في احتلال عفرين

مصطفى زين
لعبت الظروف العربية والدولية لمصلحة أردوغان فاحتل عفرين وبدأ التطهير العرقي في المنطقة، تماماً مثلما كان يفعل السلاطين «الخلفاء». كان حلمه قبل سبع سنوات أن ينصب حاكماً موالياً له في سورية. لم يترك وسيلة إلا استخدمها لتحقيق هذا الحلم. سلح عشرات آلاف المرتزقة من مختلف أنحاء العالم. أمَن لهم كل ما يحتاجونه من سلاح ومعدات ومعسكرات تدريب. باسمهم عقد تحالفات إقليمية ودولية لمساندتهم. نظم لهم مؤتمرات في أنطاليا وإسطنبول وأنقرة. رعا تحركاتهم السياسية في أوروبا وأميركا. تزعم مئة دولة باسم «أصدقاء سورية. استغل مسألة النازحين وفقرهم وحاجتهم إلى مأوى ليبتز الاتحاد الأوروبي ببلايين الدولارات، مهدداً بفتح الحدود كي يتدفقوا إلى القارة القديمة المصابة بـ «الإسلاموفوبيا». راهن على الإخوان المسلمين، وهو منهم، لقيادة «الصحوة الإسلامية» في العالم العربي، بدءاً من دمشق، فمنها انطلق كل الفاتحين لتأسيس امبراطورياتهم في الشرق. ومنها انطلق السلطان سليم والسلاطين الآخرون ليصلوا إلى أوروبا.
اختلف الزمان ووزعت جغرافيا السلطنة ونشأت على أنقاضها دول وممالك، واندثرت الإمبراطوريات. لكن دمشق ما زالت تشكل واسطة العقد في المشرق الذي يتعرض لغزوات واحتلالات لم تتوقف منذ تفكيك السلطنة مطلع القرن الماضي، وما قبله. ولنتذكر الحروب الصليبية والاحتلال الفرنسي، بالتفاهم مع بريطانيا. وطبعاً لا ننسى احتلال فلسطين وإنشاء دولة إسرائيل لتكون أهم قاعدة لتقاسم المشرق وإخضاعه.
في الراهن، وبعد احتلال عفرين، ينتظر أردوغان التفاهم مع ترامب لتقاسم النفوذ في سورية، بعدما تخلت روسيا عن تعهدها حماية المنطقة، وانشغلت دمشق في جبهتها الجنوبية. ويطرح التفاهم على أساس تخلي واشنطن عن الأكراد وإتاحة الفرصة أمام الرئيس التركي كي «ينظف» منطقة الحدود منهم، مقابل تعاونه في تنفيذ المخطط الأميركي القديم المتجدد في قطع طريق طهران- دمشق- بيروت وتغيير النظام السوري، في إطار استراتيجية أوسع لتنفيذ «صفقة القرن».
هذا السيناريو الذي أعلنته الولايات المتحدة، وتعمل على تنفيذه، يحتاج إلى تحييد روسيا والقضاء على «إنجازاتها» في سورية، كما يحتاج إلى معارك كثيرة. معارك قد تتحول إلى حروب داخلية تطاول أكثر من دولة في الإقليم. فأكراد تركيا (يقدر عددهم بعشرين مليون) لن يقفوا متفرجين طويلاً على مأساة عفرين وجوارها. وتحركهم في الداخل سيأخذ طابعاً عنيفاً، لأن الطرف الآخر في المعادلة جرت تعبئته ضدهم منذ سنوات، فضلاً عن خوضهم حرب عصابات منذ ثمانينات القرن الماضي للحصول على بعض حقوقهم. في معنى آخر لن تعود علمانية أنقرة تفيدها، بعدما دمرها أردوغان وبدأ «الإخوان» يقودون الرأي العام، وقد استولوا على الصحافة والإعلام. وأصبحوا في مواقع المسؤولية في مؤسسات الدولة والأمن والجيش الذي كان حامي العلمانية ذات يوم.
المسألة الكردية، بالنسبة إلى الولايات المتحدة وتركيا تشكل أساس التفاهم على تقاسم النفوذ في سورية. وهناك طرف يدعو إلى الإفادة من التجربة العراقية لإيجاد حل وسط يرضي الطرفين. فإقليم كردستان المنفصل عملياً عن بغداد على علاقة جيدة مع واشنطن وأنقرة، ولا شيء يمنع أكراد الشمال السوري من تأسيس كيان مماثل خاص بهم، إذ أعلنوا إدارتهم المحلية فيه، بالتعاون مع الأميركيين. وقد يشكل إنشاء هذا الكيان حلاً موقتاً للخلاف بين الدولتين. لكن نتائجه ستكون كارثية على الأمد البعيد بالنسبة إلى أنقرة ودمشق معاً. فالإقليم الموعود سيكون اللبنة الأولى لتقسيم سورية، ومعها تركيا والمشرق، وبداية لانهيار أحلام أردوغان.
احتلال عفرين والسعي إلى التقسيم وصفة سحرية لتجديد الحروب في سورية وعليها.
نقلاً عن صحيفة ” الحياة ” اللندنية ، 24-3/2018

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…

شادي حاجي في عالم يتزايد فيه الاضطراب، وتتصاعد فيه موجات النزوح القسري نتيجة الحروب والاضطهاد، تظلّ المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) طوق النجاة الأخير لملايين البشر الباحثين عن الأمان. فمنظمة نشأت بعد الحرب العالمية الثانية أصبحت اليوم إحدى أهم المؤسسات الإنسانية المعنية بحماية المهدَّدين في حياتهم وحقوقهم. كيف تعالج المفوضية طلبات اللجوء؟ ورغم أن الدول هي التي تمنح…

  نظام مير محمدي * شهد البرلمان الأوروبي يوم العاشر من ديسمبر/كانون الأول، الموافق لليوم العالمي لحقوق الإنسان، انعقاد مؤتمرين متتاليين رفيعي المستوى، تمحورا حول الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في إيران وضرورة محاسبة النظام الحاكم. وكانت السيدة مريم رجوي، الرئيسة المنتخبة للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، المتحدث الرئيسي في كلا الاجتماعين. في الجلسة الثانية، التي أدارها السيد ستروآن ستيفنسون،…

المهندس باسل قس نصر الله بدأت قصة قانون قيصر عندما انشقّ المصوّر العسكري السوري “فريد المذهّان” عام 2013 — والذي عُرف لاحقاً باسم “قيصر” — ومعه المهندس المدني أسامة عثمان والمعروف بلقب “سامي”، حيث نفذ المذهان أضخم عملية تسريب للصور من أجهزة الأمن ومعتقلات نظام الأسد، شملت هذه الصور آلاف المعتقلين بعد قتلهم تحت التعذيب وتعاون الإثنان في عملية…