الأمازيغي: يوسف بويحيى
كلما قرأت على التاريخ و السياسة و الحركات التحررية إلا توقف عقلي و قلبي في كوردستان على الزعيم “مسعود بارزاني” ،حيث مازلت أكتشف و أبحث شيئا فشيئا عن كنوز هذه الصخرة التي لم أرى مثلها في تاريخ النضال ،ليس من باب الإنحياز لكن حقيقة فرضت نفسها في الواقع و كتبت مجدها في كوردستان و العالم ،لا يمكن ذكر تاريخ كوردستان في بقعة من الكون إلا ذكر معها “مسعود بارزاني” كصورة مصغرة على تاريخ كوردستان العظيم.
لفث إنتباهي منذ صغري إلى الآن ومازال يصدمني بمواقفه الشامخة التي عجز عليها من يتبجح بالقوة و الإقتصاد و النفود ،متسائلا في حد ذاتي ماذا لو إمتلك أعداء الكورد شخصا ك”مسعود بارزاني” أو الأحرى لو إمتلكت كل أمة قائدا كشخصه العظيم ،أسئلة كثيرة تجعلني أجزم بأن الأمم ستخطو في درب العز و الحرية و الشموخ بٱمتلاكه ،إلى هنا أقول الحمد لله بأنه كوردي و أتأسف كثيرا على أنه نسخة ناذرة لن تتكرر مهما أعاد التاريخ نفسه.
من جهة أرى ان بعض الكورد لا يستحقون قائدا كمسعود بارزاني ،لكن أدرك بأن هذه الزمرة ليست كوردية بمعناها الحقيقي بل مصطنعة لعرقلة الحرية و الإستقلال ،قمر مضيء يلفه الظلام لكن ظاهر للعيان يفوح جمالا و نصوعا في ليلة ظلماء سطع بدرها ،ماذا لو أني لم أرى “مسعود بارزاني” في طفولتي يحارب “صدام” هل كنت سأكون كوردي الروح و الهوى ،غموض مازلت أبحث في أسراره لأكتشف نفسي من خلاله و فيه ،حقا كان له دور كبير بأن أنجدب لشخصه و طبيعة هندامه الكوردي كما لم أنسى دور الجبل الذي لعب دورا كبيرا في جمالية عظمة اللقطة و الصورة على شاشة التلفاز بالأبيض و الأسود.
أحداث صراع “صدام حسين” و الكورد بقيادة “مسعود بارزاني” كان لها وقع كبير في الوسط العربي بشكل عام و عندي بشكل خاص ،هذا لا يعني أن إنعطاف مجراي للكورد لن يكون بهكذا أحداث ،بل كان حتمية تاريخية فرضت و ستفرض نفسها على البشرية حتى و إن لم أكن موجودا ،منطق الأحرار يجعل من صاحبيه الإرتكاز على التحليل و التدقيق في بعض النقاط رغم رؤيتها من طرف العامة بأنها بسيطة بنظرة سطحية ،إلا أنها تبقى عميقة الماهية و المحتوى لو نظرنا إليها من منطلق التاريخ و برؤى علمية متعددة تعكس لبها و كينونتها.
لنترك الجانب الحزبي جانبا و لنسبح بعيدا في مسألة النضال المسلح للحركة الكوردية ضد الإحتلال في أقسى ظروف الكورد بدون غطاء دولي ثابت و عدوان إقليمي شرس ،ترتب على ذلك إنحراف كل القوى الكوردية عن قضية الإستقلال و التحرر بإستثناء “مسعود بارزاني” الذي بقي صامدا و محافظا على قناعة شعبه و جوهر القضية ،دون الخوض في مستنقع الكشف على أصول القوى المنحرفة على مسار النضال التحرري ،إلا ان “البارزاني مسعود” الوحيد من يشكل عقبة الصعبة للأنظمة الغاصبة و الحركات الكوردية المزيفة بشهادتهم و بدليل التاريخ و التجربة و الواقع.
كيف يمكن تفسير أربع دول ذات أنظمة عربية (العراق،سوريا،اليمن،لبنان) مسلوبة الإرادة من طرف ولاية الفقيه ،إضافة كذلك إلى بعض التنظيمات الكوردية التي سلكت نفس السقطة في وكر ولاية الفقيه الإيراني ،في حين أن “مسعود بارزاني” وحده من أشهرها قولا و فعلا “لا للتبعية” ،إجابة يمكن الجزم أن البارزاني بجباله أقوى من الأنظمة المذكورة على الرغم من إقتصادها و قوتها و نفودها ،هذه نقطة لم يلاحظها أحد و لم يحللها محلل في حين إنهالوا تهليلا بسقوط “كركوك” نتيجة خيانة لا تغتفر بعلم المجتمع الدولي و التحالف الدولي ،إلى هنا ماذا لو كان “مسعود بارزاني” رئيس دولة معترف بها على الرغم من أنه أكثر من رئيس دولة في حقيقة الأمر ،بل زعيم الشرق الأوسط التاريخي بدون منازع ،لا تغيير إلا بٱستشارته كونه الكريزما التي ينبني عليها تغيير خريطة الشرق الأوسط ،أو بتعبير آخر يمكن قول أن تجربة “مصطفى البارزاني” و بعده “مسعود بارزاني” هي السبب في تفكير القوى العظمى بالأخص دول “سايكس بيكو” في إعادة النظر بخصوص التغيير و مراجعة المؤامرة لتفادي الطريق المسدود لمصالحها الإقتصادية المتضاربة مع الكفاح المسلح الكوردي القومي بقيادة البارزاني.
لدي دراسة شخصية قد يتفق معي البعض و قد لا يتفق ،تكمن في مسألة إختيار “مسعود بارزاني” رئاسة الإقليم و تشكيل الحكومة بتوافق و إشراك كل الأحزب الكوردية الأخرى دون الإعتماد على الأغلبية و إمتيازات نتائج صناديق الإقتراع ،علما ان رئاسة الإقليم كانت خطوة من أجل المصالحة الداخلية و بناء الإقليم بجلب الإستثمارات و النهوض به من حيث البنيات التحتية و المطارات و إعطائه مكانة بمقومات دولة ،فتفاديا العراقل الحزبية و المشاكل التاريخية المتراكمة كان الحل هو التنازل على الهيمنة الإنتخابية بشكل حبي لإشراك الخصوم في العملية الحكومية ،كان التقارب الكوردي_الكوردي خصوصا بين البارزاني و الطالباني أكبر خطوة ذكية تحسب للبارزاني ما بعد 2005 ،علما ان توحيد الصف الكوردي سنة 2003 لإسقاط نظام البعث كان بغطاء أمريكي خالص.
هناك قراءة أكثر عمقا من الأولى بخصوص “مسعود بارزاني” في إختياره رئاسة الإقليم و الحكومة المشتركة تتجلى في معرفة مسبقة و نظرة ثاقبة بعيدة الأمد في إكتشاف نوايا خفية في تشكيل عصابات إرهابية تستهدف الإقليم من سنة 2005 إلى الآن ،والتي كشفها الزمن مسقبلا بٱسم “داعش” ،هذا يتجلى فيما إذا لاحظ القارئ العزيز كيف تم تفكيك شفرة مسلسل “وادي الذئاب” الذي أثبتت بالملموس أن ولادة “داعش” لم تكن في 2014 بل كانت تحاك و تنظم صفوفها منذ 2005 ،كانت نظرة “مسعود بارزاني” أكثر من ثاقبة بإستغلال الوقت لبناء الإقليم بسرعة مفرطة مع إقحام كل الأحزاب في الحكومة لتوحيد الصف سياسيا و عسكريا ،هذا ظهر بالملموس عندما ظهرت “داعش” بشكل رسمي كيف كان مجبرا على بعض القوى التخندق رغم أنها لو لم تكن مشتركة في الحكومة لتراجعت على ذلك ،تذكيرا بمسرحية إنهيار الجيش العراقي بأمر من إيران خصوصا عندما تعلق الأمر بالدفاع عن مناطق الكورد (شنكال و الموصل مثالا) ،علما ان داعش كانت تستهدف مناطق نفود البارزاني شعبية و حزبيا بعيدة عن “السليمانية” ،في حين تمت عملية الخيانة للزمرة المقصودة في “كركوك” ما يوضح بشكل صريح على ان “البارزاني” قام بخلط أوراق الأنظمة الغاصبة و الكوردية بشكل بارع و ذكي.
لمح “مسعود بارزاني” بطريقة السهل الممتنع كعادته في أكثر من مناسبة على أن داعش قديمة النشوء على حد قوله “داعش إمتداد للقاعدة التي مازالت نشيطة المفعول” ،شخصيا كسؤال إستنكاري هل من قائد كان يعلم بأن داعش قادمة بإستثناء القادة الفعالين فيها خصوصا تركيا مع العلم أن العرب فقط يمولون الإرهاب بدون تفكير و لا هدف بضغط غربي ،مع العلم أن “النوري المالكي” كان يجهل تواجد “داعش” في العراق رغم أنها موجودة بلحمها و شحمها داخل حدود “الموصل” و سوريا ،ما يوضح أن أغلب القادة أشبه بالأصنام المتحركة و بيادق الشنطرونج بإستثناء بيدق الملك.
كل المكتسبات التي بقيت محفوظة للكورد في إقليم كوردستان كانت بحنكة “مسعود بارزاني” حيث قارع و أفشل كل المخططات الإرهابية الضخمة بمقومات دول غنية و قوية بطرق عجيبة تفرض على كل من له عقل سليم أن يقف وقفة إحترام و تعظيم و إعتراف لهذه الأيقونة النابغة في زمن ولت فيه النوابغ ،إذ أصبح الوصول إلى كرسي الحكم مقرون بالمذلة و لعق الأحذية بشكل مخجل و مشكوف للعلن و الأمثلة كثيرة لا تعد و لا تحصى ،كما لعب دور كبير في لم شمل الإقليم بعد خيانة “كركوك” و تحطيم مخطط الحشد الإيراني و تنفيس الضغط بخلق إنتفاضة كوردية في “روجهلات” التي إمتدت إلى العمق الإيراني كالنار ،كما أن تركيا بدورها تعرف مكانة البارزاني في الداخل الكوردي الملحق بإدارتها علما أن علاقاتها بالإقليم تتخد هدنة تتخللها مشاريع و إستثمارات متبادلة لإطالة الإستقرار التركي ،علما في نظري المتواضع أن خوف تركيا من النهج القومي بقيادة البارزاني أكثر من خوفها من منظومة العمال الكوردستاني pkk ،لإقتران التحرر الكوردي القومي بمرجعية تاريخية صرفة معارضة للإحتلال كيفما كان عرقه و دينه و لونه.
رفض “مسعود بارزاني” مساعي الوساطة الإيرانية بين الإقليم و بغداد من أجل التراجع على الإستفتاء بالٱعتماد على عدة مغريات أبرزها رفع حصة الموازنة إلى ℅37 ،مدركا أن الهجوم على “كركوك” واقع لابد منه سواء تم الإستفتاء أو لم يتم ،لهذا كان الإستفتاء مكسبا كبيرا و تاريخيا وضع لبنة تأسيس الدولة على محك الدول الغاصبة ،كما أصبحت وثيقة الإستفتاء ورقة ضغط إقليمية أدت إلى تدويل القضية الكوردية عالميا ،كما أضفى الإستفتاء نظرة جيوسياسية و إستراتيجية على البارزاني في نظر الدول العظمى كأمريكا و الصين و الروس كشخصية مؤهلة للعب الحليف التكتيكي و الإستراتيجي في المنطقة من الآن فصاعدا إلى تأسيس الدولة الكوردية ،هنا نتساءل ماذا لو أن البارزاني تراجع على الإستفتاء طامعا بالإغراءات الإيرانية مع العلم ان الوضع سيكون كهكذا بدون إستفتاء؟؟ ،الإجابة أن الإقليم سينكسر ماديا و معنويا لعقود من الزمن على الأقل ،أما بالإستفتاء فالإقليم قوي معنويا و مسألة الإقتصاد ستفك عاجلا أم آجلا لضغوطات دولية و إقليمية كذلك.
كما نضيف إلى ذلك رفض “مسعود بارزاني” طلب “بشار الاسد” بواسطة إيران و العراق في فتح معبر بري في السليمانية يربط بين إيران و العراق إلى سوريا ،إعتبارا إياه شريطا إستراتيجيا و لوجيستيا لإمداد المليشيات الإيرانية في كل من العراق و سوريا بالمستلزمات العسكرية و غيرها ،زيادة إلى تسهيل تهريب النفط و الغاز إلى إيران ،صحيح أن “بشار الأسد” طلب أكثر من مرة و طرح مبادرة زيارة الإقليم شخصيا عندما ألح البارزاني بالرفض القاطع على الطلب و على دعوة “الأسد” له ،كان فتح المعبر مخططا مدروسا لم يقف على حد إيران و العراق و سوريا ،بل كانت بعض القوى الكوردية في السليمانية تجري جاهدة على إنجاحه ،ولو بعد حين بخلق مظاهرات و إحتجاجات مصطنعة مبالغ فيها قصد مطالبة الجيش العراقي و الحشد الإيراني بالتدخل بذريعة حماية المواطنين كما هو مقنن في الدستور الإتحادي ،مع العلم أن آخر ما تفكر فيه هذه القوى الكوردية المذكورة هو الشعب و رواتب الموظفين ،كان لمسعود البارزاني دور هام في إطفاء فتيل الفتنة المدبرة بإحكام من طرف إيران و العراق و أذيالهم الكوردية ،السؤال المطروح هو ماذا لم تم قبول طلب “بشار الاسد” من طرف البارزاني في فتح المعبر البري؟؟ ،الجواب أن إيران و العراق و الزمرة الكوردية المشكوك في أصلها كانت سترفض إغلاقه بعد نهاية المهمة ،مع العلم أن “بارزاني” قرأ الطلب من وجهه الخفي حيث كانت نية إيران و العراق من الطلب هو تقسيم الإقليم إلى إقليمين لكسر إرادة الشعب الكوردي لمئة عام أخرى ،لكن هيهات على من تقرأ إيران تقياتها و أفكارها الشيطانية ،إنه “مسعود بارزاني” نجل الجبل الأشم الذي أسس “مهاباد” مع الداهية “قاضي محمد” في عهد “الشاه” الذي يعتبر من أذكى رؤساء إيران عبر تاريخها.
“مسعود بارزاني” قد يراه البعض بسيطا إعتمادا على شخصه المتواضع و صمته الحكيم و خجله الوقور ،لكن الحقيقة التي يجهلها الأغلبية أنه عقل دولة في صفة رجل كوردي ترعرع بين نار الحرب و الحرمان ،أتخيل لو كان “مسعود بارزاني” غير كوردي هل سيصل الكورد إلى هذا التقدم و المكسب بعد إغتيال “قاضي محمد” و وفاة “مصطفى البارزاني” ،الإجابة في كل الأحوال تبقى “لا” ،إنه زعيم الأمة الكوردية بكل ما تحمل الكلمة من معنى ،نعمة بشرية ثمينة ناذرة ،مشروع أن يحسد عليها الكورد خصوصا من طرف الأمم التي لم تعد تنجب نسائها سوى الفئران و الجرذان.