البحث عن إنسان يبحث عنك «الكاتب والصحافي الكردي: فرهاد عوني نموذجاً» 5- بين الصورة الناطقة والكلمة المرسومة

ابراهيم محمود
ليس من كلمات مجردة بالنسبة إلى الصحفي، إنما تكون معرّشة في التربة وفي الهواء وعلى الورق، لمن يتحرى مسيرتها، لأنه كائن التنقلات بين الحالات والأزمنة والواصل فيما بينها دائماً،وتلك خاصيتها التصويرية، مثلما أن الصورة تشكّل التوأم العميق والدقيق للكلمة المكتوبة، وهي بمثابة التوثيق لها، ودونها ربما تسقط ليس شهادة الصحفي، إنما يفتقر إلى مهنة الصحفي، ولا بد أن قارئ كتابات فرهاد عوني يلاحظ بعمق هذا الحرص في رفد كل منهما بالآخر .
لكل كتابة تاريخها: زمانها ومكانها، وربما حرارتها التي تشد قارئها إليها لكي يقيسها، كما لو أنها الجسد الحي، وتبعاً لمدى تمكن الصحفي من نقل الواقع المرصود وجرأته، وأن الصورة تدخل في تنافس ودّي معها، وقد تكون شاهدة عيان على فعالية الكلمة وبدعتها المواقفية .
والذي يتحرى أرشيف عوني من الصور، لا يفاجأ بالكم الهائل منها، وكما تأكد لي في مكتبه العامر، وهي تغطي عقوداً، وهي تشمل أمكنة وتقابِلنا بشخصيات سياسية وحقوقية واجتماعية وحزبية وثقافية ومن دول مختلفة من العالم، وليس في النطاق العراقي أو في إقليم كردستان، وما يمكن قوله من أن الصور تؤرشف لتاريخ كامل، أو أن التاريخ يتحدث بلغة الصور .
وأشدّد على نقطة بالغة الأهمية، وهي أن الصور متفاوتة في مكانتها، ويحتاجها الصحفي الكردي ومن يهمه هذا الجانب، لأن العين ذاكرة نافذة الأثر، وتعزّز من فعالية الكلمة، بمقدار ما تزيدنا قرباً وصفاء رؤية من الصحفي بالذات، وطبيعة مغامراته المحفوفة بالمخاطر.
ذلك ما نتعرف إليه بكثافة في ” ذاكرة الأيام ” كأني بالذاكرة لا تفعّل سيرورة القيمة الزمكانية ومكانة الاسم إلا بملازمة الصورة لها. إنما يبقى من الجدير بالتذكير أن هذه الصور مراتب:
صورة مأخوذة من جهات أرشيفية لها قِدَمها التاريخي، وحينها كان عوني حديث العهد بالدنيا، وصور تشير إلى بداية شبابه، وهي تمثّل أمكنة وشخصيات، وفي الواجهة صور الراحل ملا مصطفى بارزاني والذي كان مكانة كبيرة في واعية صحفينا وحتى اللحظة .
وصور تشمله وهو في أمكنة ومع شخصيات مسئولة وفي مواقع مختلفة بدورها .
ذلك يعني أنه من المستحيل بمكان قراءة مقال ما، دون المرفق معه صورتياً، أو حين تحفّز الصورة بدورها القارىء على متابعة ما هو مكتوب لتبين أبعادها الثلاثة .
وكل صورة تحمل تعريفاً بها: الاسم والتأريخ إجمالاً .
في ” ذاكرة الأيام ” المتعددة الطبقات، ثمة منازل  ترينا ما هو قائم ومتداول في الشارع السياسي فالثقافي إلى جانب الاجتماعي والتاريخي الكردي.
تأتي أول صورة في الكتاب لملا مصطفى البارزاني ” ص 29 ” وفي الأسفل ” آذار عام 1963، كويسنجق، لحظة مغادرة البارزاني لقاعة المؤتمر “.
” ص  72 “، ثمة صورة تمثّل البارزاني وبجواره مسعود البارزاني، وفي الأسفل ” البارزاني الخالد وإلى جانبه مسعود البارزاني في قرية ديلمان عام 1967 “.
” ص 96 ” ثمة صورة تمثل شاه إيران مع زوجته وفي الأسفل ” شاه إيران محمد رضا بهلوي خلال جلسة استراحة مع زوجته فرح ديبا أيام العز “.
” ص 106 ” ثمة صورة تمثل مجموعة طلاب، وبينهم فرهاد عوني ” أمام مدخل إحدى قاعات التدريس في كلية التربية ببغداد عام 1971 “.
” ص 171 ” ثمة صورة فريدة بقيمتها تجمع ما بين الرئيس الروماني السابق شاوشيسكو ومسئول حزبي كردي وفرهاد عوني، وفي الأسفل ” الرئيس الروماني السابق نيكولاي شاوشيسكو يتوسط حبيب محمد كريم سكرتير عام الحزب الديمقراطي الكوردستاني، وفرهاد عوني مدير إدارة جريدة ” التآخي ” في قصر الزهور ببغداد عام 1973 “.
” ص 347 ” ثمة صورة ذات طابع توثيقي، وفي الأسفل ” في باحة مؤسسة براتي وخبات الصحفية الرئيس مسعود البارزاني، المؤلف، رئيس برلمان كوردستان سابقاً جوهر نامق سالم في بيع عام 1974 ” .
” ص 531 ” في جلسة على الأرض وسردية مأساة الاسم الكردي في صورة كتب في أسفلها ” على هذه المائدة سمعنا تراجيديا إطلاق الأسماء الكوردية على الأبناء والذي تسبب في دخول الآباء غياهب السجون ” .
” ص 574 ” ثمة صورة تمضي بنا إلى الجزائر، وفي أسفلها ” من اليمين شهاب التميمي، الصحفية هيفاء الحسني، صحفية إيرانية ، فرهاد عوني في شارع ” دودوش مراد ” بمدينة الجزائر يوم 27-1/ 2007 ” .
في كتابه ” تجربتي الصحفية ” تأتي الصور في نهاية الكتاب، بخلاف سابقه إجمالاً، وهي في بنيتها تصل ما بين شهادة الكلمة المرسومة ومضاء الصورة الناطقة.
” ص 331 ” ثمة صورة جماعية للطلاب الكرد وفي الأسفل ” أعضاء من وفد الطلبة والشبيبة الكوردستاني المتوجهين بطائرة الخطوط الجوية العراقية إلى برلين ” الشرقية ” عاصمة جمهورية ألمانيا الديمقراطية، تموز عام 1973 ” .
” ص 333 ” يتكرر نشر الصورة التي جمعت بين شاوشيسكو ومحمد كريم وعوني .
” ص 343 ” ثمة صورة تأريخية، جاء في أسفلها ” الشهيد سامي عبدالرحمن مسؤول المكتب المركزي للثقافة والإعلام يملي ملاحظاته على رئيس تحرير جريدة برايتي : كاتب السطور “.
” ص 350 ” ثمة صورة مكرَّر نشرها في ” ذاكرة الأيام، ص 408 ” جاء في أسفلها  ” الرئيس مسعود بارزاني يتوسط الراحل فرنسو حريري وكاتب السطور والمأخوذة في ربيع عام 1994 في مكتب جريدة برايه تي، أربيل ” .
” ص 362 ” ثمة صورة تأريخية جاء في الأسفل ” منتجع دوكان 22-4/ 2004، صورة تجمع الأستاذ جلال طالباني السكرتير العام للاتحاد الوطني الكوردستاني وكاب هذه السطور أثناء مهرجان بدرخان الأول “.
” ص 372 ” ثمة صورة تأريخية بدورها، ورد في أسفلها ” مكتب رئيس تحرير جريده برايه تي صيف 1998 خيال كريمة الشاعر العراقي الكبير محمد مهدي الجواهري تزور جريدة برايه تي للقاء رئيس تحريرها “.
” ص 386 ” ثمة صورة تأريخية أيضاً، ورد في أسفلها ” هه ولير- مقر نقابة صحفيي كوردستان، كانون الثاني 2004 نقيب صحفيي كوردستان يستقبل آيدن وايت سكرتير الفدرالية الدولية للصحفيين عند زيارته على رأس وفد إلى كوردستان “..
في كتابه الثالث والذي هو في حوزتي بالمقابل ” من حقيبتي ” ليس من صورة أبداً، ويمكن للمرء أن يتساءل عن مغزى خلوه من الصورة، ليس لعجز المؤلف عن إيرادها إنما وفق  تقدير ذاتي منه، وفي كل ذلك ثمة مجال مفتوح للمناقشة بالتأكيد .
هذه الإشارات إمارات على ” عمارات أقوال وأفعال وأمثال، إن جاز التعبير، وأن تتبع الحراك الكلامي والتعبيري الصوري ” بالأبيض والأسود “، يسهم في بلورة المزيد من الأفكار ذات العلاقة بثقافة المؤلف عوني، وطبيعة اللقطة، وكيفية ورودها، وصلته به، إلى جانب إمكان الاستفادة منها، لأن المدوَّن ليس ممهوراً بالاسترسال الصحفي، إنما بما يعرّي وقائع تسمّي أحداثاً فجائعية، وطغاة، وأبطالاً، وضحايا وشهداء، وأمكنة تنطق بحيواتها…الخ 
 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

يتبع

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

بوتان زيباري   في أروقة السياسة الدولية، حيث تتراقص المبادئ على إيقاع المصالح، تبدو القضية الكوردية كوتر مشدود بين أصابع القوى الكبرى، كلٌ يعزف عليه لحنًا يخدم نوتته الخاصة، ثم يطويه في غمد النسيان حين تنقضي الحاجة. إنها قضية أمة سُلب منها حقها في التشكل، ليس لأنها تفتقر إلى مقومات الهوية، بل لأن الخرائط التي رسمها المنتصرون بعد الحروب…

تزامناً مع حلول الذكرى الـ(٣٤)، للانتفاضة في كردستان العراق، صدر اليوم المصادف (٨/٣/٢٠٢٥)، كراس (في أدبيات حركة الكردايتي: مظلة الحركة التحررية لشعب كردستان)، وهو من تأليف الكاتب القدير الإعلامي البارز الأستاذ (ستران عبدالله)، الذي سعدت بترجمته من الكردية (السورانية)، ويتناول الكراس موضوع التشتت والشقاق بين صفوف الحركة الكردية، وضرورة وجود مظلة كردستانية تضم أطرافها تحت ظلها، أنه بالفعل (كراس صغير…

علي شمدين في خضم مساعي الحريصين والغيورين على مستقبل الكرد في سوريا الجديدة، ودعوتهم المستمرة لأطراف الحركة الكردية في سوريا للتوافق وتشكيل وفد مشترك يمثل الجميع من دون إقصاء من أجل استثمار هذه الفرصة التاريخية التي توفرت للكرد على إثر هذه المتغيرات الجذرية التي تعصف بالمنطقة عموماً وسوريا خصوصاً، في خضم ذلك هناك من يدفع بالحوارات الكردية- الكردية،…

درويش محما جنكيز تشاندار، المستشار الخاص للسياسة الخارجية لدى الرئيس الأسبق توركوت أوزال، تطرق في كتابه “قطار الرافدين السريع” إلى ضعف عبد الله أوجلان وإطلالته المخزية وهو يعرض خدماته لخاطفيه على متن الطائرة التركية التي أقلته من كينيا إلى السجون التركية، كما كتب عن الحالة اليائسة لأوجلان وخنوعه بعد اعتقاله وسجنه، وتأثير ذلك على مصداقية الرجل ومكانته، الأمر الذي…