حسين جلبي
(* نُشر هذا المقال في بداية الهجوم التركي على عفرين تحت عنوان “عفرين ساقطة عسكرياًّ، وعلى الكُرد مواجهة الحقيقة”. أعتقد بأن المفيد إعادة نشر المقال؛ وقراءته مرة أُخرى بالعقل بعيداً عن العواطف، وقد تحقق اليوم كل ما ورد فيه بحذافيره. لكنني أود التصحيح بأن الذي سقط فعلياً بعد انتهاء العملية؛ هو نظام الأسد وأداته حزب العمال الكُردستاني، لأن الأخير هو الذي خاض المعركة التي كانت أكبر من مقاسه، بينما بقيت المدينة الكُردية الجميلة واقفة على قدميها وهي تنزف، في معركة لم تكن معركة الكُرد).
يخوض الإعلام الكُردي، والكُرد عموماً معركة عفرين بالتغريدات والبوستات على منصات تويتر والفيسبوك؛ وفي بيوتهم بالطريقة العاطفية ذاتها التي خاضوا بها “أو خضنا بها” معركة كركوك قبل أشهر قليلة، حيث يتساقط الأعداء على أسوارها، وهناك تعاطف من أصدقاء الكُرد معهم، مقابل تخاذل دول قليلة عن نصرتهم، إلى أن كانت النتيجة ـ بالنسبة لإقليم كُردستان ـ اكتشاف وجود خيانة كُبرى بعد فوات الأوان، لعبت مع الصمت الدولي دوراً رئيسياً في خسارة المدينة، والانسحاب من جميع المناطق المتنازع عليها مع العراق.
والحقيقة هي أن مدينة عفرين؛ المكشوفة للطيران التركي تعتبر ساقطة عسكرياً، وخلاصة العمليات العسكرية الجارية حالياً في المنطقة ستكون دخول الجيش التركي؛ ومرتزقته من المسلحين السوريين إلى المدينة، أو تسليمها في أحسن الأحوال إلى نظام الأسد، بعد أن سلمّها الأخير “ذات تحريرٍ” لحزب العمال الكُردستاني قبل ست سنوات، رغم أن خيار قبول تركيا بتسليمها للنظام أخذ يضيق مع مرور الوقت، إن لم يكن تلاشى فعلياً بعد أن أخذ الإعتداد بالقوة الأتراك إلى أقصى الحدود.
فقد نجح الأتراك في تحييد المجتمع الدولي، الذي اجتمع مجلس أمنه أمس؛ ولم يخرج بقرار أو حتى بيان يدين الهجوم التركي، ولم يدعو تركيا إلى وقف هجومها على المدينة، لا بل أن فرنسا ـ صديقة الكُرد ـ التي عقد الاجتماع بناءً على دعوةً منها، أعلنت التزامها الكامل بأمن تركيا وسلامة حدودها. هذا الإجماع جاء تتويجاً لسياسة النأي بالنفس، التي سبق وأن قررت الدول الرئيسية الفاعلة في الملف السوري، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا اتخاذها بشأن العملية التركية في عفرين، في الوقت الذي تؤيد فيه، جميعها دون استثناء، ومن تحت الطاولة العملية بشكل من الأشكال، رغم تحالفها السابق مع قوات الاتحاد الديمقراطي، ذلك التحالف الذي يقوم على أساس دعم الحزب على أساس محاربة داعش حصراً، دون توسعته إلى حد اتفاقية دفاع عن قوات الحزب فيما عدا ذلك.
من جهة أُخرى، يميل ميزان القوة العسكرية لمصلحة الجيش التركي، الذي يكاد يطبق على منطقة عفرين من جهاتها الرئيسية، وقد منحته الأوضاع الدولية المذكورة دفعة جديدة، جعلته غير مستعجل في التقدم نحو المدينة، بل يقوم بالتركيز على خوض حرب استنزاف مع القوة المدافعة عنها، والتي تكاد تكون خطوط إمدادها مقطوعةً، وستضطر إلى الاعتماد على مخزونها الاستراتيجي، مع الإشارة إلى أن سلاح الطيران لعب دوماً دوراً لصالح قوات قسد أو وحدات حماية الشعب التابعتين للعمال الكُردستاني، وهي لن تعينه خلال المعارك الحالية، ولن تكون محايدة حتى، بل سيلعب الطيران دوراً كبيراً ضده. ولن يكون مفيداً التعويل على أخبار تفتقد إلى المنطق، من قبيل أن القصف التركي لأكثر من مئة هدف في اليوم الأول للهجوم، لم يتسبب سوى في إصابة بعض المدنيين بجراح.
الكُرد حالياً في أضعف أوضاعهم. فإقليم كُردستان الذي طالما عولوا عليه، والذي عادته منظومة العمال الكُردستاني؛ وتحتل بعض أراضيه يعيش مخاضاً صعباً؛ ربما سيؤدي به إلى الإنكماش مؤقتاً على نفسه والإلتفات إلى معالجة جروحه، في حين لا يسمع صوت لكُرد تركيا بملايينهم، اللهم سوى قرائتهم سورة الفتح، ودعائهم بالنصر للجيش التركي على الكُرد في عفرين بناءً على نداء أردوغان، هذا بالإضافة إلى حقيقة كون أبنائهم من ضمن عديد القوة التركية التي تهاجم المدينة.
إذاً، لا يملك الكُرد الكثير من الأوراق للعبها. والتعويل على بسالة المقاومة في عفرين لوحده سيكون مكلفاً للغاية، إذ سيتسبب استمرار العمليات العسكرية في سقوط الكثير من الضحايا المدنيين بشكلٍ خاص وإلحاق دمار بالمدينة، إلا أن ذلك كله لن يحرك المجتمع الدولي؛ الذي لا يزال صامتاً أمام مقتل مئات الآلاف من السوريين؛ وزوال مدن سورية بأكملها عن الخارطة. على الكُرد التفكير بحل ربما لا يزال متاحاً، ويحفظ لهم بقية مناطقهم التي يُراد بها الشر، مثلما سبق لإقليم كُردستان وأن إحتوى الخيانة التي حدثت في كركوك، وأنقذ ما يمكن إنقاذه.
وأعود أخيراً إلى التذكير بإندفاعة حزب العمال الكُردستاني، بوجوهه المختلفة كقسد ووحدات حماية الشعب في أراضٍ معظم سكانها من العرب، والمعارك التي خاضها الحزب على أراضي الآخرين؛ استجابة لأجندات إقليمية ودولية؛ لا ناقة لكُرد سوريا فيها ولا جمل، وقد أدت تلك المعارك، إلى جانب الخسائر البشرية الكبيرة في صفوف الكُرد، إلى عدم إبقاء أصدقاء للكُرد في محيطهم السوري، الأمر الذي يتم ترجمته اليوم مشاعر سلبية وعدم تعاطف تجاههم، أو صمتاً مطبقاً تجاه العدوان التركي على عفرين أو حتى رضا عنه، ذلك الصمت الذي إلتزمه الكُرد تجاه هجمات العمال الكُردستاني على الآخرين في غابر الأيام، والذي يدفع الجميع ثمنه اليوم.