الأمازيغي: يوسف بويحيى
مازال الإسلاميون يبررون رفضهم العلمانية بذريعة صناعة غربية ،هنا يتضح أن عقلية الإسلامي تتوقف دائما عند الحاجز القومي و الديني للآخر المختلف ،دون قراءة و دراسة الموضوع المطروح بعقلانية تامة ،لهذا مازال تحليل و فهم بعض المفاهيم يقتصر على العاطفة و التعصب دون العقل ،وعليها تولدت العديد من الإشكاليات في المجتمعات الإسلامية لمسايرة القضايا و حركة التاريخ.
أولا و قبل كل شيء فالعلمانية ليست بندا وضعيا ،ولا علاقة لها بالفلسفة الوضعية المنسوبة للفيلسوف ؛أكوست كونط” و “ماكس فيبر” ،بل هي مبدأ كوني تعكس صورة الله في خلقه للكون أولا ،وأنصت عليها الكتب السماوية جميعها دون إستثناء.
إن الإختلاف حتمية لابد منه في الوجود ،وعليه خلق الله البشرية شعوبا و قبائلا و لكل شعب لغة و تقاليد و أعراف و معتقدات ،مرتكزا على معيار التفاضل التقوى ،والتقوى هو الإيمان القوي بالله ،والإيمان في حد ذاته غير مرتبط بدين محدد ،بل هو مدى علاقة الروح الإنسانية بخالقها ،فالمؤمن ليس بالضرورة ان يكون متدينا ،وهذا ما لم يفهمه الإسلاميون منذ بداية الإسلام إلى اليوم.
إن الهدف من مجيء الدين هو الحفاظ على الفطرة الإنسانية التوحيدية و الأخلاق و السلوك البشري و ضبط العلاقات الإجتماعية بين بني البشر جمعاء ،وإغناء الروح البشرية بالمكارم و التعايش بين الإنسانية ،فذكر كلمة “الحفاظ” تفيد ان الإنسان مفطر و لم يخلق فارغا من تلك القيم و المبادئ ،لهذا فمعظم الأشياء التي يتوصل لها العقل المنطقي هي نابعة من تلك الفطرة الراسخة التي يسعى الدين الحقيقي نفسه إلى الحفاظ عليها ،وهنا يقع الإسلاميون في تناقض كبير بعدم قبولهم نتائج إجتهاد العقل البشري المختلف ظنا منهم أنه غربي المصدر ،والحقيقة أن العقل و المنطق و الفطرة الأصلية واحدة.
إن فهم مفهوم الدين أراه مازال في محل ضعف عند أغلب المتدينين و رجال الدين ،مختزلين الدين في بعض الممارسات و الأدعية…،بينما الحقيقة بشكل عام تقبل العديد من التأويلات الصائبة التي مفادها أن الدين هو العقل فمن لا عقل له لا دين له ،وهنا من الخطأ أن نجرد الحيوان من العقل ،لأن لكل مخلوق فطرة و عقل تختلف من فصيلة إلى أخرى ،والأيات الدينية أكدت كم مرة أن كل من في السموات و الأرض يسبح لله ،وهذا يكفي و خير دليل على من يدعي العكس.
إن مسألة العلمانية تنقسم إلى نوعين إثنين هناك العلمانية الجزئية و العلمانية الشمولية ،فالجزئية تسعى لضبط معنى الدين في عقلية المجتمع بشكل صحيح دون إثارة النزعة ،محاولة تعبئة المجتمع على أن الدين مسالة إختلاف و ليس خلاف ،وهذا ما تنهجه المجتمعات الأروبية عن طرق المؤسسات التأهيلية و المدارس و الجامعات لمحاولة تأهيل الفرد ليكون إيجابيا لتحريك عجلة المجتمع إلى الأمام قصد الإزدهار و التعايش ،والشمولية تفيد أن المؤسسات الحكومية تعمل وفق دستور موحد معتدل و عادل يجمع الجميع تحت سقف الواجب و الحق ،بينما تبقى مسألة التدين حرية المعتقد كباقي الحريات الأخرى يشرعها الدستور كما يفرض على الجميع إحترامها.
إن النقطة المهمة في تحليلية العلمانية الشمولية تكمن في بالضبط في تقنين و مراقبة أماكن العبادة (الكنائس،المساجد) ،كي لا تتحول إلى أماكن تأجيج الصراعات و الفتن الدينية و المذهبية و الطائفية و التدخل في المسائل السياسية ،وهذا كله من أجل تحقيق الإستقرار و التعايش ،بينما نرى أن هذا التقنين منعدم في البلدان الإسلامية نهائيا ،إذ تتحول مساجد إيران و السعودية و “مصر” على سبيل المثال إلى ملحمة خطابية جهادية في كل مرة ضد مكون قومي أو طائفي حسب الضرورة السياسية ،على الرغم أنه دينيا من حيث الشرع هكذا ممارسات حرام قطعا و غير مقبولة أخلاقيا و منطقيا.
إن مسألة الكنيسة و المسجد في معظم دول اروبا لديها ضوابطها القانونية التي لا يجب أن يخرج عليها الخطاب الديني ،لهذا أي رجل دين يدعو إلى القتل و التحريض و العداء يحاكم و يطرد و يفصل و يهجر إن لم يكن مجنسا ،بينما في الدول الإسلامية نجد أن المساجد مجرد مؤسسات حزبية للتشهير الإنتخابي و السياسي ،بعيدة كل البعد عن وظيفتها الأساسية ألا هي مكارم الأخلاق و العبادة…،إلى هنا فبأي شيء يمكن أن نفسر خطاب رجال الدين عند هجومهم على الأمازيغ و الكورد…بداعي الكفر و الشرك و الشيطنة بينما 95% من المصلين في المسجد هم كورد و أمازيغ…!؟
إن تاريخ نشوء الطرح العلماني كفيل بأن يجيب عن كل الترهات التي يدعيها المعادون للإنسانية و التعايش ،مع العلم انها الحل الوحيد الذي أطفأ الحروب الصليبية الدامية بأروبا ،والإطار الأوحد و الوحيد الذي يجمع بين كل الأطراف الإنسانية ؛وليس الأديان الشمولية حسب رجال الدين ،ويبقى قولي دائما ان ما يمارس من تدين إلى حد اللحظة ليس بالدين الحقيقي سواء المسيحية و اليهودية و الإسلام ،لأنه لم يصلنا إلا المحرف و المشكوك في صحته ،ولا أقصد الكتب السماوية.