في نُصرة الملاعين

ماجد ع  محمد
“لا تظلمن إذا ما كنتَ مقتدراً.. فالظلمُ مرتعُه يفضي إِلى الندم
 تنامُ عينك والمظلومُ منتبه.. يدعو عليكَ وعينُ الله لم تنمِ”
ليس بخافٍ على متابِع أحوال المناطق في سورية، أن الشمال السوري الواقع تحت الوصاية التركية عامةً يعيش حالة الفوضى والفلتان الأمني ربما أكثر قليلاً من مناطق سيطرة ميليشيات الأسد وتنظيم داعش، ومنطقة عفرين(كرداغ) لها النصيب الأكبر من الفلتان الأمني والانتهاكات اليومية بحق سكانها منذ الشهر الثالث من العام الجاري إلى تاريخ اليوم، وطبعاً يحدث كل ذلك من قبل الجهات التي ادّعت بأنها غزت المنطقة لتخليص الناس فيها من سيطرة الوحدات العسكرية التابعة لـ: PYD!! علماً أن حجم الانتهاكات وفق تقارير المنظمات الحقوقية بحق سكان المنطقة منذ سيطرة الفصائل التي استخدمتها تركيا في الحرب على عفرين هي أكثر من انتهاكات كل سنوات حكم PYD على المنطقة!!.
وبما أن من استولى على المنطقة غزاها بادئ ذي بدء بشعاراته ويافطاطه الدينية، لذا سيكون استهلالنا بحديثٍ لرسول المسلمين حيث يقول: “من مشي مع ظالم ليعينه وهو يعلم أنه ظالم فقد خرج من الإسلام”، ولا يعنيني حقيقةً من يدخل الدين أو من يخرج منه، ولكن ما يعنيني هو عدم التستر على الظالم والحرض على مناصرة المظلوم قدر المستطاع، ولا شك أن المظلوم القريب المعروف من قبلنا أولى بنصرته من غيره، لذا ستكون هذه المرافعة(المقالة) خاصة بالمجالس المحلية بعفرين، إذ من خلال المتابعة نلاحظ أن كل الأطراف التي لها علاقة مباشرة بالمنطقة تصب اللعنات على من نذر نفسه لخدمتها متحملاً رداءة الواقع القائم فيها، حيث أن  كل من تسبّب بخراب المنطقة غدا يتقاوى على المجالس المحلية، إذ أن أنصار ومؤيدي حزب العمال الكردستاني وروافده يضعون كل مجهوداتهم في سبيل تشويه سمعة أعضاء المجالس المحلية بعفرين، تلك المجالس التي تحاول بشح الإمكانيات تصليح ما تسبّب بدماره كوادر قنديل وكل الفئات التي كانت تحوم في فلك حزب الاتحاد الديمقراطي PYD؛ كما أن الفصائل التي امتهنت السلب والنهب والسطو لا تكف عن مضايقة أعضاء المجالس المحلية، بكونهم أولاً يتحملون كل نتانة المسلحين كرمى إنقاذ ما يمكن إنقاذه من بين براثن اللصوص في الفصائل، وثانياً لأنهم مدنيون ولا أذرع عسكرية تساندهم في كل المنطقة، ولعل المعنيون بأخبار المنطقة سمعوا من قبل عن استشهاد نائب رئيس المجلس المحلي بناحية شيخ الحديد على يد فصيل العمشات الذي يظهر من خلال ممارساته بأنه ليس أكثر من عصابة ولكن لأهدافٍ ما شرعنت المخابرات التركية عملها في المنطقة، وبعدها كان قد تم الاعتداء على أحد أعضاء المجلس المحلي في ناحية شران من قبل عناصر الفصائل، وفيما بعد تم الاعتداء بالجملة على أعضاء المجلس المحلي في ناحية معبطلي، وكل ذلك على مرأى ومسمع الجيش التركي وهو لم يحرك أي ساكن بخصوص الاعتداءات على المجالس المحلية، علماً أن أعضاء تلك المجالس تم انتخابهم في مدينة غازي عنتاب التركية وبمباركة الخارجية التركية، ولكن يظهر أن المخابرات التركية التي تستخدم تلك الفصائل لا تريد كسر خواطرهم مهما قاموا باالاعتداءات، ومهما ارتكبوا من الانتهاكات بحق المجالس خاصةً وبحق أهالي المنطقة بوجه عام، ربما لأنها بحاجة إليهم لاستخدامهم في جبهات أخرى، وذلك حتى لو كان تغاضيها عن اقترافات بعض الفصائل على حساب كرامة كل المدنيين في المنطقة، طالما أن تحقيق أهدافها وغاياتها أهم من حياة جميع السوريين في الشمال عامة وفي عفرين على وجه الخصوص، وهذه المعادلة التي لا تمت للحق والعدل والإنصاف بصلة حفظناها عن ظهر قلب منذ بدء الدخول في عفرين، وبهذا الصدد فقد ذكر الناشط أحمد البرهو ثلاث نقاط جوهرية تبرئ ساحة المجالس التي تتعرض للخناق الحقيقي من قبل معظم القوى المسلحة ناهيك عن اتهامات العوام بعمالتهم لتركيا ومن أبرز تلك النقاط: استيلاء الفصائل على الممتلكات العامة التي هي أهم مورد مادي وآخرها وضع الفصائل يدها على أملاك كل من اتهم بأنه من الحزب (كما فعل نظام الأسد بممتلكات المعارضين) ووضعت الفصائل يدها حتى على الحدائق العامة، وكذلك تأجير المحلات التجارية ومنازل المدنيين صار وضعها بقوة السلاح بيد هذه الفصائل ومكاتبها الأقتصادية؛ ناهيك عن المضايقات الأمنية والابتزاز المتكرر لأعضاء المجالس المحلية بحجج واهية؛ وتشكيل الفصائل مكاتب اقتصادية بنكهة أمنية، فأصبحت هي الإدارة الحقيقية للمناطق ومن حقهم مصادرة الأملاك والاستيلاء على كل شيء له علاقة بالحزب أو بدون علاقة وكمثال على ذلك (المكتب الأمني والاقتصادي لفصيل يدعى أحرار الشرقية بناحية راجو، والمكتب الاقتصادي للجبهة الشامية بمدينة عفرين وناحية معبطلي، والمكتب الاقتصادي لفصيل السلطان مراد بمدينة عفرين وبناحيتي بلبل وشرّان، المكتب الإقتصادي لفرقة الحمزة ببلدة الباسوطة؛ ويختم الناشط برهو بأنه من خلال هذه الأفعال أصبحت المجالس المحلية مكسورة الجناحين وخاصة بموسم الزيتون الذي أصبح أصغر فصيل لديه مستودعات أكبر من حجم المجالس المحلية أجمعين.
ولكن الموجع أكثر أنه حتى السياسي جورج صبرا والعميد أحمد رحال وفي لقاءٍ لـ: “الرابطة السورية لكرامة المواطن” في اسطنبول مؤخراً راحوا يحمّلون المجالس المحلية سبب تردي سعر الزيت كمنتج أساسي في المنطقة، ولا يجرؤون على القول بأن بضعة تجار محسوبين على تركيا هم من يحتكرون استيراد الزيت من عفرين، وأن ثمة من لا يسمح للتجار الآخرين الدخول في المنافسة لشراء منتجات المنطقة وإخراجها، علماً أن سعر تنكة الزيت أثناء القتال في عفرين وصل إلى 23 ألف ليرة سورية، بينما الآن لا حرب في المنطقة ولا ثمة أثر لـ: PYD في المنطقة حتى يتهموه باحتكار الاستيراد والتصدير، فالأهالي مضطرون لبيع تنكة الزيت ما بين 12 و13 ألف سورية، لذا يتساءل مواطنو المنطقة أهذه هي نعمة الحرية التي وعدتم الناس بها وتفاخرتم بها أمام الإعلام العالمي عندما حاربتم وحدات الحماية الشعبية؟ أم هي الحرب الثانية على أهالي المنطقة؟ وذلك من خلال خناقهم اقتصادياً إضافة إلى التضييق عليهم من قبل الكثير من عناصر الفصائل الذين كانوا بالأمس أدوات لدى مخابرات بشار الأسد، واليوم هم أدوات لدى المخابرات التركية!ّ
إذن فبأي حق تتهمون المجالس المحلية وحتى الضرير بات يعرف بأن لا سلطة في كل عفرين إلا لجهتين فقط دون غيرهما، وهما الجيش والمخابرات التركية من جهة، والفصائل السورية المسلحة العاملة بأمرتها من جهةٍ أخرى، فكيف استنتجتم يا استاذ صبرا ويا سيادة العميد رحال بأن المجالس المحلية هي سبب تدني أسعار الزيت؟ وبرأي إذا كنتم غير قادرين على توجيه النقد إلى التجار المحسوبين على الدولة التركية، أو إلى الأذرع المخيفة للفصائل، فمن الأفضل التزامكم بالصمت عوضاً عن اتهاماتكم الجائرة بحق المجالس المحلية الذين لا حول لهم ولا قوة، لأنكم من خلال تحوير الحقيقة تطعنون في البريء وتساندون خالق الإشكالية وصاحبها والمسؤول عنها قبل أي شخص آخر، وللذين لا يعلمون الحقيقة بالأرقام سنذكرهم بمثالين فقط عن ناحيتين من نواحي منطقة عفرين، حيث أن المجلس المحلي بناحية جنديريس حدّد نسبة 10% كضريبة ولكن 8% منها للفصائل وفقط 2% للمجلس المحلي على كل خدماته وموظفيه وعماله؛ وعن مدى فساد الفصائل المتحكمة برقاب الأهالي في المنطقة نذكر منها ناحية شيخ الحديد، حيث أن المواطن يدفع 26% ضريبة منتجاته، مبلغ 16% منها يتضمن حصة المعصرة والمجلس والفصائل، بينما 10% المتبقية لوحدها هي حصة أحد قفازات المخابرات التركية في المنطقة ألا وهو المتهم باغتصاب نساء عناصره  الحجي أبو عمشة!؟.
ختاماً فلأني لم أبغي الوقوف صامتاً حيال ما تتعرض له المجالس المحلية بالمنطقة من قبل أغلب الأطراف، فرأيت بأن الانحياز للعدل ونصرة المظيوم شرف وليس نقيصة، وليس لنا حيال من يتركون منتهكي حرمات البيوت ويدعون ناهبي ممتلكات الناس في حال سبيلهم، بينما نراهم يسارعون في رمي التهم جزافا بحق الأبرياء، فيمطرون المجالس المحلية باللعنات، يتركون الفاعل المؤذي حراً ومن ثم يطعنون مَن وقع عليه الفعل، إلاّ تذكيرنا وتذكيرهم بعبارة “لا تطلقنّ القول في غير بصرٍ إن اللسان غير مأمون الضرر”. 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…