقة تختزل نفسها في السياسة و القيادة و القبلية و العشيرة…
أرى أن هذا الكاتب يفتقر إلى نظرة علمية بسيكولوجية و سسيولوجية و سسيوثقافية و سسيوسياسية و جيوسياسية لتحليل شخصية البارزاني و علاقة الشعب الكوردي به ،ذكرت الجانب الجيوسياسي بدليل أنه من الصعب جدا التخلص من النظرة البارزانية السياسية في عقلية الشعب الكوردي في كوردستان الكبرى عموما ،هذا البعد الجيوسياسي يربط بين الإنسان و الأرض و النهج بشكل ملتحم كأكبر عقبة و شوكة في حلق الأعداء ،هذه النقطة توضح بالذات أن البارزاني لم يكن شخصا عاديا على الرغم من بساطته ،بل كان عظيما لا يقل وزنا عن عظماء التاريخ ك “هوتفون بيسمارك” و “غاندي” و “مانديلا”…
لا أعلم إلى أي شيء إحتكم الكاتب لكتابة أسطره التي لم تخف كراهيته و حقده على شخص “مصطفى البارزاني” بل على حزبه و عشيرته و على تابعيه ،ما يفسر بان مشكلة الكاتب لم تكن مع شخص واحد أو شخصين أو مليون شخص بل مع شعب بأكمله ،على الرغم من أن الكاتب يحاول جاهدا أن يخفي ذلك بأدلة وهمية يعطيها ألوان مقبولة لإستدراج القارئ ،المسألة أعمق مما يظن الكاتب الدكتور لإفتقاره إلى النهج العلمي لدراسة الظاهرة الإجتماعية و السياسية و الثقافية لشخصية و مجتمع ما.