محمد مندلاوي
عزيزي القارئ الكريم، بلا أدنى شك أنك تعرف جيداً، أن برامج التلفزيون التي تدخل البيوت دون استئذان، لقد صار هذا الجهاز المرئي من أهم مكونات أي منزل، ويستطيع أن يؤثر في مشاعر المشاهدين وأفكارهم سلباً أو إيجاباً. منذ أواسط القرن العشرين صار جهاز التلفزيون جزءاً لا يتجزأ من العائلة العراقية والكوردستانية. وبعد مجيء هذا الجهاز التنويري، الذي يغير المجتمعات كيفما يشاء، لقد وقف ضده في الوهلة الأولى الظلاميون والقوى الرجعية المحلية، وطالبوا بعدم إدخاله إلى البيوت والأماكن العامة، لكن دعاواهم هذه لم تلق آذاناً صاغية من لدن الناس.
إلا أن الأنظمة الديكتاتورية، التي تعاقبت على دست السلطة في العراق، مثلما استحوذت على البلد ومقدراته بالتآمر والانقلابات المشبوهة استحوذت أيضاً على وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة ومن ضمنها جهاز التلفزيون كأهم وسيلة اتصال مرئي بالمشاهدين، وحولته إلى أداة صفراء لقلب الحقائق وتشويه أفكار الجماهير، هذا ما شاهدناه وعشناه في زمن حكم حزب البعث المجرم ورئيسه السادي صدام حسين، وكذلك الآن في ظل الحكم الطائفي..، الذي يستعمل جميع وسائل الإعلام المختلفة لاستحمار المشاهد والقارئ، وذلك من خلال خطاب عنجهي ظلامي طائفي، لكنه مغلف بصبغة رسمية يحمل اسم الكيان العراقي.
عزيزي القارئ، إننا نعلم جيداً أن الشارع العربي بصورة عامة، والعراقي بصورة خاصة بعامتهم وخاصتهم لا يعرفون شيئاً عن الشعب الكوردي ووطنه كوردستان، وأن عرفوا نزراً يسيراً يكون معرفة مشوهة ومبتورة وغير صحيحة وتدعوا للضحك والسخرية. امتداداً لهذا الجهل المركب صار المواطن العربي يتلقى معلوماته فيما يخص الشعب الكوردي ووطنه كوردستان من جهلة العرب في هذا المضمار، فلذا طالبت قبل ستة أعوام وتحديداً عام 2012 في مقال تحت عنوان (إنشاء قناة فضائية كوردستانية باللغة العربية باتت ضرورة قومية ملحة) من مسئولي إقليم كوردستان فتح قناة كوردية إخبارية باللغة العربية يكون هدفها تصحيح تلك المعلومات الخاطئة عن الكورد وكوردستان، التي حشوا بها رأس المواطن العربي والعراقي.
من أولويات القناة العربية التي تحمل الهوية الكوردية، أن تَعرف كيف تؤثر على مشاعر وأفكار مشاهديها العرب، وتبعدهم عن ثقافة الداحس والغبراء، وتأخذ بيدهم وتخرجهم من الظلمات الجهل إلى نور المعرفة، وتجعل منهم مجتمعاً حضارياً يستصرخ الحق ويناصره، ويقف في وجه الباطل ويعاديه ؟ وذلك من خلال برامج هادفة تغذي بها أفكارهم حتى يواكبوا الحضارة ويفوا بمتطلبات العصر ويحترموا حقوق الإنسان ويصونوا كرامة الأفراد من أي لون أو جنس أو عرق، كي لا يتجاوزوا على أوطان الآخرين وممتلكاتهم تحت أية ذريعة كانت.
عزيزي القارئ الكري،الآن توجد قناة كوردية باسم “زاكروس = Zagros” تبث باللغة العربية، تابعة للحزب الديمقراطي الكوردستاني -لا أدري أن كانت هناك قنوات كوردية أخرى بالعربية تبث على مدار الساعة- إلا أن زاكروس هذه، كل برامجها لا تخدم الكورد ولا كوردستان، لأن جميع برامجها تقدم مثلها القنوات العربية، كأغاني أم كلثوم، أو فريد الأطرش. أو برنامج صباح زاكروس أن جميع مواد البرنامج لا تختلف عن أي برنامج عربي في القنوات العربية، فالمشاهد العربي يشاهد مثل هذا البرنامج.. في قنواته العربية، التي هي بالعشرات أن لم تكن بالمئات. يا ترى بماذا يفيد الكورد وكوردستان عندما تقدم القناة المذكورة تقريراً عن المشاتل في البصرة!! أو يُستغل القناة لساعة كاملة في الحديث عن المطبخ والطهي العربي!! هل أن ساحة النضال الكوردي تحول إلى المطبخ، حتى توفق بين اخضرار الفلفل واصفرار البهارات!!. هل تريد القناة ومن يمولها النفاذ إلى العقل العربي من خلال معدته؟؟. يا ترى ماذا يفيد القضية الكوردية عندما تسأل القناة من الشباب العربي العراقي: هل تفضل الفتاة ذات القامة الطويلة أم القصيرة!!. أليس هذا استخفاف بالقضية الكوردية والشعب الكوردي عندما تُهدر أمواله في مثل هذه المؤسسات.. وبهذه الطريقة الساذجة الغبية؟؟. يا ترى ماذا يقول الحزب الديمقراطي الكوردستاني الممول لهذا القناة عن ما تقدمه من برامج لا تعكس للشارع العربي العراقي ما يتطلع إليه الشعب الكوردي؟؟. يا سادة، نحن نريد قناة يغير الصورة النمطية للكورد عند الشارع العربي والعراقي. نريد قناة تُعرف الشارع العربي والعراقي والسوري من هو الشعب الكوردي العريق؟، تاريخه، ثقافته، أدبه، شعرائه، فنه، حضارته، دوره ومشاركته في بناء الحضارة البشرية، وحقه في الحياة أسوة بالأمم الأخرى. نريد أن تُعرفهم بالممالك والإمبراطوريات والشخصيات الكوردية القديمة، التي سلبت من الشعب الكوردي أسمائها وأعطيت أسماء أخرى غير كوردية ونسبت ظلماً إلى غير الكورد كالسومرية والميدية والساسانية والأيوبية الخ. نريد قناة أن تُعرف المشاهد ما هو علاقة الشعب الكوردي بالشعوب المحيطة به وبالعكس، وماذا قدم الكورد لهذه الشعوب من قادة وعلماء وفنانين وكتاب أغنوا مكتباتهم ودور علومهم الخ. ثم، ما هو كوردستان وطن الشعب الكوردي تاريخه وأرضه تمتد من أين إلى أين، وكم قضم منها على أيدي المحتلون الأتراك والفرس والعرب خلال احتلالهم له، كم من شعب الكوردي الجريح هجر قسراً إلى خارج حدود كوردستان منذ مئات السنين، وهذه السياسة العنصرية المقيتة جارية على قدم وساق إلى الآن في عموم كوردستان السليبة. نريد أن تُعرف القناة مشاهديها العرب بالأحداث والثورات التي جرت على أرض كوردستان، كمعركة جالدران اللعينة التي وقعت بين الفرس والأتراك التي جرت وقائعها في شرقي كوردستان عام 1514م وبعد هذا التاريخ قطعت أوصال الوطن الكوردي بين المحتلين، يجب على القناة أن تحيي هذا اليوم المشئوم في التاريخ الكوردي الخ. نريد أن تعرف المشاهد العربي بأن ساحة الحرب العراقية الإيرانية كانت شرقي وجنوبي كوردستان مسرحاً لها، وقتل آلاف مؤلفة من أبناء الشعب الكوردي في هذه الحرب اللعينة التي ليس لهم فيها ناقة ولا جمل. نريد قناة أن تُعرف من خلال تقديم برامج هادفة للشعب العربي العراقي والسوري تُعرفهم بأن الشعب الكوردي صاحب حق على أرضه المغتصبة، وله الحق أن يؤسس دولته الوطنية أسوة بدول العالم. نريد قناة أن تجيب على أسئلة عديدة يطرحها الشارع العربي تخص الشأن الكوردي والكوردستاني. نريد قناة أن تُعرف العرب بمفهوم الفيدرالية الصحيح، لأن غالبية العرب يجهلون الفيدرالية، لذا لازال البعض منهم يعاديها – الناس أعداء ما جهلوا-. نريد قناة، أن تنبه سياسيينا ومثقفينا (الجهلة) حتى يكفوا عن ترديد بعض الأقوال الشاذة التي لا تخدم الشعب الكوردي، مثال: أننا قومية رقم اثنين في العراق!! هل قال العرب نحن قومية رقم واحد حتى يكون الكورد رقم اثنين!!. هل صنف الدستور الاتحادي القوميتين العربية والكوردية وبعض الأقليات المهاجرة التي تقيم في العراق وكوردستان حسب تعدد الأرقام، حتى تقولوا مثل هذا الكلام الماسخ الذي لا ينهضم؟ أم أن العرب والكورد قوميتين رئيسيتين في العراق الاتحادي؟. نريد من القناة أن تطلب من البرلمان الاتحادي تطبيق ما جاء في الدستور. نريد من النواب الكورد في البرمان المذكور بكل اتجاهاتهم التكلم باللغة الكوردية. نريد من القناة أن تنبه البرلمانيين أن لا يقبلوا كتابة اليافطات في البرلمان يكون النص العربي بخط كبير الحجم، والنص الكوردي بخط صغير الحجم، ألا يعرفوا أن لهذا مغزى عنصري عروبي يحسب الكورد أقل شأناً من العرب؟. نريد أن تنبه القناة الكورد كي لا يرددوا كلاماً يجرح المواطن الكوردستاني ككلمة كوردستان العراق، لأن الدستور الاتحادي الذي فوق الجميع لا يقول كوردستان العراق بل يقول إقليم كوردستان. نريد من القناة يعلم السياسيين الكورد أن لا يقولوا كوردستان جزء من العراق؟ أن إقليم كوردستان جزء من عموم كوردستان، لقد دخل في نظام فيدرالي مع الإقليم العربي الذي يسمى العراق وشكلا معاً العراق الاتحادي. وبعضهم يجتر ويقول نحن كورد العراق، نقول له يا..؟ نحن كورد كوردستان نرتبط مع العراق بوثيقة الاتحاد، التي هي الدستور الاتحادي، والتي لم ولن يقل في بنوده بأن كوردستان جزء من العراق، بل قال في ديباجته: إن الالتزام بهذا الدستور يحفظ للعراق اتحاده الحُر شعباً وأرضاً وسيادةَ. أتلاحظ عزيزي القارئ، يقول الكيان العراقي قائم على أساس اتحاد وليس وحدة، والاتحاد لا يقيم إلا باتحاد أكثر من جهة، وهذا الاتحاد كما قال الدستور أنه حُر وليس قسري، بمعنى إذا لم يستطيع الشعبان العيش معاً سيذهب كل إلى وطنه وينتهي الاتحاد نهائياً كما انتهى اتحاد السوفيتي، واتحاد يوغسلافيا، واتحاد تشيك وسلوفاكيا الخ.
31 10 2018
“الوطن هو السند لمن لا ظهر له، وهو البطن الذي يحملنا بعد بطن الأم”