الدكتور محمد أحمد البرازي
نِعَمُ الثورة المعلوماتية علينا كثيرة، هذه الثورة الجبارة جعلت كرتنا الأرضية قرية صغيرة، ووفرت علينا تكاليف الحبر والورق، وعناء الحمل والإرسال بالبريد، ناهيكم عن السرعة الآنية لتلقي المراسيل، فضلا عن الصوت والصورة. بفضل الثورة المعلومات أصبح لكل واحد منا داره في فضاء الشبكة العنكبوتية، إن كانت تلك في الفيسبوك أو تويتر أو غيرهما… يزور بعضنا البعض في هذه الدور لتبادل أطراف المكاتبة إن كان ذلك في مجال الاستفسار عن الحال أو طرح المقترحات أو تبادل الأفكار والمعلومات وغيرها… ولكن من أهم كل هذا في فضائنا الكردي، الأفكار والطروحات والمقترحات السياسية. يأتي هذا من واقعنا المعاش إرغاما، فالاحتلال والاضطهاد والقهر والإذلال وما جرى مجراها تحتم علينا ذلك…
إلا أننا في احتكاكنا السياسي بعضنا ببعض نَنْشَطّ عن الحشمة والاحترام. إن دل هذا على شيء؛ إنما يدل على ضيق صدرنا ومحدودية مكتسباتنا المعرفية، فيؤديان إلى إساءة بعضنا لبعض، رغم علو مكانة بعضنا في المراتب العلمية، وكبر سننا الداعي إلى تجنب ما يخل بهذا الكبر وما يترتب عليه.
نظرا لهذا وجدت أن ابتعد عن المجال السياسي بقدر الإمكان، في داري الفيسبوكي، كي لا يُكال إليّ ما لا أرغب فيه، ويدفعني نازعي النفسي أن أنزل إلى منزلة المكيل إليّ، حفاظا على كرامتي واحترامي لذاتي. غير أن بعض الحالات تستدعي الخوض سياسيا فيها، رغم المخاطر الآنفة الذكر. فوضعنا في ظل الاحتلال والتقسيم يرغمنا الانخراط في بعض المواضيع المهمة لمعاناتنا المستديمة.
باستلام باراك أوباما إدارة الولايات المتحدة الأميركية، نحت أميركا منحى غير ذي قبل، فبدأ بتعامل حكام دول شرق أوسطنا المستبدين باللين والمجاملة، كانت نتيجتها تراجع القوى الديمقراطية في منطقتنا واشتد نشاط مثيري القلاقل ومزعزعي الاستقرار من الفوضويين والمغامرين في ازدياد، حتى غدت بالأمم المتحدة أن تعتبر جلّ سوريا يحكمها الإرهاب، بهذا المنطق لم يبقَ في سوريا من يمثل الاعتدال والوطنية في نظر أميركا وحلفائها، وكان أن تحول الاعتدال إلى الإرهاب والوطنية إلى الخيانة، مع ترك المعارضة دون تنقية ذاتها وإصلاحها، صارت متروكة للدول النفطية التلاعب بها بأموال البترول، فنتجت معارضة عصب حياتها امتصاص أموال النفط بذريعة المقاومة من أجل مطالب الشعب الثائر. هذا ما دعا إلى بعض الأطراف الطامحة لسوريا تمكين موقعها في الساحة السورية، وفي ذروة هذه السياسة تأسست دولة داعش لتحتل أراض شاسعة من سوريا والعراق، فكانت فائدة إدارة أوباما قيادة تحالف دولي لمحاربة هذه الدولة، التي في واقع الحال لم تكن سوى جحافل من مضللين بهم تقودهم قيادة بعثية سورية وعراقية يسلحون المغررين بهم بأسلحة لا تقارن بقوة وعظمة وحداثة أسلحة دول هذا التحالف بزعامة باراك أوباما، وليس هذا فحسب، بل في أراض سهلة لا تضيع الإبرة فيها، ليست كالأفغانستان واليمن؛ حيث الجبال، والكهوف وغيرهما مقابل الأقمار الصناعية والطائرات الحديثة، بالإضافة إلى أسلحتهم التي لا تقارن أبدا. هؤلاء من اجتازوا بتقنياتهم المتطورة أفاق المجموعة الشمسية، يرون محاربة داعش تحتاج إلى عدة سنوات! وحدا بالسيد أوبا سخفا بنا أن اعتبر القضاء على داعش يستلزم، على الأقل، ثلاث سنوات! أمام تكنولوجياتهم الرائعة وبنادق داعش المتقادمة زمنيا، وحتى مدافعه التي يبتاعها من السوق السوداء، من المعلوم أن هذه السوق لا تبيع الأسلحة المتطورة، ولا تمتلكها؛ لأنها تعتبر من أسرار صناعها. فآلت سوريا إلى ما ألت إليه الآن.
هنا أتساءل ألم يكن هذا استخفافا بنا؛ لكي يستنزفوننا دما ومالا؟ إن لم يكن هذا، إذن ماذا يكون؟! ونحن بسطاء زماننا، ومتخلفو عصرنا، نقع في شراكهم بكل سهولة ويسر، نخسر أرواحنا وأموالنا على حد سواء، وعن تشردنا وتسكعنا على أبوابهم حدث ولا حرج.
ثمانية أعوام من إدارة أوباما كانت كافية لتطمس قوى الديمقراطية ونشطاء الحرية والتحرر إلى حد لا تكون لهم كائنة في منطقتنا. فبوش الابن الذي يعود إليه الفضل في وجود إقليم كردي في العراق الفدرالي لأول مرة في تاريخ الكرد بعد جمهورية مهاباد. هذا الإقليم الذي ارتبط بأميركا والغرب، متأملا الاستمرار في تقويته؛ ليكون ركيزة تنطلق منها الديمقراطية إلى شرق الأوسط، بعد أن انشغل العراق في نزاعاته المذهبية والطائفية، وما قامت به المضللون بهم بشن هجمات انتحارية على جنود التحالف الدولي بقيادة أميركا في العراق، فتحول العراق العربي إلى مسرح للاقتتال يلقى حتفه فيها العراقي وقوات التحالف بنسب وإن كانت متفاوتة إلى أن على الصعيد السمعة والهيبة تكاد تكون متقاربة. حاول التحالف الأميركي التقليل من عدد القتلى، فلم يفلح إلا قبيل أواخر مدة انسحابه، وترك العراق في أيدي العراقيين أنفسهم ليعودوا إلى المربع الأول، وهذا تجلى في أوضح صوره عندما تربع أوبا في البيت الأبيض، فبدا أن العراق يخسر في عهده ثاني أكبر مدنه، وتمتد الدولة الإسلامية من سوريا إلى العراق، والإقليم يكاد يُجرف من جراء تمدد داعش، وتتلاعب دول النفطية بمصير سوريا كما تشاء بصمت من أوباما. وفي النهاية تعلن الدولة العظمى، الحاكمة على الكرة الأرضية من دون منازع، أنها ستحارب داعش في العراق وسوريا بالتعاون مع حلفائها، (داعش التي لا تعادل قوتها قوة أسطول واحد من أساطيل حاكمة كوكبنا)، لعدد من السنين، أي أنها تحتاج للقضاء عليها مدة لا تقل عن بضع سنوات! ولى عهد أوباما بعد أن أعطى مجالا واسعا للفوضويين ومثيري القلاقل والإرهابيين بما يكفي أن يعيش إنسان منطقتنا في ظل الخوف والقتل والتدمير…، ولكن لم يولِ عهد الإرهاب، إن كان داعشا أو غيرها، والمعاني الحقيقي من هذا الإرهاب هو نحن أبناء الشرق الأوسط.
كازاخستان – المأتا