سيامند ابراهيم : رحيلك كان عويلاً

 ابراهيم محمود
هناك أكثر من طريقة للحياة، أكثر من طريقة للتواصل مع الآخرين، أكثر من طريقة للقراءة، أكثر من طريقة للكتابة، أكثر من طريقة للتعبير عن جرح روحي، عن ألم ملحوظ في قسمات الوجه، وفي نبرات الصوت، وثمة من لا يعلَم بكل ذلك. أحسب أن رحيل سيامند ابراهيم ذي الـ” 65 ” عاماً، سيامند الكردي الذي كان، وسيامند حامل ” آسو ” وسيامند الذي كانت آلة تصويره المتواضعة والمكافحة، كان يعيش هاجس الحياة، ألم العيش بأكثر من طريقة.
لا أدري كيف عاش هذا الكردي المعروف بطرق كردية شتى في سنواته الأخيرة وقد حل لـ” ينحلَّ ” جسداً في ألمانيا رغم قساوة مناخ ألمانيا، ليلفظ أنفاسه الأخيرة في الحد الفاصل بين رحيل يوم وقدوم نظيره، سوى أن الذي أكتب عنه هو سيامند ابراهيم، في طرق قامشلو، ولقاءات كانت تتم في قامشلو، ومكالمات- رغم قلتها – كانت تتم في قامشلو .
ما أدريه، وما أدري به، كما هي طرق حياتي وقراءتي وكتابتي وتنفسي للهواء، وتقديري لألم الكردية، هو أن سيامند الكردي هذا، المأخوذ بـ” آسو: أفق ” الكردي هنا، أفصح عن الكثير من الطرق الكردية المسدودة. وهنا، لا أتحدث عن طرق سيامند المسدودة، أو السالكة بصعوبة، وإنما طرق الكردية التي أخطأت، وما زالت تخطئ في تقدير من يكون الكردي، وكيف، ومتى، وأين، ولعل للخطأ أكثر من عنوان نافر وسافر ينعطف على هذه الكردية هنا وهناك .
أتراني ابتعدتُ عن طرق سيامند، عن ظل لا يُشَكُّ فيه لسيامند، وما كان يعيشه سيامند، ويبحث عنه سيامند، حتى وهو بعيد عني لآلاف الأميال؟ إنني أتحدث عن جغرافيا المعرفة، جغرافية الروح الكردية، وكما هي طريقتي في الوصل والفصْل،لأشير إلى أن الكثير مما يُسمّي الكردي كاتباً، أو شغوفاً بالكتابة، وصنعة الكردي في الكتابة والصحافة أو الإعلام بدمغته الكردية، أن الكثير مما يعرّف بألم هذا الكردي يوجّه سبّابة الإتهام إلى الذين يعرّفون بأنفسهم أهل الحسب والنسب الكرديين أينما كانوا، وإلى هذه اللحظة .
ليقل من يشاء أن يقول عن طريقة سيامند الصعبة، عن طريقه الوعر في الحياة، سوى أن ما لا يستطيع أحد أن يشطب على تلك الطريقة، على هذا الطريق، هو أنه كان يتحرك بروح كردية، ودفع الكثير، وبأكثر من معنى ثمن كرديته، دون أن يتلقى أو ينتظر ” ختماً ” وصائياً، أو استعراضياً من المعرَّف به: متنفذ كردي، وبصيغ تترى وشتى !
أحداث تصلني به، تصله بي وبسواه، بسوانا، لا أحد يستطيع من بني الكردي، وهو ابن أمه وأبيه الكرديين، أن يزعم أنه فارق كرديته ذات يوم، أنه أعلن طلاقاً بينه وتلك ذات يوم، وهو في أتم حالات الضعف والجوع والوهن النفسي. وهو يمد يده أحياناً لأصحاب ” السوء ” المتنفذين، أو من تتملكهم نشوة مخالبية، حين يلمحون كاتباً، مصوراً كردياً يطلب من أي منهم يد العون، مساعدة، إن قدَّمها، فليس مكرمة، وإنما أقل من الواجب، ولسيامند الكثير من شهود عيان آثاره على ذلك.
مات سيامند ابراهيم، رحل الكاتب الكردي ” أبو هوشنك ” لفظ الكاتب الكردي المعروف: سيامند ابراهيم، أنفاسه الأخيرة في مشفى ألماني.. كان سيامند ابراهيم كذا وكذا وكذا…ما كان سيامند ابراهيم كذل وكذا وكذا… سيقال هذا وذاك، وقد مضى دون رجعة، لن يمكنه أن يتهجى حرفاً، أو يلتقط صورة، كما كانت عادته الكردية، سوى أن الذي لا يستطيع أي ابن أبيه أن يقول، هو أنه : لم يكن كردياً أماً وأباً، كتابة وصوراً، وحياة بائسة وهي في الكم الكبير من منغّصاتها، وإذا أريدَ إيلامه، إذا سُئِل عن هذا الألم العاصف، والحياة المجهَدة فيه، فليُبحَث كثيراً عن الجواب في دوائر الكردية والقيّمين عليها : أثرياء كرداً، وبائعي صكوك غفران كردية…هذا ما يمكنني قوله في الكردي ابن الكردي ابن الكردي سيامند ابراهيم، وقد رحِل قبل أن يرحل، وعويله الذي يقدَّر من قبل من يحسن التمييز بين أصوات الكردية شاهد بليغ على ذلك .
دهوك 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…