قهرمان مرعان آغا
بعيداً عن التعريفات والمفاهيم عن الشخصية القيادية وكيفية نشوئها أو ظهورها , سواء ما يتعلق بطبيعة الفرد الفطرية والميزات الخُلْقية أو ما يتعلق بالمعارف والتعليم والخبرة و المهارات المكتسبة , بدءاً من العالم ابن خلدون وما يتعلق بالفكر التقليدي في هذا المجال إلى الفكر المعاصر, إنتهاءاً بالدكتور طارق سويدان الذي قضى خمس وعشرون سنة في الدراسة والبحث والتدريس والتدريب في مختلف مجالات القيادة .
ما يحدث في الحركة السياسية الكوردية يجري بعيداً عن الغاية التي أنشأ وتأسـس من أجلها الحزب وهي في حالتنا , النضال في سبيل الحقوق القومية المشروعة للشعب الكوردي في الجزء الكوردستاني الملحق بالدولة السورية ,
وما حدث في البدايات لم تزل ماثلة , تتكرر في الواقع , تجربة الدكتور نورالدين ظاظا , المثقف والسياسي المتنّور الذي حاصره أصحاب الايديولوجيا الطفولية الذين ربطوا نضالهم القومي بالطبقي و أصحاب العقلية القبلية الموروثة بصورتها المشوهة والمشبوهة والتي تتجدد دائماً , بصبغاتها ومظاهرها الخادعة من خلال استحضار تاريخ الحكم الدكتاتوري في سوريا والتهليل لـ عودة النظام المجرم بدعوى استباب الأمن والسلام , مقارنة ما حدث ويحدث منذ سبع سنوات من عمر الثورة السورية . ومن حيث النتيجة تهتم القيادات المتنَفِذة في أحزابها , من أجل ديمومة بقائها في منصبها والتمتع بامتيازاتها وبالتالي الاختفاء ضمن دائرتها الضيقة من الموالين , لحين دورة التجديد ( المؤتمر) الذي ينتج ذاته إذا حالفه التوافق أو ينشق على نفسه إذا تم تصفية الحسابات الكيدية , لأن البشر في بلادنا فوق المحاسبة الحقَّة . لهذا هناك من ينشر الدعاية بحكم التجربة المُرَّة , بأن الشخص الأول في الحزب الكوردي يعمل لنفسه وثانياً لـ حزبه ليستمر في منصبه وأخيراً لقضيته و يؤكدون , لهذا بقيت قضيتنا تراوح مكانها وإن لم تكن قد تراجعت بفضل بقائها أسيرة النزعة الفردانية والحيلولة دون تحولها إلى الفعل الشعبي ,الجمعي المتكامل والمستمر.
لا شك أن العمل السري ونشاط الأحزاب وقيود النضال العلني ساهمت في منع بروز قادة في الساحة السياسية , يتجاوزون السور الزائف للحزب نحو آفاق النضال الجماهيري في إطار حركة مقاومة سلمية متكيفة مع واقع الحال وفق البرنامج السياسي الذي لا إختلاف جوهري فيه بالنسبة لمعظم أحزاب الحركة .
ما يهـمُّنا هنا تسليط موشور الضوء على الشخصية القيادية في الحزب السياسي الكوردي/ الكوردستاني , وصحة وصف المصطلح من عدمه على الأشخاص الذين يعملون في الصفوف المتقدمة من أحزاب الحركة السياسية الكوردية , فطبيعة الأمر يقودنا حتماً إلى بنية التنظيم وهيكليته فيما يسمى بـ (النظام الداخلي) فهي تعود إلى ما قبل قرن من الزمان حيث سيادة الايدولوجيا والفكر الملتزم الذي ينفي ويسحق خلافه ويحظر الإطلاع ومجرد التفكير في مقارنته مع وجوه أخرى مختلفة من الفكر الإنساني , الذي من المفترض أن يتوازى و يتطور مع تقدم الحضارة الإنسانية في مختلف أوجهها الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية .
فالهيئة الحزبية الأولى (اللجنة المركزية,بمكتبيها التنظيمي والسياسي) بسبب بقاء السكرتير واغلب القيادات في مناصبهم لفترات طويلة , ونظراً لوجود أسوء أشكال الديمقراطية في أحزابنا وخاصة فيما يتعلق بآلية التصويت في ظل تكتلات ومحسوبيات تعود إلى عهود البُنى الاجتماعية الغابرة , ما قبل نشوء النظم والكيانات وبسبب استدعاء المتخيل النفسي الموهوم للفرد في شرقنا المستبد بأنه الأفضل والرغبة في شغل المنصب على حساب الكفاءات وعدم تركه والعودة للعمل في الهيئات الأدنى , يحدث الانشقاق وبالتالي تفريخ المزيد من ما يسمى بالقيادات , التي تظهر بفعل الالتفافات و الاصطفافات التي منشئها الصراع على المنصب . فالانشقاقات أصبحت ظاهرة والتناحر أصبح يدور بين الأطراف التي من المفترض ان تشكل بمجوعها حركة سياسية حقيقية في الواقع وليست بالتسمية فقط , تدفع بالعمل السياسي نحو الصراع الجوهري مع الغاصبين والناكرين لحقوقنا القومية وهذا ما يجوز لنا أن نطلق عليه وصف التطور السلبي للحركة السياسية الكوردية في سوريا .
أن معاناة شعب كوردستان كفيلة بصنع قادة أكفاء يتصدرون العمل النضالي , لما يقدمه هذا الشعب من تضحيات ولا تخلى الساحة السياسية من رجال ونساء هم في طور الصعود التراكمي لما أبدوه من ثقة بالنفس وإخلاص في العمل ومثابرة في النضال وسيرة حميدة وسلوك حسن , أصبح البعض منهم محط أمل جماهير الشعب , إذا سنحت لهم فرص تطوير السياسيات لتجاوز الحالة الحزبية نحو الحركة الجماهيرية والتي توفرت حيناً من الزمن , ما قبل الثورة وخلال عامها الاول قبل أن ينجح النظام في فرض الثورة المضادة .
فلا بُدُّ لمن يتصدَّر الساحة والمشهد السياسي أن يكون صادقاً مع نفسه أولاً ومع الآخرين من حوله , بمقدار ما يحمله من مضامين الصدق بما يكفي , حتى مع الأعداء والخصوم .
نشر في جريدة يكيـــتي العدد253 /تموز/2018