حواس محمود
سوف أركز هنا على العوامل الذاتية وراء الإخفاق الكردي، لأن العوامل الموضوعية باتت معروفة للقاصي والداني وتتمثل في تقسيم كردستان إلى أربعة أجزاء ملحقة بالدول الإقليمية: تركيا وسورية والعراق وإيران، وذلك وفق اتفاقية سايكس- بيكو في 1916، وقيام هذه الدول بالتالي بمحاربة الكرد على جميع الأصعدة، فيما العامل الدولي لا يزال في غير المصلحة الكردية لأن الدول الكبرى تستخدمهم لأهدافها وأغراضها المتقلبة.
ذاتياً، للشعب الكردي أحزابه السياسية منذ الأربعينات والخمسينات، وقد رفعت شعارات وأعلنت أهدافاً، لكنها لم تستطع أن تنتقل من حالة الخطاب السياسي الثوري، وأحياناً الإصلاحي، إلى حالة فعل نضالي مثمر عبر الانتشار في كل القطاعات والشرائح الاجتماعية. نقطة الضعف الكبيرة (مع التركيز على روج آفا كردستان أي كردستان الغربية في سورية) أنها لم تستطع استقطاب ثلاث شرائح أساسية هي: الشباب والمرأة والمثقفون.
فقد أُهملت شريحة الشباب من الانخراط في العمل السياسي عبر الأحزاب الكردية، وهذا الإهمال ناتج أساساً عن العقلية التقليدية التي كانت تفكر بها القيادات الكردية، لأنها للأسف تتمسك كثيراً بالقيادة تمسكاً سبّب انشقاقات عدة لكل الأحزاب الكردية.
ونسائياً، تم التقليل من أهمية الانخراط النسائي الكردي في العمل السياسي، بسبب الثقافة الموروثة والنظرة الدونية، ولو نسبياً، للمرأة، واعتبارها مجرد ربة بيت. وهذا ناتج عن التفكير التقليدي للقيادات الحزبية والآليات الحزبية الكلاسيكية التي ابتعدت عن التحديث والتطوير، رضوخاً لآليات القمع السلطوي.
أما المثقفون، فقد انخرط العديد من الفئات المتعلمة والجامعية في العمل السياسي الكردي عبر الأحزاب، خاصة في السبعينات والثمانينات، لكن هذا الانخراط لم يدم طويلاً بسبب تحكم السياسيين بالأطر الحزبية وتطبيق المبدأ الستاليني في الإدارة الحزبية، أي أن مسار تطبيق الأوامر الحزبية ينطلق من المركز إلى القاعدة. والمركزية الديموقراطية هذه مبدأ كلاسيكي غير فعال ولا ينسجم والعصر الحديث الذي يتطلب وجود مبدأ ديموقراطي، تفاعلي وتشاركي، للاستفادة من طاقات المثقفين.
وهذا إضافة إلى غياب بوصلة العمل أو خارطة الطريق، والذي أدى إلى ارتجالية العمل السياسي بحيث يتم التحالف مع هذه الجهة الإقليمية أو الدولية من دون دراسة أو تمحيص وتدقيق.
إن الحركة السياسية الكردية التي تضم عدة أحزاب تحتاج اليوم إلى مراجعة شاملة لبرامجها وتركيبها التنظيمي وألياتها وعلاقاتها مع الأحزاب الأخرى العربية والتركية والإيرانية، وإعادة برمجة كل وسائلها النضالية، والاستفادة من المتواجدين في العواصم الغربية لخلق لوبي كردي ضاغط على عواصم القرار العالمي وتأسيس مراكز الأبحاث والفكر. ولا شك أن التكنولوجيا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مفيدة كثيراً في خلق رأي كردي عام ضاغط على العواصم الفاعلة دولياً، علما بأن استخدام الكرد للتكنولوجيا راهناً غير فعال بسبب الانقسام السياسي والأيديولوجي، وعدم تأطير العمل الوطني الكردي.
إن نكسة كركوك وكوباني سابقاً والآن عفرين، تشكل ضربة قاصمة للحركة السياسية الكردية، وعلى النخب الكردية المتنورة البحث في عوامل الإخفاق ومقومات النهوض، عوضاً عن النحيب والبكاء على الأطلال. وهذه الأسطر نقطة في بحر المساهمة في تحريك هذا النقاش الحيوي المهم والحساس.
جريدة الحياة – 11-4-2017