حسين جلبي
بعد سبعة أعوام من التطبيل والتزمير للثورة والتحرير، ولروجآفا والأمة الديمقراطية وأخوة الشعوب والسروك آبو وباقي المتوالية؛ أزال جماعة ثورة روجآفا في لحظة واحدة القناع عن حكايةٍ رديئة كانت أوهى من بيت العنكبوت، وأزالوا في الوقت ذاته ورقة التوت عن عريهم. فقد تبين لهم بأن ثورتهم المزعومة على نظام الأسد؛ لم تكن قد فطمت بعد عن حليب من ثارت عليه، فتمت دعوته بكل بساطة للقيام بواجبه وإكمال عملية إرضاعها، وبالتالي دعم الثوار الذين ثاروا عليه، وذلك حتى يستمروا في ثورتهم حتى تغيير نظام حكمه حسب زعمهم، والحفاظ على الكيان الوهمي؛ الذي قالوا بأنهم أسسوه على أنقاض سلطته!
منذ ما ينيف عن سبع سنوات؛ ونحن نحذر من شلة من “العواطلجية” الهامشيين الذين تلقفهم نظام الأسد، وأعدهم جيداً وسلمهم مصير الكُرد السوريين؛ لهدفٍ واحد هو إستغلال الكُرد لخدمة أجندته في البقاء في سدة الحكم، لتأتي بعد ذلك دول إقليمية ودولية؛ وتسير على نهج الأسد في إستغلالهم لمصالحها الخاصة، وتستعمل الشابات والشبان الكُرد؛ الذين جندتهم تلك الشلة، بدعمٍ من النظام وقوداً في حروب لا تنتهي، وخاصة ضد كيان داعش الإصطناعي، الذي إنتهى في أقرب حاوية قمامة بعد أن أدى دوره، ويبدو بأن مصير الأدوات جميعها سيكون كذلك، بعد أن قامت بدورها الوظيفي.
لقد حذرنا من إستفراد حزب العمال الكُردستاني بالقرار الكُردي، ومن سيطرته على مصير الكُرد السوريين ومقدراتهم، وإستخدامهم أداة في مغامرات غبية مكشوفة لا تصب سوى في طاحونة الآخرين. وهاهم كُرد سوريا يحصدون اليوم نتاج ما زرعته تلك الجماعة طوال الأعوام الماضية، بعد أن أباحت لنفسها العمل في خدمة نظام الأسد ومن ورائه إيران وميليشياتها؛ وكذلك روسيا وأمريكا، فهاجمت فصائل مسلحة تتواجد في مدن وبلدات عربية، لا بل غيرت حتى أسماء بعض تلك المدن بعد أن قالت بأنها حررتها، وسط تباهي بعض الحمقى “بإنجازاتها” الخلبية تلك، وهاهم من ذهبت تلك الجماعة إليهم في عقر دارهم لقتالهم، وقد وجدوا لأنفسهم بدورهم حليفاً يعينهم عليها، ليدفع الكُرد الثمن بالمحصلة.
وجد حزب العمال الكُردستاني، الذي أرهب الكُرد؛ وأشعرهم بأنه قوة عالمية نفسه وحيداً إذاً، وذلك بعد أن حشرهم معه في الزاوية، إذ إنفض من حوله جميع من خدمهم، حتى أن مسؤولاً في “قوات حماية الشعب” الآبوجية قال مستغرباً، بعد أن وجد بأن الجميع قد صم آذانه عن إستغاثات حزبه بأنهم: “قاتلوا داعش وكالةً عن العالم”، ولكنه لم يقل متى وكله العالم بقتال داعش عنه، وما إذا كان أخذ رأي الكُرد في القتال، أو كانوا قادرين لوحدهم على تحمل عبئ مقاتلة التنظيم الإرهابي، وعن الثمن المسبق الذي كان طلبه للإنخراط في القتال. كما نُقل عن صالح مسلم، المسؤول في حزب الاتحاد الديمقراطي ندائه إلى العالم للتدخل لحماية المدنيين في عفرين، علماً أن مسلماً يتواجد منذ سبع سنوات في أوربا، حتى أنه لم يترك مطبخاً أوربياً يعتب عليه، ولم يوفر ـ مع الطاقة التي حصل عليها نتيجة ذلك ـ مناسبةً إلا وتهجم فيها على إقليم كُردستان؛ والأحزاب الكُردية السورية وخون قادتها، لذلك يتبادر السؤال عن العلاقات الدبلوماسية التي حاكها مسلم وحزبه طوال مدة وجوده في أوربا، وعن دور “سفارات” إدارته في النروج وفرنسا وروسيا وغيرها من الدول، التي قال بأنها إفتتحها وسط تطبيل وتزمير جماعته، وعن التعاطف الذي حصلوا عليه في أوربا مع أجل قضية عفرين العادلة، وعن السبب في عدم ذهابه إلى أصدقائه وزراء خارجية الدول المعنية، بدلاً من توجيه نداء للإستهلاك الفيسبوكي؟
تطلع حزب العمال الكُردستاني إلى راعيه في دمشق إذاً، ووجه له نداءات متكررة للعودة إلى عفرين؛ التي إستلمها منه منذ سبع سنوات، والدفاع عن سيادته عليها كما ذكر، لكن الحزب “الذي بلَّ قصة روجآفا وشرب مائها في لحظة” لم يدرك كما يبدو؛ بأنه لو كان في النظام بعض النفع، لكان قادراً على الدفاع عن نفسه أولاً، ولما إستعان به وبغيره من أجل حمايته ومنعه من السقوط. إلا أن النظام المعروف بخبثه، والذي لسان حاله هو أن عفرين في حضنه الآن، وستعود إليه في نهاية المطاف حتى إذا دخلها الأتراك، إمتنع على علاته حتى عن إرسال قوة رمزية من جيشه المتهالك إليها، بل أرسل قافلة إستعراضية من شبيحته بداعي تقديم العون للحزب، وذلك من باب: “هيك إدارة ذاتية ديمقراطية بدها هيك دعم”، لتحقيق عدد من الأغراض دفعة واحدة، لعل أكثرها مأساويةً هو تعميق الشرخ بين السوريين، وزيادة منسوب الكراهية للكُرد، خاصةً أن موكب الشبيحة المرسل إلى عفرين، والذي راح يهتف بحياة الأسد وسط ترحيب من أنصار الحزب، قد جاء وسط قصفٍ وحشي على الغوطة الشرقية، ما يثور معه السؤال عن العقول التي يمكن أن تصدق؛ بأن قاتل أطفال الغوطة هو من يمكن المراهنة عليه لتقديم العون لأطفال عفرين، ذلك القاتل الذي لا زالت أياديه ملطخة بدماء الكُرد.
يخطأ الكُرد كثيراً إذا إستمروا في التعويل على حزب العمال الكُردستاني؛ الذي إنكشف على حقيقته، وعلى حليفه نظام الأسد؛ الذي قتل مئات الآلالف من السوريين من بينهم كُرد، وهجر الملايين ودمر مدن وبلدات بأكملها. لقد كشفت قضية عفرين الكثير، ولعل آخر ما تم كشفه هو أنه حتى نظام الأسد؛ الذي لم تبقى جريمة إلا وإرتكبها، ينأى بنفسه عن الظهور بمظهر الحليف لحزب العمال الكُردستاني، الذي بادر إلى تقديم فروض الطاعة له. على الكُرد البحث عن حل كُردي أولاً؛ قد يقلل من الخسائر المتوقعة للهجوم التركي الحالي، فالمدينة، كما سبق وإن ذكرنا في مقالٍ لنا في اليوم التالي من مهاجمتها ساقطة عسكرياً، وكل يوم يمر يكلف مزيداً من الضحايا والدمار؛ دون ظهور بارقة أمل لتغيير الإنحدار في الوضع. إن ما يؤسف له وسط كل هذا القتل والتدمير، هو أن تجعل سياسات حزب العمال الكُردستاني وحروبه المشبوهة من نظام الأسد خياراً، لا بل مقبولاً من قبل الكثيرين، والذين بدؤوا بالتطبيل والتزمير له “أي للنظام”، بداعي أنه أفضل من المعارضة، وقد أخذوا ضحايا النظام بجريرة الفصائل التي تتقدم الهجوم التركي على عفرين.