حاول أن تكون كُردياً ولو لمرَّة واحدة

 ابراهيم محمود
حاول أن تكون كردياً ولو لمرَّة واحدة في حياتك الطويلة، وليس في رأسك أو نفسك، أي ترسُّب من ترسبات خيمة العشيرة، أو حلبة التحزُّب، أو زابوق النسب العائلي، أو دهليز أي تنظيم سياسي يبلبل عليك وعيك، وأنت تنظَر بكامل حواسك وقواك النفسية والعقلية ما يجري حولك ضد كُرديتك من مهاباد إلى آمد، ومن أربيل إلى عفرين، وأمعن النظر في من تخلّوا عن رابطة قومية حدودية، ومذهب حدودي، والتقوا في أمر واحد، رغم اختلاف ألسنتهم ومذاهبهم وعقائدهم وتضارب مصالحهم، وهو ألا تكون أنت: الكردي الذي يحاول ولو لمرة واحدة في التاريخ أن يكون كردي الزمان والمكان، سيّد نفسه ومقرّرها.
حاول أن تكون كردياً ولو لمرة واحدة، فالذي يريد إهانتك أو إذلالك، وهو يستهدف المرأة العفرينية، كما كان شأن المهابادية، الكوبانية، الشنكالية في الأمس وأول أمس وأول أول أمس، يعرف جيداً أنها تعنيك، وإن لم تعبأ بها، يعرف أنها أنها في مقام أمك، أختك، زوجتك، عمتك، خالتك، أي من نسائك الكرديات، وإن لم تفكّر فيها كما يفكّر هو في كل مرة يساء إلى نظيرتها وهي تتكلم لغته، حينها ستدرك جيداً ما يعنيه الشرف الكردي، والوعي الكردي، والمكانة الكردية، والوجدان الكردي ، حينها ستكون على بيّنة من أن الذي يرمي إليه عدوك يوحّدك في امتدادك الجغرافي والتاريخي، وأنت دون وعيه وتقديره لما أنت فيه وعليه.
حاول أن تكون كردياً ولو لمرة واحدة، وأنت تفكّر في أن هناك من يسدّد رمية حقده المميتة على نجمة وحيدة تضيء عليك ليلك، نجمة تحمل بصمتك الكردية في سماء كردية، بموازاة أرض كرية، ليسلّمك لمتاهة ليلية لا قيامة بعدها، أن هناك من يوجّه قذيفة إلى بيتك الوحيد لينهيك أنت وعائلتك، أو لتبقوا في العراء وتنتهوا في العراء، أن هناك العدو الذي يتربص بك وهو يريد استئصال شجرة العائلة المشبعة بعواطف عائلية، وأحاسيس عائلية، وذكريات عائلية، وحيوات عائلية، أن هناك عدوك الأوحد الذي يريد إصابة عنزتك الوحيدة التي منها ترضع صغيرتك، وبالتالي فهو لا يريد قتلها فحسب، وإنما صغيرتك، والنيل منك، كما هو الوضع الآن في عفرين .
حاول أن تكون كردياً ولو لمرة واحدة، وأن تعتبَر نفسك الكردي الأخير في الدفاع عن نفسه، وعما يبقيه كردياً:
أنك الوحيد الذي يشهد على أن جنساً بشرياً تعرّض لأكثر من عمل إبادة، من أكثر من جهة، أن أكثر من محاولة بُذِلت من قبل كثيرين أرادوه كبش فداء لهم، وسعوا إلى محو كل أثر له هو جنسك تحديداً، وأنك الكردي الأخير الذي يمكنه أن يكون الراوية على تاريخ مريع فظيع، لم يدَّخر أعداء بني جلدته جهداً في الإساءة إليهم، وإزالتهم من الوجود، وأنك الكردي الأخير الذي يمكنه أن يبقي اسماً حورب من جهات شتى هو كونه كردياً. تذكَّر أنك الكردي الأخير الذي يمكنه وحده، أن يبقي تلك النجمة مضاءة في سماء وطن لم يتحقق له، وبيت لم يتهدم كلياً بعد، وأن يحول دون استئصال الشجرة من جذورها، وأن يكون حائلاً دون إصابة العنزة التي تغذّي رضيعاً يهمك أمره، والذاكرة الوحيدة التي تجري حمايتها من الانهيار.
لا تقل لا أستطيع، حاول. لا تقل لا أقدر، جرّب..
فقط حاول أن تكون كردياً ولو لمرة واحدة، قبل أن يقوم الطوفان ، قبل فوات أوان المحاولة عينها !
دهوك- في 11-2/ 2018 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

نظام مير محمدي * حوالي ظهر يوم السبت الموافق 26 أبريل (نيسان)، وقع انفجار هائل في ميناء رجائي بمدينة بندر عباس في محافظة هرمزغان، والذي يُعد أحد أهم وأكثر المراكز التجارية حساسية في إيران، مخلفًا أبعادًا واسعة من الخسائر البشرية والمادية. وبينما لم تُنشر حتى الآن، وبعد مرور أكثر من 24 ساعة، معلومات دقيقة وموثوقة حول السبب الرئيسي للانفجار وحجم…

خالد ابراهيم منذ أربعة عشر عامًا، كان الأطفال السوريون يعيشون في مدارسهم، في بيوتهم، في أحلامهم. كان الحلم بالغد أقرب إليهم من أي شيء آخر. وكانوا يطمحون لمستقبل قد يحمل لهم الأمل في بناء وطنهم، سوريا، بكل ما تعنيه هذه الكلمة من عزةٍ وكرامة. كان العلم هو السلاح الوحيد الذي يمكن أن يغير مجرى الحياة. لكن بعد ذلك، غيّرت الحرب…

اكرم حسين لطالما كان الكرد في قلب الجغرافيا الشرق أوسطية أحد أكثر الشعوب تعرضاً للتهميش والاضطهاد القومي، بالرغم من كونهم يشكلون ثاني أكبر قومية في المنطقة بعد العرب، ويملكون تاريخاً عريقاً وثقافة غنية ومطالب سياسية مشروعة في الاعتراف بهويتهم القومية وحقوقهم في الحكم الذاتي أو المشاركة العادلة في السلطة. في تركيا وإيران وسوريا والعراق، تكررت السياسات ذاتها: إنكار…

دلدار بدرخان لم يعد اليوم بالأمر الصعب أن تكشف افتراءات وأضاليل الجهات التي تحاول تزوير التاريخ وتشويه الحقائق كما كان في السابق، فما هي إلا كبسة زر لتحصل على كامل المعلومات حول أي موضوع أو مادة ترغب بمعرفته، ولم يعد الأمر يحتاج إلى مراجع وكتب ضخمة غالبيتها مشبوهة ومغلوطة، بل يكفي الاتصال بالإنترنت، ووجود هاتف بسيط في متناول اليد، وبرنامج…