إبراهيم اليوسف
1-
تتحرك تركيا منذ أيام، مأخوذة بالنشوة الغامرة، بعد أن خيل إليها أنها قد استطاعت الحصول على الموافقة الأمريكية بغزو منطقة عفرين التي تعد أحد كانتونات الإدارة الذاتية، لاسيما بعد رصيد سابق من أكثر من نجاح مسبق في هذا المنطقة السورية أو تلك، بعيد الثورة السورية، وبخاصة في السنتين الأخيرتين، وتحديداً، منذ المرحلة الثانية من السياسة الأردوغانية المتبعة في سوريا بعيد “صفقة حلب” التي تنازلت بموجبها عن تلك القوات المحسوبة عليها والتي خذلتها، ليكون لذلك تأثيره على مسار الحرب السورية الدائرة، وليتمكن النظام السوري من البدء بمرحلة جديدة، ما كان له أن يصل إليها إلا اعتماداً على قوى وتدابير مناصريه: روسيا وإيران وحزب الله وآلاف المتطوعين العراقيين، بالإضافة إلى هذه الصفقة التي غيرت موازين الواقع، وجعلت النظام يتنفس الصعداء.
وحقيقة، ينظر إلى النوايا التي لم تفتأ تركيا الإعلان عنها، منذ أشهر، بل ومنذ هيمنة الاتحاد الديمقراطي على المناطق الكردية في سوريا، وفق اتفاقات وصفقات معروفة: محلية، وإقليمية، إلا أن وتيرة خطابها المتعلق بمثل هذه الرغبة الكبرى باتت ترتفع أكثر، ولم لا؟ فقد استطاع أردوغان كبح جماح كل مناوئيه داخلياً، وبات الآن بحاجة إلى أمرين: توسيع دائرة حلمه، فطموحاته أكبر من مجرد أن يكون رئيس دولة إسلامية وازنة، وإنما هو الخلف لمهاد سلاطين عثمانيين، وقد سعى منذ بداية الثورة السورية ليكون البلد الجار المنكوب- سوريا- بوابة لتحقيق أحلامه العريضة، وقد جاء فشل انقلاب 17 تموز2016 ليكون إحدى الدعامات التي توحي إليه باتساع دائرة جماهيريته…
إن ظهور الاتحاد الديمقراطي في المشهد السوري دعا تركيا لأن تحتفل بالتخلص من الآلاف من مقاتلي حزب العمال الكردستاني، وفق صفقة معروفة، متوهّمة بأنها تودع هؤلاء إلى حتوفهم، من دون أن تدرك بأنهم سيكونون نواة لقوة كبرى لم يشهدها هذا الحزب في مهاده، وهو ما جعلها لا تكتفي بالتطير من تمكين قوة وتوسع دائرة هذا الحزب، لاسيما بعد أن استطاع وباسم هذا الفرع السوري لحزب العمال، من تعزيز ذاته بما يؤهله، بل بما أهله لتأسيس مقومات دولة جارة جديدة، من خلال استفادته من تناقضات معادلة واقع الحرب والصراعات المختلفة، فراحت أبعد من ذلك، مقدمة التنازل إثر الآخر، والمساومة إثر الأخرى، لتكون مستعدة لبيع كل من هم محسوبون عليها، لقاء إلحاق الأذى بالاتحاد الديمقراطي، وهو ما جعل السياسة التركية تعاني من عقدة كبيرة اسمها- روج آفا- وهي عقدتها المزمنة تجاه الكرد، ومنهم: كرد العراق كما تبين ذلك، على نحو جلي، منذ إعلان الاستفتاء في أيلول الماضي، ومن هنا جاء تنازلها لروسيا، واستجداؤها منها، محاولة التقرب منها، بما يخدش هيبتها، أو يناقض وجودها في حلف الناتو منذ 1952 أي بعد حوالي ثلاث سنوات فقط من تأسيس هذا الحلف.
لا يخفى على أي مراقب للمنطقة أهمية موقع عفرين، ذات الطبيعة الجبلية، التي تمتلك ثمانية عشر مليون شجرة، والتي تعد جنة أرضية غنَّاء، بالإضافة إلى أهميتها عسكرياً، ناهيك عن أن أن غزوها من قبل تركيا سيمكنها من شل نفوذ العمال الكردستاني، والهيمنة على إحدى رئاته الثلاث في”روجافا، وهو ما بات يسلس لها-من خلال وجهات نظر محلليها الاستراتيجيين والعسكرين والسياسيين الأتراك، بعد بداية-موسم الغزل الأردوغاني مع بشار الأسد- هذا الغزل المستجدّ الذي كانت صفقة حلب أحد إعلاناته الواضحة، لقطع مرحلة الحرد، أو العداء، من دون أي اكتراث بمصداقية السياسة التركية التي باتت تفتقده، أمام أعين الملأ، وإن كان هناك بعض السوريين، وكردِّ فعل تجاه سياسات الاتحاد الديمقراطي، ولربما لدواعٍ أخرى، لما يزالوا مراهنين عليها، بالرغم من كل التصدعات التي تعرضت لها السياسة التركية في مستنقع الحرب السورية، منذ اختفاء الضابط حسين هرموش في تركيا عام 2011 وظهوره في التلفزيون السوري ومروراً بصفقة حلب المشار إليها، وحتى مايجري الآن.
ولعل ما يعرقل إقدام تركيا- حتى الآن- على القيام بمغامرة غزو عفرين هو عدم اطمئنانها من الموقفين الروسي الأمريكي من جهة، إذ إن أمريكا لم تزل ترى أن هناك مهمات كبيرة يمكن الاعتماد في تنفيذها على الاتحاد الديمقراطي عبر قواه العسكرية” ي ب ك” أو” ي ب ج” وحتى”قسد” التي تعد تحت سطوتها، كما أن احتمال انعكاس تدخلها العسكري في شؤون كانتون عفرين قد يعرّضها من جهة أخرى لانفجار-البركان الكردي- في الداخل، لأن خذلان تركيا قبل أسابيع قليلة لإقليم كردستان أثرت عميقاً في نفوس كرد تركيا بعامة، بالرغم من أن حزب العمال الكردستاني لم يحاول الاستعانة بهم من خلال دعوتهم إلى القيام بمظاهرات عامة على ماجرى لأشقائهم، لأسباب عديدة، تتعلق بتوجسه من كل مالايخضع له، كأحد استراتيجيات هذا الحزب..!
*هذه المقالة كانت قد وصلت لصحيفتنا “كوردستان” منذ شهر ونصف، ولم تنشر في حينها لأسباب.. وفيها تنبّؤ بالعدوان التركي على عفرين.
*جريدة كوردستان