ابراهيم محمود
” Nûroza we pîroz be : نوروزكم مبارك “! وما أكثر ما يكون نوروز ” اليوم الجديد من السنة الكردية ” نقيض محتواه، ما أكثر ما يعيش نوروز فجيعة الاسم الجديد: جلّاد اسمه الفعلي، كما لو أن الاسم المركَّب لا يقبل تهجئة إلا بتقديم أضاح بشرية من نوع خاص، كما لو أن نوروز لم يُحتفَ به إلا ليجدّد حضوره صحبة المزيد من الدماء المهدورة، وطيش الطائشين من دون حساب، كما لو أن طلَّة نوروز استشراف هاوية المفارقات الكردية، لأن الاحتفال بالمناسبة يقتضي قدْراً مطلوباً من ضبط النفس والتروّي، ولليلاف ابنة الصديق الشاعر الكردي دلدار آشتي شهادة من لون دمها النيروزي المعنَّى، وقد أصبحت غياباً أبدياً من دون حضور.
لم أعلم بموتها غير الطبيعي، كما هو شأن الكثير من ميتات الكرد غير الطبيعية، وهو الذي شهد عليه يومُ الثلاثاء” 20-3/ 2018 ” في شارع قامشلاوي، يحمل آلام الكرد أكثر من آمالهم، وقد علِمت بموتها المفجع مؤخراً، وهأنذا أرسل بعضاً من استغرابي المنجرح، وعزائي المقهور في لحظة متأخرة من الزمن، شعوراً مني، أن لحظة كهذه يجب أن يؤرَّخ لها، وربما من باب مؤاساة أخي دلدار آشتي، وأنا أقدّر فيه وجع فقْد وردة روحه المأهولة بالنبض الحياتي، كما لو أنها وقد فارقته إلى الأبد لتزيد في نار تفجعه بما يجري أواراً، وأنا كأب أقدّر فيه هذه اللسعة الأبوية السهمية تجاه فلذات الأكباد، سيما تجاه وردة روح لا تعرف الذبول في روح تزداد رحابة من خلالها، فأي بلسم زمن قادر على مقاومة حرقة ذاكرة الأبوة والبنوة ؟
” Nûroza we pîroz be “: وما أكثر ما يدخل كردٌ بنسب شتى لحظة اقتراب نوروز في غيبوبة الوعي عما يجري، كما لو أن نوروز هذا لا يقبِل، أو ييمّم شطرنا إلا وهو نقيض بابانويل ذي الضياء يحمل في جعبته المزيد من الأوجاع الكردية، ليشتعل القلب الكردي اكتواء باليوم الجديد، كأني به لا يقبل الجديد فيه، إلا بدخول الكرد وفي قسم كبير منهم، في هذا التحرر المحسوس من إدراك اللحظة التاريخية، ومطلبها إلى وعي مضاعف، إعلاماً للآخرين ” غير الكرد ” على أن نوروز رحمة لا نقمة، وفاقاً لا شقاقاً، إيماناً لا عصياناً، وعياً لا نعياً، صعوداً في الحياة، لا انجرافاً في المصائب التي تسمّي غفلة الكرد هؤلاء عما يجري حولهم وفيهم غالباً، وأحدّد من فيهم حمقٌ لا يفصح عن نفسه إلا في إهاب نوروزي وقاحة، كما لو أن المآسي اليومية التي يعيشونها لا تكفيهم، حمق من يكونون ” أسباباً ” لرحيل قسري مباغت لأرواح مقبلة على حياتها العالية، كحال ليلاف” ماء الثلج “، وأنت تلتهب به/ بها.
لا أدري أي قصيدة ستكتبها باسمها أخي دلدار، وكيف ستكون بدايتها أو نهايتها، وكيف ستسعى إلى إيراد اسمها في قصيدتك التي لن تتكرر، كما هو سماء وجهها، وينبوع ابتسامتها البُنيَّتية، وتعالي صبابتها داخل روحك، وأنت مصدوم بجلمود ناري ناتىء وفي هذه الطلة النوروزية، أعني اللحظة التي يصبح فيها الكرد، كما هم دون إدراك لصدوع أسمائهم، وشروخ علاقاتهم، ومفارقات تعاملهم مع مناسباتهم الخاصة، والأخص منها وفيها: نوروز.
وأنت أخي دلدار” حسين ” بهذا المنحدر العمري، وقد شهدت انزلاق عقود من السنين الجارحة داخلك، بحيث لم يعد في مقدور كل المستلهَم الشعري، ولا بلاغة النثر إسنادك لتحسن التسديد في التعبير، شأن آخرين، وفي وضع أفلِت من حدوده، وأنت بمصابك البُنيَّتي، وسط نزيف من القوى الجانبية، وتكون ليلافك ملتقى وجع روحي إضافي شديد الإبانة، لا يخفي وهج ألمه ما بقي عمرك.
كل نوروز وأنت بوجع استثنائي أقل، وحرقة روح أخف، يا بافي ليلاف الذي كنت وستكون ، وعذراً على تأخري في هذه المؤاساة.
دهوك- في 22-3/2018