السر في باصات العار

زاكروس عثمان 
لعب الرئيس التركي رجب طيب اردوغان دورا اساسيا في دفع العديد من الفصائل السياسية والمسلحة  الإسلاموية في المعارضة السورية إلى عقد اتفاقات مع  قوات النظام السوري نصت على إلقاء  مقاتلي الفصائل لأسلحتهم وضمان نقلهم إلى ادلب في عمليات سميت الباصات الخضر و التي  اشتهرت بأسم باصات العار، وقد  لعب الأئتلاف السوري المعارض التابع لأنقرة اثرا كبيرا في إجراء هذه العمليات،  وكانت اكبر صفقة بين اردوغان وبشار الأسد وبإشراف روسي هي عملية ضرب حلب ثم تسليمها إلى جيش الأسد والمليشيات الشيعية متعددة الجنسيات وإجلاء من تبقى من عناصر الفصائل المنهزمة في حلب الشرقية  إلى ادلب.
ولكن لماذا غدر اردوغان بالفصائل التابعة له ولماذا وجه مقاتليها الى ادلب تحديدا، بمعنى آخر لماذا انقلبت تركيا على ما يسمى بالثورة السورية وعقدت تحالفا مع العدو الرئيسي للثورة وهي روسيا ولماذا تفاهم سرا مع بشار الأسد.
لقد قرر اردوغان التخلي عن الثورة بل الانقلاب عليها حين وجد ان تطوارت  الازمة السورية اتخذت منحى آخر لا  تناسب اجندة تركيا و لا تلبي مطامحه في بناء سلطنة عثمانية ثانية  بل حدث العكس  حيث تصاعد المد  التحرري الكوردي ليس في جنوب كوردستان فحسب بل كذلك في غربي كوردستان وبات الكورد قوة عسكرية كبيرة وشريك محوري في التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، وهذا ما قض مضاجع اردوغان وبدد احلامه في بناء السلطنة بل وجد ان دولته التركية تواجه خطر الإنكماش، وهذا يفسر تبدل موقفه من إقليم جنوب كوردستان ومعارضته القطعية لحق شعب الإقليم في تقرير مصيره ونيل الإستقلال، كما انه اتخذ نفس الموقف المعادي من الإدارة الذاتية التي اعلنها حزب الاتحاد الديمقراطي في غربي كوردستان وشمال سوريا، وبذلك وجدت تركيا انها وقعت بين نار جنوب كوردستان ونار غربي كوردستان واحتمالات ان تساعد الظروف الدولية على استقلال إقليم  الجنوب وحصول اقليم الغرب على حكم ذاتي او فيدرالية وان يحدث مستقبلا شكل من الاتحاد بين شطري كوردستان الجنوب والغرب ما يؤدي إلى انتقال المد التحرري الى كوردستان الشمال التي تحتلها تركيا، ولهذا قرر اردوغان بيع الثورة السورية  لضرب المشروع التحرري الكوردي ومنع وصوله إلى كوردستان الشمال، واخذ اردوغان يصعد خطاب التهديد ولكن الإدارة الامريكية لم تسمح له بالتدخل العسكري في شمال سوريا حينها بدأت تركيا تعرض خدماتها على روسيا والإتحاد الأوروبي وايران للحصول على غطاء دولي يسمح لها بالتدخل  العسكري في سوريا وقد تأرجح اردوغان كثيرا بين الروس والامريكان وبلغ به الأمر انه في سبيل الحصول على موقع قدم في سوريا اعلن مسرحية عزمه على  محاربة تنظيم داعش وكما هو معروف ان هذا التنظيم الارهابي قد تأسس على يد الاستخبارات التركية ولا يمكن لاردوغان الإستغناء عنه لذلك سحب عدد كبير من عناصر التنظيم إلى قواعدهم في تركيا  والبسهم اسم الجيش السوري الحر  واطلق عليهم عمليات درع الفرات وارسل  دواعش  درع الفرات لمحاربة رفاقهم الدواعش الذين ابقاهم اردوغان ضمن التنظيم  ووقعت مناوشات هزلية متفق عليها بين الجانبين  ادت إلى تبديل المواقع  حيث سلم  دواعش التنظيم جرابلس والباب إلى دواعش درع الفرات وقامت الاستخبارات التركية  بتهريب دواعش التنظيم الى داخل الاراضي التركية، هنا تمكنت وحدات حماية الشعب من إلحاق هزيمة كبرى بالتنظيم في الرقة وكذلك انتهى التنظيم عمليا في العراق بعد هزيمته في الموصل، وادرك اردوغان ان داعش ورقة خاسرة عندها جمع ما تبقى منهم إضافة  إلى الفصائل الاسلاموية واسس من هذه العناصر الإرهابية جسد عسكري جديد تحت اسم الجيش الوطني”الحر” وبعد عمليات  باصات العار ساهم  اردوغان  بشكل فعال  في  عملية  خفض  مناطق  التصعيد بالاتفاق مع روسيا وايران ورضا تام  من  الائتلاف وكان الرابح  الاكبر في العملية هو نظام الأسد، ولم يكن الاتراك  معنيين بالرابح  والخاسر  بل  أراد اردوغان  بحجة  خفض مناطق التصعيد الدخول إلى  ادلب، لانها تقع على الحدود الغربية  لكانتون عفرين الكوردي  والذي يديره حزب الاتحاد الديمقراطي، يتبين من ذلك ان  تركيا  ارسلت جيشها الى ادلب ليس لمراقبة  خفض التصعيد بل لهدفين الاول احتلال عفرين والثاني  الايفاء بالتزاملت اردوغان لموسكو وطهران  حول تمكين جيش بشار  من  إبادة من تم تجميعهم من عناصر الفصائل في ادلب”عش الدبور” ومن ثم سيطرة جيش بشار على آخر معاقل المعارضة الاسلاموية،  وهذا ليس موضوع مقالنا ولكن اشرنا اليه لان اردوغان بتخاذل من الائتلاف باع  ادلب والفصائل التابعة له الى روسيا وايران مقابل السماح له بتنفيذ عملية عسكرية في عفرين، وقد اختار عفرين لاعتقاده انها مستقبلا ستكون الشريان الحيوي ليس لفيدرالية  غربي كوردستان- شمال سوريا فحسب بل كذلك لاقليم جنوب كوردستان وهناك تصور لدى الاتراك أن الكورد عبر عفرين  سوف يحصلون على منفذ على البحر المتوسط ما يعني نجاة غرب وجنوب كوردستان من الحصار الذي تفرضه الدول المحتلة على الكورد، وفق هذا التصور لن يقتصر خسائر الاتراك على الجانب السياسي والامني بل الاقتصادي ايضا، ولهذا يبذل اردوغان ما في وسعه لكسر المقاومة البطولية في عفرين، بهدف تحويلها إلى ولاية إرهابية تتبع السلطنة الثانية وان تعذر عليه ذلك  فسوف يتابع العدوان لاجبار الكورد على تسليم عفرين لجيش بشار، فالمهم بالنسبة لانقرة  ان لا يكون للكورد  وجود حتى على المريخ، ولكن على صخرة المقاومة تتحطم احلام الترك، هذه المقاومة سوف توقظ الضمير العالمي وتجبر الدول الفاعلة على تغيير مواقفها من الهجمة الارهابية.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…