الشعب الذي سجن في بلده .. نظرة إلى الوضع المعيشي في إيران تحت حكم الملالي

بقلم عبدالرحمن مهابادي*
قبل عدة أيام تحدثت مع أحد أصدقائي حول شعارات الشعب الإيراني في الانتفاضة ضد الدكتاتور الحاكم في بلادهم. وحدث جدل ساخن حول ذلك. الجدل بدأ من أنه إلى أي مدى تعبر هذه الشعارات عن آلام ومطالب الشعب الإيراني. الشعارات كانت بسيطة للغاية ولكن في الوقت نفسه، يمثل كل شعار موضوعًا في هذا البلد يمكن للمرء أن يكتب حوله كتابا كاملا. من الحالة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية للمجتمع حتى سجل وتاريخ أربعين عاما من حكم هذا النظام الذي هو الآن على وشك الانهيار. هذا بعض من شعارات الشعب في الانتفاضة والاحتجاجات اليومية : ” لا غزة ولا لبنان روحي فداء لإيران “، ” اتركوا سوريا في حالها وفكروا في حالنا “، “عدونا ها هنا كذبا يقولون أمريكا “، ” أيها الإصلاحي وأيها الأصولي لقد انتهت اللعبة ” . 
الشعب الإيراني جائع . في حين أن خط الفقر في إيران هو ٥ ملايين تومان .الراتب الشهري للعامل هو ٢مليون تومان . وسائل الاعلام الحكومية تعترف بهذه الحقيقة بأن ٥٠ مليون إيراني يعيشون تحت خط الفقر . قيمتي الريال الإيراني والدولار تبتعدان عن بعضهما البعض بالجهة المعاكسة بسرعة كبيرة مما يعني ازدياد الفاصلة والمسافة بشكل أكبر بين شرائح المجتمع الإيراني. من قبل رؤوس ومسؤولي وقادة ومقربي ومؤيدي هذا النظام الذين على حسب أقوال وسائل الإعلام الحكومية لا يتجاوز عددهم عدة مئات ومن جهة أخرى جماهير الشعب الإيراني التي تمثل الأكثرية المطلقة في إيران تحت حكم الملالي.  في إيران هناك العديد من الأشخاص الذين تمت سرقة ونهب ودائعهم المالية من قبل العصابات الحكومية واحتجاجاتهم الواسعة من أجل استردادها لم تأتي بأي نتيجة. عصابات هذا النظام تقوم بنهب وسرقة أموال وثروات وممتلكات الشعب الإيراني تحت ذرائع مختلفة. الغلاء يضرب في كل مكان وعدد العاطلين عن العمل يزداد يوما بعد يوم. الحالة المعيشية والاقتصادية للمجتمع الإيراني منهارة تماما حيث ظهرت ظواهر مؤلمة في المجتمع مثل ( العتل والحمل ، الاعتياد ، الفاحشة ، بيع أعضاء الجسم ، الأطفال المشردون ). هالة من الألام العميقة ترتسم على وجوه الشعب يمكن رؤيتها و الإحساس بها. وأينما تسمع بقصة الإيرانيين فإن سفرة آلامهم تدعو ذهن المستمع للتفكير لماذا ؟ 
الشعب الإيراني لا يتمتع بالأمن والأمان . كل شخص وكل عائلة تقع تحت المراقبة الأمنية الشديدة لعشرات الأجهزة الحكومية. تقريبا لايمكنك أن تجد شخصا في إيران يستثنى من هذه القاعدة. لهذا السبب تعتبر إيران بمثابة (سجن كبير) بالنسبة للإيرانيين والعالم يعاني فيه السجناء كل يوم من التعذيب النفسي والجسدي. حتى الآن تم إعدام أكثر من ١٢٠ لف شخص. واذا قمنا بحساب عدد عمليات الإعدام المنفذة بحق السجناء العاديين الذين هم ضحايا هذا النظام أيضا فإن إحصائيات الذين تم إعدامهم خلال أربعة عقود سوف تتضاعف عدة مرات. السجناء السياسيين يتم إعدامهم على نحو واسع بشكل يومي فقط بسبب معارضتهم الحكومة. هناك العديد من الشواهد التي تشير إلى إعدام عدد كبير من السجناء السياسيين تحت مسمى سجناء عاديين. وفقا لإعلان المراكز العالمية المرتبطة بانتهاك حقوق الإنسان إيران تملك أعلى معدل إعدام في العالم وأعلى معدل اعتقال وسجن للفنانيين وبالأخص المراسلين والصحفيين في العالم. عندما تدخل إلى حياة كل عائلة إيرانية سوف تجد أن وجهات النظر عموما غامضة وثقيلة. مرة أخرى هذه المشاهد تدعو المستمع للتفكير لماذا ؟ 
الشعب الإيراني غاضب من الحكومة. في حين أن بلادهم غنية ومليئة بالثروات والشعب الإيراني يستحق حياة أفضل لكن بسبب النظام الدكتاتوري الديني الحاكم في بلادهم يتم صرف هذه الثروات على تصدير الأصولية والإرهاب وقتل معارضي النظام وانتاج السلاح النووي واحتلال البلدان وسياسة الملالي التوسعية. القسم الأكبر من اقتصاد بلادهم بيد قوات الحرس. ومن أجل تحقيق أهدافهم قاموا بتأمين عشرات ومئات الأحزاب والمنظمات والمؤسسات الإرهابية في البلدان الأخرى ماليا حتى يتمكنوا من الحفاظ على وجودهم في داخل إيران. هذا النظام من أجل الحفاظ على بقائه يعتمد على قواته الإرهابية ومرتزقته في خارج الحدود أكثر من مناصريه في الداخل. خاصة الآن بسب التأثير الكبير للانتفاضة فان مناصري هذا النظام يتداعون بشكل سريع. إذا لاحظنا أن النظام يدعم الدكتاتور السوري بشار أسد أو حزب الله في لبنان، و يرعى المليشيات شبه العسكرية والأحزاب الشيعية في العراق أو الحوثيين في اليمن ماليا، ويقوم بدفع سنويا مئات الملايين من الدولارات من أموال الشعب الإيراني، فإنه يقوم بهذا الأمر لهذا الغرض. الآن رأى العالم بأم عينه بأن نظام الملالي فاقد للشرعية في إيران بشكل تام ولا يملك أي قاعدة اجتماعية. وإذا كانت هناك انتخابات حرة وديمقراطية في إيران، فإن أكثر من 95 في المائة من الإيرانيين سيقولون “لا” لبقاء النظام. يشعر الملالي بهذا جيداً ولا يخفون حقيقة وخطر الإطاحة بنظامهم!
هذا هو المكان الذي ستجد فيه الإجابات عن أسئلتك وستواكب من خلالها اصوات الشعب الإيراني وتعطيهم الحق في القيام بالانتفاضة. الآن بعد مضي قرابة أربع عقود من حكم الملالي تكون لدى الشعب الإيراني وعي تام بطبيعة هذا النظام الفاسدة المعادية للشعب الإيراني والتي تستر فيها تحت غطاء واسم الإسلام والقرآن والرسول الكريم. لقد وصلوا لحقيقة أن جذور جميع مشاكلهم في المجتمع تعود أصولها للملالي الحاكمين ولهذا السبب انتفضوا ضد الدكتاتورية الدينية الحاكمة في بلادهم. الشعب الإيراني لمس بأيديه الفقر والجوع وبقية الكوارث الأخرى والآن هم يروون حياة الرفاهية التي يتمتع بها مسؤولو هذا النظام هم وأبنائهم وأقاربهم أيضا في داخل إيران وخارج إيران.  إنهم يظهرون وعيهم من خلال شعاراتهم ومطالبهم في الانتفاضة. شعارات الانتفاضة لها جذور مترسخة في أعماق المجتمع وقلوب الإيرانيين الذين قد عقدوا العزم على إسقاط الدكتاتور ورسم المستقبل المشرق لهم ولشعوب المنطقة. هم يعلمون جيدا بأنهم ليسوا وحيدين وأن هناك مقاومة قوية تدعمهم و لديها معاقل الانتفاضة منتشرة بين أوساط الشعب الإيراني تقوم المقاومة الإيرانية بتوجيهها وتنظيمها للاقتراب من سقوط نظام الملالي.
البعض أطلق بشكل صحيح على انتفاضة الشعب الإيراني اسم (ثورة الجائعين) و (مطيحي نظام الملالي) لتضميد جراح الجوعى وإنهاء حكم المتاجرين بالدين والفتاوى في إيران. 
*کاتب ومحلل سياسي خبير في الشأن الايراني.
Abdorrahman.m@gmail.com

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…