وليد حاج عبدالقادر / دبي
لعلها واحدة من المعضلات الشائكة في البحث المسهب لهذا المجال المعرفي الواسع من جهة وصانعيها من جهة أخرى حيث تتفرع لتنتج عناوين في كل مفصل تودي الى مفاصل جديدة وبخاصيات تعريفية محدثة، خاصة أن الثقافة كمصطلح أوالمثقف كممارس / ممتهن وفق تلخيص – جوليان فوند – القائل: (أن المثقفين عصبة ضيقة من الملوك الفلاسفة من ذوي القدرات أو المواهب الفائقة والأخلاق الرفيعة.. يشكلون طبقة العلماء والمتعلمين البالغي القدرة … ) وتوكيد غرامشي على: (أن جميع الناس مفكرون .. ولكن وظيفة المثقف أو المفكر في المجتمع لايقوم به كل الناس) ..
وعلى هذه الأسس وكمقدمة موجزة لأهم آراء من تصدوا لهذه الظاهرة فتقاطعت أو تضادت أو توافقت في الفهم التعريفي للثقافي والمثقف وكجدلية متحكمة في التعريف الثوري للثقافة كوعي والمثقف كممارسة، هذه الجدلية التي اعتبرها غرامشي كالإسمنت العضوي يربط البيئة الإجتماعية بالبيئة القومية و .. من دون اهمال للهيمنة الثقافية التي اعتبرها أشد ضراوة من الهيمنة الإقتصادية وبالتالي فأن الطبقة / السلطة المهيمنة هي التي تتحكم وتسعى الى نقل المجتمع والتحكم بها من دون معارضة، هذا المدخل أدى الى الفرز الذي اعتمده غرامشي في التمييز بين المثقف التقليدي والمثقف العضوي حيث يعيش التقليدي في برجه العاجي / حسب توفيق الحكيم ايضا / ومن دونه الناس في جهل مطبق يؤشر عليهم واليهم بسبابته ويلقي عليهم المواعظ عكس العضوي – حسب توفيق الحكيم الملتزم – الذي يعيش هموم عصره ويرتبط بقضايا قومه / امته، ولنصل الى جدلية جورج طرابيشي الذي حاول فكفكة الانغلاقات العقلية التي يمكن ان توصف بالإنفصام الذاتي / الثقافي والمؤطرة كصياغات / إشكاليات معلقة ومغلقة أشبه ما تكون كزنزانات مظلمة في حين أن المثقف الحقيقي هو ما يراه طرابيشي / اشكاليات بديلة وواعدة يفرح العقلانية بدلا من ذل الدوغمائية / ، ويبدو د . إدوارد سعيد الأوضح هنا من جهة الخلط المتعمد في تعريف الثقافة على انها كلمة متحولة ومفهومها غير واضح ! . وبإيجاز ، فقد حذر غالبية المنظرين في تعريفاتهم من مفاصل وعناوين صريحة حوطوها بخطوط حمر ممغنطة تطيح بجدية التوصيف للكائن / الواعي الذي يتجاوزها وفي مقدمتها : العلاقة بين السلطة والمثقف فيما لو استطاعت السلطة ان تهيمن على – المثقف – وتطوعه ليصبح مجرد جوقة يردد صدى النظرة السياسية السائدة فيفقد ملكات حريته الفكرية وطاقته الإبداعية وقوة الكلمة / الموقف الصحيح وتزول منه جرأة النقد الذي يتحول لديه إن لرهاب او هوس حقيقي في الإنقياد والتلذذ في الإستسهال غير المكلف للحقيقة المتصورة بابعادها والتعمق في الإنجرار نحو القطيعية المنشودة للسلطة المتنفذة ، وهنا تكون الطامة ! فلاشيء يهدد واقع المثقف سوى نزوعه اللاعقلاني الذي يخرجه عن دوره الحقيقي في النقد المبني على أسس عقلانية ، لأنهم / المثقفون / من – يفترض بهم معارضة المعايير السائدة دفعا بها نحو الأفضل في ممارسة نقدية ترتقي الى درجة مسائلة الرموز العامة وتطعن في الطوطميات الملتبسة كهياكل مطوبة وبالمجمل انها تطعن بما هو سائد وجامد ، أو أنهم يتخذون موقفا ينسجم في التكيف والتوافق مع الواقع فيحصر ذلك المثقف كل همومه في توفير سبل استمرار النظام وينسق شخصانيته للموائمة معها كهدف اسمى له والمنحصر في استمرارية الحياة ( ! ) ، وهذه المعضلة بالضبط هي التي ستقودنا الى الإنتهازية الثقافية ، او كما يفسرها آخرون بالثقافة / المثقف المراوغ كنقيض لذلك المفهوم المفترض كأساس معرفي لذلك المثقف الذي لايقبل المراوغة وانصاف الحقائق كما وهو الذي لا يسمح / عكس المراوغ / ان تستخدمه / أية سلطة أو حزب كبوق تملي عليه وجهات نظرها ويرددها هو كالببغاء وهو يدرك تماما ماذا يفعل والى أين يسير ؟! . وقد أثبتت الوقائع أن نظم الإستبداد توجه مثقفيها للعمل على أن تقرأ العامة اعلامها بزاوية معكوسة وبعلامات فارقة خاصة بحيث تحول النكسات الى انتصارات خارقة والإخفاقات الى انجازات هائلة ولتنتج الحالة هذه اخطر أشكال المثقفين الإنقلابيين الذين يتغيرون مع اللحظة ويتحولون الى مجرد انتهازيين لا يؤمنون بأية مبادرة او موقف سليم وكل ممارساتهم هي مجرد نفاق يكاد ان يتقلب في الموقف ذاته مرارا ، يستفيدون بشكل خاص من السلوك الشعبوي المهيج أصلا والممنهجة – بهمة مثقفي – السلطة – التي ترتقي لتتحول الى ديكتاتورية وفاشية حزبوية مهما تفنن دعاتها الا ان الفاشية العقائدية ستنخرها بنيويا وتقودها الى التصدع والإنهيار كنتيجة حتمية للإنفصام الذي سيتراكم ويودي الى تلك القطيعية من جهة والمؤدية الى تلك الأبراج العاجية ، وهنا ، وكتحصيل حاصل ، وفي الخاصية الكوردية – سوريا – أوليس من الأهم هو طرح السؤال المفترض في ماهية الثقافة والمثقف ؟ هذا السؤال الغائب كتوصيف جمعي من ذهنيتنا – خاصة عندما يتعلق الأمر بقناعاتنا وتأطيراتنا الحزبية المحوطة بنزعات أشبه ما تكون هالات مقدسة مرتهنة في حلقات ذكر أو ما يشبه الشللية وليتها كانت على قاعدة أو ارضية اوسع للقضية الأساس !! إلا أنها تتمظهر كأمر لا يخلو مطلقا من الطوطمية المتفرعة الى صيغ متعددة ؟! : فهل نجسدها بوطن مثلا ؟! شعب ؟! أم وطن وشعب ؟! وبالتالي الإرتهان الى اية حقيقة سنتفق فتؤخذ كمعيار / قيمة نقيس عليها حجم الحقائق الممارسة ؟! .. وطبيعي هنا أن نستخلص لما لم يذهب غرامشي بعيدا ؟ وأن طرابيشي ما كتب في المخيال والكواكبي عن اسبابه في توصيف الإستبداد وان تعمق في سايكيولوجيتهم مصطفى حجازي كثيرا ، ولتفضي هذه النزعات – الثقافية – فتعبر عن ذاتياتها ومن جديد بغطاء المصطلحات المبهمة والتفاسير الذاتية في مفهومية الإلتزام المختزلة عند هكذا انماط فتتحول من فضاءات عامة وأوسع شمولا لتتقلص في الممارسة العملية على ارض الواقع كقضايا الوطن والشعب والحزب وبالتالي القائد وتحول المثقف المنتج للفكرة الى مجرد ملقن او شارح يهدرج الكلمات تنميطا لأقوال القائد المطوب / أي قائد / يختزل مفهومية المثقف الملتزم في تلك الشروحات ، وهي ذاتها الأقلام التي ترتضي وبإسم الثقافة أن تتقلد ظاهرة علي عقلة عرسان وان تستحضر وزارة الثقافة ومسلكية أحمد سلمان .. وتحت / ذرائعية النضال الديمقراطي وتقيات اخرى / فيحولون رؤوس اقلامهم الى فوهات بنادق وأوراقهم الى طماشات وأياديهم الى اغلال وقيود او أكف لسد الأفواه ودمغة التخوين تحت عباءة ميكياڤللية عقدية لا عقائدية يعبثون في فضاءاتها ، وبالمختصر إما أن تتقولب أو تخضع !! أن من أهم أسباب الجمود العقائدي وبالتالي النخر الإيديولوجي هي ذاتها تلك الممارسات – الثقافية – التي تدعي المطلقية في الصواب والإدعاء المذهل بامتلاك كامل الحقيقة حتى ولو على مستوى نخبوي ومن ثم السعي الحثيث لبيان مدى رعونة ولا مسؤولية المقابل في احتكار زعمي متجدد للحقيقة ، أن الحجز الكلي على سوية ومنطق المؤازرين والرفاق والمؤيدين هو سلاح قاتل لمن يستخدمها كتهجين جامد ، لأنه ، لابد لهذا المهجن / وهي عامة / أن تتحرك فيه جيناته وهنا ستكون الطامة الكبرى !! … وباختصار شديد : أن يسعى / مثقف/ ليلعب دور رجل أمن يدافع باستماتة في تزيين الخطأ وبالتالي ايجاد المسوغات وايجاد / صيغة / يرمي بها المسؤولية على المختلف ؟! … أفلا تذكرنا بقاعدة الإستبداد الأولى : احكام الطوارئ وتحت بند كل شيء من اجل المعركة لصوبنة المجتمع وفق مقاسات كراتينها ؟! وطبيعي ان يكون السؤال الأكبر هنا هو : وعن أية معركة نتكلم ولأجل ماذا / بالأصل / نخوضها لهذه المعركة ؟! … وكمثال بسيط : التهرب الصريح من البعد القومي والتحجج علانية بأنه نوع من التكتيك ومن ثم نشرحها لآلية التكتيك في وجهات نظرنا وكأننا في قاعة مغلقة وفي القبو السابع من بناية حصينة ، وفي الغائية كاملة لعقل الآخرين ! هذا النمط الذي يمكن توصيفه أخيرا وبلسان حاله المحوطة وفق صياغة ماهو ادناه : / .. الحل ؟! ومن انا لأكتب في الحل رفيقي ؟ هناك الرفاق في الحزب .. هناك المسؤولون وهناك القيادة .. هناك القائد .. نعم هؤلاء من يوجدون الفكرة التي تدور في رؤوسهم والقائد / ماشاءالله / عقله مثل خلية نحل تدور وتعمل فيحلل الأمور ويوجد الحلول .. هو من يوضع ويميز بين التكتيك والإستراتيجيا ودقة مواقفه وتحليلاته – تدوخ – حتى القيادة التي احيانا كثيرة يتداخل عندهم مفهوم التكتيك وماهية الإستراتيجيا ، لذلك نرى عثرة هنا وأخطاء هناك ، لا يلبث القائد من جديد ان يتدخل ليعيد الوضع الى سياقيته ولهذا لاعليك رفيقي ؟ ولا تهتم او ترتبك من عثرة هنا او موقف هناك ، تراجع هنا او تقهقر هناك ! فالقائد هو ادرى منا ويفكر عنا جميعا وسترى قريبا كيف ان الأعداء سيهلكون رعبا في مواقعهم ونبدأ نحن بحصادهم او لملمتهم كعيدان قش تطرحها حصادة جوندر عصرية .. هو القائد أيها الرفاق ! لا انتم ولا نحن البسطاء ليس لنا سوى الإستماع إليه وتلقين ما يقوله استظهارا ، ومن ثم انتظار معجزات التحقق والحفاظ كما وزخرفة روحية إطاعة القائد الذي يحتاج منا كل الإصغاء والطواعية له !! ولما لا ؟! أوليس هو من يفكر عنا جميعا ؟ …