إبراهيم اليوسف
“لا أريد لكم أن تختلفوا يابني!!!!
ولكن، إن طرق باب بيتكم عدو، فكونوا يداً واحدة، في مواجهته برغم كل اختلاف وخلاف، غير محمودين…!”
من وصايا أب كردي
ما لاشك فيه، أنه ليس من كردي، إلا وهو متضامن في قرارته، بهذا الشكل، أو ذاك، مع أهلنا في عفرين، يؤلمهم ما يتعرضون له، على أيدي ما بعد داعشيي تركيا، وأزلام أردوغان، من مرتزقة بقايا الجيش الحر الذي بات يحول بندقيته من كتف إلى كتف، على إيقاع – نوع العملة المدفوعة- إسلاموية داعشية كانت، أو خليجية ، أو أممية، أو فاشية طورانية، إلى ما لانهاية لها من جهات ممولة، وهؤلاء أنفسهم لا شأن لهم بالثورة السورية، وهم أكثر من دنسوها،
وما كانت انشقاقاتهم من الجيش السوري، أو ما انضموا إلى ما سمي بالجيش الحر، ومن ثم إلى بقية التصنيفات الأخرى، إلا لأن هناك جهة تدفع ما يفوق ما يعطى لهم من قبل نظام بشار الأسد. إذ إنهم أكثر من عاثوا فساداً، وقتلاً، وفوضى، عبر أعمال قطع الطرق والقرصنة والسطو والخطف، بحق المدنيين، فوجد نظام أردوغان فيهم خير أدوات لتنفيذ مخططه في مواجهة الكرد.
قبل كل شيء، أشير إلى أمرين:
– إن قائمة انتهاكات “ب ي د” لا يمكن لنا أن ننساها – لاسيما في ظل استمرارها- وأنها أثرت إلى حد بعيد على تماسك ووحدة الشارع الكردي، بل والكردستاني، ولا يمكن البرء والمعافاة من آثار سياساته الهوجاء حتى مئة سنة قادمة..
– لم تقدم تركيا على غزو عفرين، رداً على مواجهات “ب ي د” لها، إذ إن “ب ي د” وعلى المدى المنظور، لم تفكر- كما المنظومة التي تنتمي إليها- إلى بناء كردستان، ولم تقدم على ذعر وإقلاق عصفور، أو فراشة في الطرف الكردستاني الملحق بـ “تركيا”، ورأينا كيف أن أردوغان قد هدد إقليم كردستان، بالحصار، والتجويع، وكان سيقدم على غزو الإقليم، لو أن الظروف تآتت، كما فعل، ويفعل الآن، من أجل إبادة شعبنا الكردي في عفرين.
قبل كل شيء: إنني أدرج نفسي، ضمن هؤلاء الذين رفضوا مظالم “ب ي د” في سوريا، وقد سبق وأعلنت عن رفضي لمشروع هذا الحزب، بعيد وثائق فرض كانتوناته، بل إن قناعتي باتت تزداد أن – لا عيش في وطن- يوجد لهذا التنظيم حضور سياسي بنسبة واحد بالمئة، في سلطته، التي تتحكم بها أصابع مخفية، علنية، من “قنديل” ب”الريمونت كونترول”، لأنه مؤسس على إلغاء كل كردي، لا ينصهر في -بوتقته- وفكره، وقد كان وراء- إضعاف- جبهة إقليم كردستان، وإقلاقه، وتأخير تحرير “شنكال” بل إن أخطاره لاتزال قائمة – هناك- بعد أن هزم، تماماً، في ساحته، وبات يعمل على: التعويض عن فشله، بتحقيق حضور وانتصار، اصطناعيين، على حساب الكرد السوريين، ووجودهم، ضمن مكانهم، وعلاقاتهم مع ذويهم، ولقد كان لظهورهم -غير المفاجىء- في بدايات الثورة أثره الخطير، على مسار علاقة الكرد بالثورة، بل وعلى تشبثهم بمكانهم، إذ ارتكبت ومارست ” قنديل- سياسات- التهجير والتصفية والاختطاف، بحق الكرد، لتبقي من يصلح ليكون وقوداً للحرب، أو حاضنة اجتماعية لوجودها عبر “الكادروات”. كما أنني أتفهم، أن حماية “ب ي د” للمناطق الكردية- كانت في جزء منها- لحماية حضوره، وسياساته، وسلطته، باعتبار المحميين، ليسوا أكثر من أدوات، لتمكين فرض سطوته..!
لكن، في المقابل، علينا أن ندرك أن الأوساط التي تعادي “ب ي د” قومجية عروبوية، كانت، أو إسلاموية أخوانية، قاعدية، لا فرق، تفعل ذلك انطلاقاً من ثقافة- فاشية- والمصطلح لدي دقيق- ولا مشكلة لها مع هذا الحزب تحديداً، فلو تسلم زمام الأمور أي طرف كردي، لاتخذت الموقف نفسه منه، إذ لطالما يقول كثيرون، من أوساط النخب السياسية، والثقافية، والحقوقية:
إننا نقبل الكردي مواطناً في دولة- الجمهورية العربية السورية
وهو قناع شعاراتي، لإلغاء الوجود الكردي، في كرديته الصرفة؟؟!!
بل إنه حتى موضوعة تنازل بعضهم عن عبارة: العربية، المضافة قسراً لاسم سوريا، كصفة للجمهورية، إنما هي مؤقتة، لتهدئة بعضنا، على أن يتم تفعيلها بالثقافة: الناصرية، العفلقية، الزكي أرسوزية إلخ، أنى أتيح المجال اللازم، بعد إسقاط النظام الذي لا يختلف هؤلاء عنه، إلا على: كرسيه….!
إن الاختلاف مع “ب ك ك” من قبل الكرد، ليختلف عن ضغينة خصومهم، من غير الكرد- لاسيما السوريون منهم- وذلك، لأن هذا الصنف الأخير تقوَّل عليه، وشوَّه صورته، حتى في لحظات دفاعه عن بيوت أبعاضهم، لتحريرها، وهذا ناجم عن الثقافة المشوَّهة التي تربى عليها هؤلاء. ومن المؤسف، أن بعض الأصوات الكردية، تواصل اختلافها مع منظومة “ب ك ك”- ، في زمن الحرب، نتيجة هشاشة في الوعي، أو عدم تبلور الرؤى، وهم: الأكثرية هنا، أو حتى لإرضاء بعض الجهات غير الكردية، لدواع عديدة – وهؤلاء هم ندرة الندرة- إذ إن أي تشويش، في هذه الفترة الحرجة، غير صحيح، بل ينمُّ عن عدم نضوج فكري، لاسيما إذا أدركنا أن هذا يتم في الوقت الذي تتعرض فيه عفرين لعدوان بربري، وحشي، قذر، من قبل آلة الحرب – ما بعد الحداثية- لدولة لها تاريخ في القتل والإبادة واحتلال خرائط الآخرين، على امتداد بضعة قرون، وهي تتحرك، بموجب تواطؤ دولي غادر، لاسيما من قبل: روسيا- أمريكا اللتين استغلتا “ب ي د” وراحت ضحية ذلك أرواح الآلاف من أبطالنا، وبطلاتنا، ممن هم في المحصلة: أبناء كرد المكان، وليسوا ملكاً لـ “ب ي د” الطارئ على المكان نفسه، وكان من الممكن أن يكونوا قوات تابعة له، لو لم يجهز “ب ي د” على القوى العسكرية، غير التابعة له، والتي سبقته، تشكلاً، لغرض الحماية الذاتية.
حقيقة، لقد استطاعت القوات الكردية في عفرين الصامدة، وسأسميها هنا: ي ب ك و ي ب ج تسجيل الملاحم، ضد الغزو الهمجي: الترك/ إسلاموي، وبمعونة مرتزقة الائتلاف اللاوطني، الذي سقط أخلاقياً، بعد الإجهاز عليه، عبر أخونته، وقاعديته، وبات من اللزام إدراج أسماء واجهاته، مع النظام، في أنهم غدروا بالسوريين، وسرقوه، ولابد من فتح ملفات سرقاته، وتورط كراكوزاته في الدم السوري، ومن بين ذلك، ظهور بعض قادته في قسطل جندو/ عفرين، بالتنسيق مع المخابرات التركية.
إن اختلافنا مع “ب ك ك” يكمن في سياسات هذا الحزب، وليس مع هؤلاء البطلات والأبطال الذين نعدهم ضحايا هذه السياسات نفسها، كما أنه على كل كردي نبيل الافتخار بهم، وهم يذودون عن الشرف والكرامة الكرديين، والوطنيين، بل والإنسانيين، وقد كان على رأس أخطاء هذا التنظيم معاداته لكل منجز كردي، أو كردستاني، وكان في موقفه من إقليم كردستان، وقادته، ناهيك عن موقفه من المجلس الوطني الكردي، ومحاولة تشويهه، واعتقال أعضائه..!؟؟
إذاً، علينا تأجيل كل نقد، أو موقف من “ب ي د”، في هذه الفترة، والوقوف إلى جانبه، في مواجهة المؤامرة “الطورانية” الدولية على الكرد، وعدم الانجرار، إلى ثقافة – ردود الفعل- تجاه سياساته الخاطئة، الظالمة، الكارثية، في الفترات الماضية، والمستمرة منها إلى: الآن، لأن في ذلك وقوفاً إلى جانب قضية شعبنا، إلى جانب شعبنا، وهو ما يفعله أحدنا ب “ضمير ملؤه الراحة”، في ما إذا كان قد اتخذ موقفه النقدي والأخلاقي منه، وهو في ذروة قوته وبطشه وتقديمه الإغراءات.
إن أي موقف سلبي من مقاومة عفرين، لتنمُّ عن ضيق أفق، وعصبية بائسة، لأننا الآن أمام ما تبقى من وجودنا في مناطقنا، بعد أن أدرجت عفرين على قائمة السلخ، لاستكمال تغيير ديمغرافيتها، وهوما يفرض علينا -يقظة- ووعياً في معركة: الوجود أو الزوال، كما أن على “ب ك ك” الانتباه، والعودة إلى مكانه: كردستان الشمالية، وترك شنكال، وبقايا مناطق الإقليم، بالإضافة إلى كف يد قنديل عن التدخل في شؤون كرد سوريا، عبر- ب ي د- الذي تمكنه محاولة إصلاح ما دمرته قنديل، ليس مكانياً – فحسب- وإنما روحياً، أيضاً، وتتحمل سبب كل هذا النكوص، والخراب، بعكس، من يزينون لها ما تقوم به، من مرتزقة عابرين، استوعبتهم، وانفتحت عليهم، منتشلة إياهم من أوساط غير مرغوب فيها، لأسباب كثيرة، بعكس مناضلين حقيقيين، بين صفوفها، لا رأي لهم البتة.
وأخيراً: إنه إزاء المقارنة بين أي عدو لحرية شعبنا، و “ب. ك. ك”، فإنه لابد لنا من الوقوف إلى جانبه، من دون أن نسهو لحظة، عن مهمتنا النقدية، في مكاشفته، بتقديم المرايا، لنريه صورته، وما ارتكبه من: سياسات خاطئة، واغتيالات، وحروب مجانية، لأن مهمته الرئيسة، تكمن في تحرير مكانه، وتحريك شارعه، عبر إعادة الثقة به، ليس عبر وصفة أدواته التي استخدمها في كردستان تركيا، وفي بقية الأجزاء.
*حاولت، تأجيل نشر المقال، إلا أن تبجح أبعاضهم بالمجاهرة، بالتشفي من” ب ي د” مقابل آخرين، ينقدونه نتيجة ألم، على ما آلينا إليه، دفعني إلى نشره، قبل أوانه..