عندما تفتقر «الشراكة» لمقوماتها….الاخوة الكوردية – العربية مثالاً

شاهين أحمد
منذ نشوء الحزب الديمقراطي الكوردستاني – سوريا في 14 حزيران 1957كأول إطار تنظيمي وأول تعبير سياسي عن إرادة شعبنا الكوردي في سوريا ، تم طرح شعار الاخوة الكوردية – العربية ، بصورة رسمية ، رغبة من قيادة الحزب وإرادتها في العيش الحر والمشترك بين مختلف المكونات السورية ، وبقي الشعار المذكور( الاخوة الكوردية – العربية ) متلازماً مسيرة الحركة السياسية الكوردية وبرامج وأدبيات جميع أحزابها حتى يومنا هذا ، ولكن هذا الشعار بقي شعاراً نظرياً فقط ، كون الطرف الآخر-  وأقصد بالطرف الآخرالمكون العربي بشكل عام والعربي السني بصورة خاصة – في هذه المعادلة الهامة لم يشعرنا يوماً بأنه شريك لنا في هذا الشعار ( الضرورة ) وهذه الاخوة التي ننادي بها ونعمل من أجلها ، كما لم نشعر يوماً بأننا شركاء في هذا البلد ( سوريا ) بالرغم من مشاركتنا الفاعلة في تأسيسه وقيادته وبناءه ، وكذلك مساهمتنا الواضحة وقيادتنا للثورات التي أجبرت المستعمر في الجلاء عن أرضه .
 وبالرغم من ذلك بقيت الحركة التحررية الكوردية في كوردستان سوريا ملتزمة ومداومة على رفع هذا الشعار والعمل من أجله في مختلف مراحل ومحطات نضالها ، واعتبرته جزءاً هاماً من قناعاتها وبرامجها ، كما عملت كل مابوسعها فعله من أجل أن يجد هذا الشعار سبيله إلى التطبيق . ومن الأهمية الإشارة هنا إلى أننا كنا نلقي كامل مسؤولية فقدان الشراكة وغياب إرادة الإخلاص للشعار المذكور- الاخوة الكوردية العربية – على عاتق الأنظمة الشوفينية والحكومات العنصرية المتعاقبة على سدة الحكم في سوريا ، والجميع يعرف أن سورية ظلت على مدار أكثر من نصف قرن تعاني من أحادية حزبية – حزب البعث – وتعددية مكذوبة – الجبهة الوطنية التقدمية – ولم يسمح ببروز قوى سياسية معارضة حقيقية واضحة, فضلا عن منع الوعي السياسي وتعطيل عجلة التنمية الفكرية والثقافية والاجتماعية . ولكن بعد قيام الثورة السورية في 15 / 3 /2011 تأملنا خيراً بحدوث تغيرات ربما تكون عفوية وغيرمدروسة في بدايتها ، لكنها جديرة بدعمها والوقوف إلى جانبها أملاً في حدوث بعض الاختراقات في المنظومة المشوهة التي بناها البعث العنصري طوال أكثر من نصف قرن .
أثناء انطلاقة الثورة تشكلت العديد من المنصات المدنية والثقافية والمنابر والمواقع الإعلامية وكذلك عشرات التنسيقيات الشبابية التي قادت الحراك الجماهيري ، ورفعت شعارات وطنية بعثت برسائل إيجابية للشارع السوري بشكل عام والكوردي بشكل خاص ، شكلت دافعاً إضافياً للشباب الكوردي المتحمس للإنخراط أكثر فأكثر في الحراك الثوري . كما ظهرعدد كبير من الائتلافات الثورية وبعث الروح من جديد في بعض الهياكل الحزبية العربية المنسية ، وعادت بعض الشخصيات الأكاديمية السورية التي كانت تعيش في بلدان المنفى والمهجر للمشاركة في تشكيل الأطر السياسية المعارضة وحتى بعض الأحزاب ذات الميول الدينية التي كانت تشكل حجر الأساس في بنية المعارضة من المكون العربي السني ، حيث رفع الجميع شعارات مختلفة إلى حد بعيد عن تلك التي فرضها البعث العنصري على السوريين وطغت بمفردها على شوارع وساحات الوطن منذ انقلاب البعث في 8 آذار 1963. هذه الظاهرة الجديدة – ظاهرة رفع الشعارات الوطنية – شكلت بارقة أمل لتشكيل لوحة سورية مستقبلية مختلفة عن حقبة البعث الشوفيني . إلا أن المشهد بدأ يتراجع ويرتبك شيئاً فشيئاً مع مرور الوقت ، بعد سيطرة التحالفات التي حصلت بين أجنحة الإخوان المسلمين مع الوافدين من الأجهزة الأمنية لمنظومة البعث الحاكم إلى جسد المعارضة ومؤسساتها المختلفة. وكون الحراك الشبابي الثوري كان يفتقر للخبرة وللقيادة الثورية الموحدة التي يجب أن تقود حركة الشارع, ومن ثم غياب التنظيم الذي يمثله ويتحدث باسمه, والذي شكل ثغرةً كبيرةً في مسيرة الثورة طوال مراحلها المختلفة ، وحتى بعد تشكيل مؤسسات المعارضة المختلفة ونجاحها في كسب التعاطف والإعتراف من جانب نسبة لابأس بها من أوساط المجتمع الدولي . فإن غياب القيادة والتنظيم الثوري شكلا فراغا كبيراً ملأته القوتان الأكثر تنظيما ، وهما الإخوان المسلمون والوافدون من قبل الأجهزة الأمنية لنظام البعث الشوفيني .
وتمكنت المنظومتان القديمتان الآنفتي الذكر – البعث والإخوان المسلمون – من استئناف ضخ السيولة الفكرية والتنظيمية ” الهدامة ” من جديد ، وضربت الشريحة الشبابية التي خرجت إلى الشارع محاولة هدم المنظومتين , ولكن بالرغم من تفجيرها للثورة – الشريحة الشبابية – وتوحدها في نشدان الحرية ومحاولة إسقاط النظام ، إلا أنها تشظت وانقسمت على نفسها وتغلغل في جسدها كوادر مدربة ومكلفة من المنظومتين القديمتين ، وتوزعت منظومة الشباب الثوري بين عشرات الائتلافات الثورية مما سهل على التجاراستغلالها ومهدت دخول الأجندات الإقليمية والدولية على خط الصراع ، ونسي الثوار ترتيب ” أولوياتهم ” ولم يفرقوا بين ” أدوات ” الهدم والبناء في المعركة السياسية الشرسة , فبقيت أبواب مؤسساتها – مؤسسات الثورة – مشرعة ، مما أتاح الفرصة لوجوه النخبة السياسية القديمة للمنظومتين المذكورتين من إعادة إنتاج وتدوير نفسها وعودتها الي قيادة وصدارة المشهد السياسي , وسيطرت من جديد على المفاصل الأساسية لمختلف مؤسسات الثورة ، وتمكنت من حرف الثورة ومن ثم سرقتها واختطافها . وبكل اسف ما نشعر به اليوم هو انهيار وسقوط  لنخب شاركت بعضها في الحراك الثوري وكأن بعض هؤلاء المحسوبين على ” النخب الثورية ” يتزاحمون اليوم ويسارعون الخطى بإتجاه حجزمقاعد لهم في نفس السويات القديمة المشينة للبعث قبل إنطلاقة الثورة ، وذلك لجهة إعادة إجترار نفس ” العليقة المالئة ” التي كان البعث من خلال أجهزته الأمنية يغدق عليهم – على المحسوبين على النخب – مقابل رفعهم لنفس الشعارات الشوفينية ضد بعض المكونات السورية بشكل عام وضد شعبنا الكوردي بصورة خاصة !؟.
سقطت تلك الشعارات – الشعارات الوطنية التي رفعها الحراك الشبابي الثوري – في مستنقع آسن شكله التحالف المذكور – تحالف الوافدين من الأجهزة الأمنية لنظام البعث القاتل والأجنحة المتطرفة للإسلام السياسي– وبدأت عجلة الثورة تعاني من الفرملة ، وتنحرف رويداً رويداً إلى خارج السكة الثورية . وبدأ المشهد المعارض يعاني الارتباك ويزداد معه صعوبة التوقع والتكهن بمستقبله ، وأصبح مصيرالمهمة التي تحملها المعارضة برمتها في مهب الريح .” بكل تأكيد الأسباب التي أدت إلى هذه النتيجة – سرقة الثورة وإنحرافها عن مسارها –  ليست ذاتية فقط وإنما هناك أسباب موضوعية لسنا بصدد شرحها وسردها والوقوف عليها في هذه المساهمة ” .
بمنتهى الصراحة والوضوح نقول للاخوة في المكون العربي بأن الحجج القديمة لم ولن تعد مقبولة أبداً في هذا المجال ، أعتقد أن سنوات الثورة الثماني كانت كافية كي تقوم هذه النخب التي تنتمي إلى المكون العربي السني تحديداً بطي صفحة اللامبالاة ، وتعمل على تغييروتصحيح وتحرير ذهنيتها المشوهة التي بناها البعث العنصري من الشوائب المتراكمة ، وتنقذ قاعدتها الشعبية العريضة ، وتتحمل مسؤولياتها في الدفاع عن قضايا السوريين جميعاً ، كون المكون العربي السني هو الأكبر عدداً من بين المكونات السورية .
نحن نعلم بأن الثورات غالباً مايصاحبها حالة من المخاض السياسي التي تؤدي إلى ظهور ولادات جديدة مختلفة ، حيث تتواجه فيها القوى القديمة والجديدة والتيارات الفكرية والسياسية المختلفة ، والتاريخ حافل بأمثلة في هذا الجانب . ولكن في حالة الثورة السورية ورغم المخاض السياسي ، ولكن بكل أسف لم نلمس أي أمل في حصول ولادات سياسية – تنظيمية جديدة في الاوساط العربية السنية السورية .
الثورات عادة تهدم كل البنى الفكرية والثقافية والاجتماعية والسياسية والأمنية القديمة للمنظومة الحاكمة ، ثم تقيم على أنقاضها بنى  جديدة ، إلا في حالة الثورة السورية ، نلاحظ أن النخب المنتمية إلى المكون العربي بشكل عام و” السني بصورة خاصة ” يرددون نفس شعارات البعث الشوفيني ، ويتلون على مسامعنا نفس الإسطوانة المشروخة للتيارالسلفي المتطرف والمتمثل بالإخوان المسلمين ؟!. 
وهنا من الأهمية بمكان أن نشير إلى أن هناك عاملاً سلبياً إضافياً تمثل في حزب العمال الكوردستاني pkk الذي أدخله النظام إلى بعض مناطق كوردستان سوريا ، ووكله بمهمة ضرب الحراك الثوري الكوردي ومحاولة تحييده عن العمق الوطني الثوري في سوريا عند قيام الثورة السورية ، والذي نجح إلى حد بعيد في تنفيذ مهمته في الإضرار بالمسيرة الثورية في شقها الكوردي . وكذلك لإفشال أية مساعي لجهة التئام الجروح وحصول لحمة وطنية كوردية – عربية . ونجح النظام في استخدامه لـ pkk في إرسال رسائل سلبية للجوار الإقليمي وتخويف المكون العربي من تقسيم سوريا ، علماً أن العمال الكوردستاني وفرعه السوري يعلنون نهاراً جهاراً بأنهم لايحملون أية مشاريع قومية كوردية ، وأن مشروعهم في سوريا وهمي يتمثل في الأمة الديمقراطية – الإيكولوجية ، وشعبنا الكوردي في سوريا كان الأكثر ضرراً من وجود وأعمال pkk .
نحن نعي أن قيام حياة سياسية وتأسيس تعبيراتها التنظيمية في مجتمع غيب عنه الحياة السياسية وعاش حالة من التصحر السياسي طوال أكثر من نصف قرن في ظل الدكتاتورية والشمولية ، تستغرق الكثيرمن الوقت وتتطلب المزيد من الجهود والإمكانات ، وخاصة لمجتمع ” مشوه ” عاش في ظل البعث العنصري الذي شوه وزور كل شيء ، وكذلك فإن بلورة ملامح مشهد سياسي مختلف يحتاج وقتاً أيضاً ، لكن لابد للشريحة الواعية والنخب المثقفة أن تأخذ المبادرة ، وتتحمل مسؤولياتها الوطنية والأخلاقية ، وأن تعمل على تكوين أحزاب حقيقية لمكوناتها ، تمتلك مقومات فكرية وقدرات تنظيمية وتوجهات سياسية ، وقيم ومواقف وطنية مختلفة كلياً عن المنظومتين القديمتين للبعث الشوفيني والإخواني المتطرف اللذين تسببا في هدم البلاد والعباد . 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…