ابراهيم محمود
قرَّة عيني، وفلذَّة كبدي
قلبي عليك، وعلى ما أنت فيه. إن كل ما أسمعتنا إياه صحيح، ولا ندري أنخاف عليك من أنفسنا وما أصبحنا عليه، أم نخاف على أنفسنا منك وما أنت فيه؟ فمنذ أن أصبحت في حدود عفرين، ولا يغمَض لنا جفن، ولا سكينة لروحنا، ولقد نبّهتنا رسالتك الصوتية إلى أمور كانت تحصل لم نكن نعلَم بحقيقتها: الحركة غير المعتادة لوجوه مختلفة وهي تذرع شارعنا جيئة وذهاباً، والشعور بوجوه أخرى، وحتى أعين تركّز على بيتنا: عندما نفتح الباب الخارجي، أو نغلقه، من يأتي لزيارتنا، ومن نودّعه، وهم أهلنا من البلد: مشرَّدون ولاجئون ومنفيون، ولا بد أن هذه الحركة الزائدة قوية الصلة بذهابكم إلى هناك، وأصوات تتناهى إلى مسامعنا في الليل.
لن أتحدث لك يا ” ضناي ” عن كل شيء، خوفاً عليك وعلينا، على أخواتك الصبايا، وأخوتك الصغار وهم يتعلمون في مدارسهم، لا بد أنهم يعلمون بكل شيء، ولهذا زادوا من مراقبتهم لنا، ولكل بيت حاله مثل حالنا.
أشير فقط، إلى بعض مما هو شبيه عندكم، لقد بدنا نخشى الاختلاط، أصبحنا أكثر كتماناً على أمورنا الخاصة، خوفاً من أن تتسرب معلومة إلى الخارج عما يجري، إلى درجة شعورنا الذي أظنه صادقاً، أن هناك من يحاول تسقُّط الأخبار: أي خبر عما هو جديد: ما أخبار” المجاهدين : مجاهديكم “؟ كيف هو حال ابنكم؟ هل يراسلكم؟ ماذا يقول؟ أين هو الآن؟ ماذا تعرفون عنه؟ كيف حال أخوته ” المجاهدين “؟ ماذا يقول عن أولئك ” الكفرة: الأكراد “؟ كيف هي معنوياتهم؟…وأسئلة كثيرة أخرى، ومتلاحقة، هناك شعور بمسدسين ومدسوسات بيننا، فنحاول التحدث في أمور عامة، ونقول بما يسكتهم: الأمور بخير، لا بد أنهم منتصرون. عدا عن ذلك، ينتابنا خوف كبير من تحركاتهم الزائدة، وثمة وجوه نسائية تحاول التقرُّب منا، وتتكلم بلغتنا، لا بل مثلنا” بلهجتنا “، ولا نشك للحظة واحدة أن كل سؤال إنما هو لجس نبضنا، وما يكون خفياً، ويراد معرفته. يا لهؤلاء الملاعين، كيف نالوا منا هكذا؟
الوضع متوتر، والنفوس مشحونة بالترقب والحذر، والأخبار لا تطمئن، وهم يكثفون في اتصالاتهم بنا، في دعوتنا إلى اجتماعات مغلقة معنا، نحن المقيمين في هذه المدينة: يضعون خرائط أمامنا، ويشيرون إلى أسماء، وتتكرر كلمة ” الإرهابيين ” دون تحديد، ويقصدون بهم الأكراد هناك، بأنهم أعداؤنا جميعاً، ويجب أن نتوحد ضدهم، ويخبرِوننا بما هو أخطر من ذلك، وهم يضخّمون في الحديث عنهم، ولزوم التخلص منهم بأي طريقة، حتى يتحقق الأمان ويمكننا الرجوع سالمين إلى ديارنا، وليس هناك حديث آخر غير هذا الهجوم الذي خطَّطوا له.
إنهم يدعوننا إلى الاجتماع كل ثلاثة أيام، ويحذّروننا من وجود من يريدون الإساءة إلينا وقضيتنا، كما يردّدون هكذا، ويشدّدون في كل اجتماع بلزوم الحذر واليقظة، ووجوب إعلامهم بأي حركة يشتبهون فيهم بدعوى أنها لمصلحتنا، ليزيدوا حتى في شكنا في بعضنا بعضاً، إنما وهم يزيدون في مخاوفنا أكثر فأكثر بتحذيراتهم هذه، وفي كل اجتماع تغيب وجوه !
قبل أيام غابت عن حينا عائلة مهاجرة ولاجئة مثلنا، وليس لها أثر حتى الآن، وليس في مقدورنا مجرد طرح أي سؤال عنها، إنها أم وصبية صغار، وأب عاجز عن الحركة، لا بد أن الموضوع له صلة بما يجري، فابنها أيضاً مثلك مشارك في الهجوم، ولا علم لدينا حوله، ربما انشق أو اختفى، أو سلَّم نفسه، وأرادوا الانتقام من عائلته بطرقهم الخاصة.
كن حذراً يا روح أمَّك، فنحن هنا في قبضتهم..وامحُ هذا الصوت فور سماعك له، ولا تراسلنا بعد الآن، أسلم لك ولنا !
أمك الداعية لك بالخلاص من الحالة التي أنت فيها .
10-2/2018