الأمازيغي: يوسف بويحيى
إنه من السخرية ما أعلنته وزارة الخارجية الأمريكية بخصوص مكافأة من يدلهم على مكان قادة العمال الكوردستاني “جميل بايق” و “مراد قريلان” و “دوران كالكان” ،وكأن أمريكا عاجزة على معرفة مكانهم و تواجدهم ،وهي التي لها شبكات إستخباراتية قوية في تركيا و إيران و سوريا و العراق بمعنى تحاصر جبال قنديل من كل النواحي ،والحقيقة هي أن لديها علاقات سرية مع قادة pkk مباشرة دون أي وسيط ،فلماذا كل هذا التضخيم الإعلامي على ثلاث أشخاص جبناء لا يملكون أي مشروع و ليس لديهم أي كاريزما و لا يشكلون أي خطر إلا على الكورد في المنطقة.
هنا تذكرت كلام الرئيس الروسي “بوتين” عندما قال أن أمريكا ترى الماء فوق القمر فكيف لها ألا ترى داعش على الأرض ،وما يقال على قادة pkk نفسه ما قيل على “أسامة بن لادن” و “ابو مصعب الزرقاوي” و “ابو بكر البغدادي” واللائحة طويلة ،
حيث أتذكر لما قصف البرج التجاري الأمريكي و بينما الكل يتهم “بن لادن” قلت مخاطبا أبي كيف لتلك الطائرات أن تخترق أجواء الكرة الأرضية بالعرض من أفغانستان إلى أمريكا؟! ،ولماذا غاب تقريبا 10 000 موظف من جنسيات مختلفة عن العمل بالضبط ذلك اليوم؟! ،ولماذا تم إصطدام الطائرات بالبرج بشكل متوازي و بدقة هندسية رياضياتية عالية أدت بإنهياره كليا؟! ،وبماذا يفسر تفريغ البرج كليا من جميع الأجهزة و الملفات المهمة و الرئيسية قبل الإصطدام؟! ،كلها تساؤلات تفيد أن ما تدعيه أمريكا مجرد خدعة و ذريعة لخلق عدو وهمي إستنادا لفلسفة “مكيافلي” لبلوغ الغاية.
إن التصريحات الأمريكية بخصوص قادة pkk لا تعني الأشخاص بالذات بقدر ما تعني بالدرجة الأولى إيضاح الموقف السياسي الأمريكي ،ولمن يبحث عن الأسباب فالأرجح له أن يضع الإحتمالات وفق المرحلة السياسية التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط عامة و سوريا خاصة.
فقبل موضوع قادة pkk سبقتها تصريحات القيادة الوسطى الأمريكية بخصوص العدوان التركي على مناطق شرق الفرات ،إذ أبدت القيادة رفضها و إستعدادها للدفاع على تلك المناطق ،والغريب في الأمر أنه بعد تصريح القيادة الوسطى الأمريكية لم نرى أية مظاهرة كوردية تابعة للإدارة الذاتية (pkk و pyd) ،بالمقابل توقف القصف التركي لسببين إثنين الأول التدخل الأمريكي ولو بشكل غير رسمي ،والثاني صراع المعارضة السورية الداخلي بين ميليشياتها دون إتفاق كامل لخوض هذه المعركة.
أولا: قد يكون مفاد القرار الأمريكي في قادة pkk بمثابة رسالة إلى تركيا بالتوقف و عدم التجاوز على مناطق شرق الفرات ،بالمقابل تتكفل أمريكا شخصيا بمهمة إبعاد قادة pkk عن هذه المناطق حماية لمصالحها و مناطق نفوذها أولا ،كإشارة رفض أمريكا للتدخل التركي بأي شكل من الأشكال.
ثانيا: قلت سابقا أن مرحلة التسوية السياسية ستكون أمريكا و روسيا مجبرتان على فك الإرتباط بين pkk و pyd ،ذلك من أجل تأهيل الإتحاد الديموقراطي pyd للرجوع إلى الواقعية السياسية التي تعتمدها الإستراتيجية الأمريكية ،وإعادة خلق جو مناسب للأطراف الكوردية من أجل التهدئة و العمل على مشروع ضمن إطار محدد عام.
ثالثا: تزامن هذا بفرض العقوبات الإقتصادية على إيران ذلك لتخفيف الضغط الإيراني على الوسط السياسي السوري و على ألقوى التابعة لها من بينها pkk و pyd ,ولو رجعنا قليلا إلى الوراء سنلاحظ نفس السياسة الأمريكية نهجت في العراق على إيران إبان إقتراب الإنتخابات العراقية.
رابعا: ربما وصل تنظيم العمال الكوردستاني إلى مرحلة ضرورية تتطلب تنويمه و صرف الأنضار عنه بعد أن إنتهت مهمته المؤقتة منذ بداية الثورة السورية إلى الآن ،ولو دققنا جيدا سنلاحظ نفس الشيء حدث مع داعش و قبلها تنظيم القاعدة…،والكل في لائحة الإرهاب ينشط فقط وقت الطلب.
خامسا: إن العقوبات الأمريكية على إيران تدل على ان التفاهمات الروسية الأمريكية تأخد منحا إيجابيا من أجل حل المسألة السورية و تطبيعها دوليا ،بدءا بتنظيم مناطق نفوذ النظام و روسيا و أمريكا أولا ،بينما تبقى مناطق المعارضة السورية معلقة بقرار حاسم أمريكي_روسي ضد تركيا بعد حين.
سادسا: ربما تصريحات أمريكا في حق قادة pkk رسالة قوية خفية تحمل في معانيها رغبة أمريكا في تأسيس كيان كوردي تحت إشرافها دون المس بأمن تركيا القومي ،وهذا ما ظهر واضحا على الإعلام من التخوف التركي حيال التصريحات الأمريكية.
سابعا: نلاحظ أن العقوبات الأمريكية على إيران بمثابة حجر لضرب تركيا إقتصاديا أيضا و إضعافها أكثر ،علما ان إيران كانت دائما الداعم الأول لتركيا في حصاراتها و العكس صحيح ،وكل هذا من أجل أن تعمل أمريكا و روسيا بكل أريحية لأجل تمرير مشاريعهما لحل بعض القضايا المهمة في المسألة السورية ،وإذا دققنا جيدا سنرى نفس الشيء نهجته أمريكا على تركيا في الأشهر الماضية لتمرير ما تريد في العراق و تركيا.
ولكي نعود إلى موضوع تنظيم العمال الكوردستاني ،وشهادة مني فقد قلت قبل سبع سنوات بأن pkk سيستمر سواء بأوجلان أو بدونه ،كما أكدت أنه سيبقى قائما بين الضعف و القوة حتى إذا لم يتبقى فيه كوردي واحد ،كونه مؤسس على شاكلة مافيوية و إرتزاقية دون أي مرجعية إنسانية و أخلاقية و فكرية و إديولوجية…،بالمقابل قلت أن حزب الإتحاد الوطني الكوردستاني بدوره سيستمر على سياساته اللاوطنية حتى إذا توفي “جلال طالباني” وبالضبط هذا ما حدث و يحدث ،وأكدت أن حزب الديموقراطي الكوردستاني لن يستمر في نضاله إلا بقيادة العائلة البارزانية.
كفكرة أخرى لو لاحظنا في مسألة إختيار و صناعة القيادات في الأحزاب الكوردية المزيفة سندرك جيدا أن الأنظمة الإقليمية لا تبحث عن الشخصية الكاريزما و المثقفة لقيادة المرحلة ولو زورا ،بل تبحث على الحلقة الأضعف الجاهلة و المضطربة و العديمة الضمير و الغير مقبولة حتى من حيث الشكل أمثال “اوجلان” و “صالح مسلم” و “الدار خليل” و “كالكان” و “بايق”…،فمادامت الأحزاب يقودها السفهاء فهل هناك حدود لمنظومة السفاهة في المجتمعات و الشعوب ،لهذا فرحيل سفيه يعوضه آخر أسفه منه و هكذا….
إن مشروع أمريكا الكبير الذي سينهج الفوضى الخلاقة لم يبدأ بعد ،ويحتاج للكثير من الوقت حسب ما هو مخطط له على الأرض ،حيث ستكون نقطة بدايته عندما تتحول الحرب إلى ثلاث مواقع هي تركيا و السعودية و مصر ،ذلك لما لكل موقع من أهمية و أبعاد كارثية على نصف مساحة الكرة الأرضية و شعوبها ،ويبقى السؤال هل سيكون إسقاط النظام الإيراني في منتصف المشروع حافزا للشرع في تأجيج الفوضى الخلاقة؟! ،أم أن إيجاد مرجعية أخرى في العراق بحكم عاطفة التاريخ ستكون البديل المفضل لذلك؟! ،علما أن مشروع الحرب الطاحنة أو الفوضى الخلاقة تعتمد على إثارة الحس الديني و الطائفي و العرقي…
وتبقى تساؤلات كبيرة تطرح على الأرض السورية ،بأي شكل من الأشكال سيتم إخراج أو تقليص الجيش الحر المدعوم تركيا؟! ،علما أن خروج و تخفيف المليشيات الإيرانية أسهل ما يكون ،وهل صدقت رؤية القائد التركي “أربكان” السياسية بخصوص مصير تركيا إلى المجهول؟! ،وهل إنقلب السحر التركي على تركيا؟! ،صدقا أني ارى تركيا تعيش فوق برميل بارود قابل للإنفجار في العقود المقبلة ،بالمقابل ارى مستقبلا إيجابيا للكورد إذا احسنوا التصرف و التعامل مع المراحل بذكاء و حكمة.