إبراهيم اليوسف
الطفولة المتخيلة”1″
ما إن قرأت المنشور الذي كتبه الشيخ عبدالقادر الخزنوي على حسابه الفايسبوكي، في يوم 29 يناير الماضي، يبين فيه أنه فقد حوالي عشرين كيلو غراماً من وزنه، فجأة، وراح يطلب الدعاء من أهله، وأصدقائه، ومتابعيه، حتى أحسست بأسى وحزن عميقين، خوفاً عليه، إلا أنني لم أعدم الأمل في أن يعود إلينا سالماً، معافى، ورحت أتابع تواصلي معه، بين وقت وآخر، في مكالمات هاتفية ثنائية، أو ثلاثية مع صديقنا المشترك سليمان خالد، الأكثر تواصلاً معه في الفترة الأخيرة، وظللت أتواصل معه حتى قبل ساعات من غيبوبته، إذ بدا لي أنه بخير، بأكثر من حاله في بعض المكالمات السابقة، بعيد العملية الجراحية التي أجريت له. حيث كانت قامشلي. لقاءات الأهل والأصدقاء في باله، وقلت له ممازحاً: سنعود، ونواصل مسيرتنا في قامشلو، بل قلت له عبارة أخرى لأدخل التفاؤل إلى قلبه
تحدثنا خلال تلك المكالمة العاجلة عن شقيقه الشيخ محمد مبارك، وكان سعيداً أنه بخير، وغير ذلك، وخيل إليَّ أنه قد تجاوز مرحلة الخطر، قبل أن يعلمني صديقنا المشترك سليمان بأن وضعه قد ساء، إلى أن دخل مرحلة الغيبوبة، ما أزاد من توتري عليه، حيث لم أعدم الأمل بعودته إلينا، و لم تغب صورته عن بالي خلال هذه الأيام، كما أنه لم يكن ليغيب عن بالي طوال فترة مرضه، لأنه كان أحد هؤلاء الأصدقاء، الحميمين، المخلصين، المجربين، الذين لم يتغيروا.
لن أتحدث عن العلاقة بين أسرتينا: أسرتنا وأسرة الخزنوي، فبيننا علاقة تاريخية تعود إلى أكثر من مئة سنة في حدود تقديري، بل أتحدث عن علاقتي به، إذ إن اسمه كان يذكر أمامي منذ طفولتي، حيث كان قد مر بالقرية التي ولدت فيها وهي” تل أفندي”، وهو في سنوات طفولته الأولى- عندما كان دون السابعة من عمره- وقبل أن أولد، إذ نزل ضيفاً على بيوت بعض مقربي الأسرة: الحاج سليمان عيسى خضر آغا، والعم سلفيج إبراهيم آغا وبيتنا، يقيم فيها، باعتبار أن له مكانة خاصة في أسرته، ولدى والده الشيخ محمد معصوم، أكبر أنجال الشيخ أحمد الخزنوي. عندما فتحت عيني على الحياة في هذه القرية كان أهالي القرية يتحدثون عن بعض ملامح سيرته، من بينهم أبواي. وكانت العمة الحاجة شمسة معمو، زوجة العم الحاج سليمان، تخاطبني بحنو كبير:
عبدالقادر الثاني
سريع الغضب كالشيخ عبدالقادر
سريع الرضا أين كالشيخ عبدالقادر
وذلك كلما تصرفت كمشاكس، أو فوضوي، متمرد، ما جعلني أسأل، بعد أن تدرجت من سني الطفولة إلى اليفاعة: ما أوجه الشبه بيننا الاثنين؟. لقد صار لكل منا عالمه، باعتبار أن كلاً منا ابن جيل محدد، هو ابن الجيل السابق، وأنا ابن الجيل اللاحق، إلا أن مرجعيتنا الاثنين في العلاقات الأسرية، ولقاءاتنا في بيت عمي الشيخ عبدالقادر شيخ إبراهيم، وبحضور الشيخ معشوق الخزنوي، عززت تواصلنا، لاسيما بعد أن التقيته عن قرب، واطلعت على أفكاره، ومواقفه، بعد أن كنت أسمع بها، عن بعد، سواء عمن حوله في نطاق عمله، أو في الشارع، أو في المحيط الأسري. إذ لم يكف يوماً عن تسمية الأمور بأسمائها، من دون أن يخاف في الحق لومة لائم، ليكون الأول في هذه العائلة ممن يجاهر بآرائه، بعد أن سبقه إلى النضال التنظيمي شقيقه الراحل سيف الدين الخزنوي.
خلال ربع القرن الماضي، بات تواصلي مع الشيخ عبدالقادر يومياً، إذ إنه كان من المنفتحين على المختلفين معه في الرأي:
أنا كنت يسارياً
ولذلك، فإنني أستسيغ أفكارك، ولا أجد أي حاجز بيننا
الخطوط العريضة يا أبا مصلح نلتقي عليها
لكننا، كدنا نلتقي حتى على الخطوط الفرعية، لولا أنه كان جد ملتزم بطقوس العبادة، على نحو دقيق، من دون أن يمنع ذلك من استيعابه لسواه أية كانت آراؤه، إذ إن روحه الإنسانية السمحاء كانت فضاء رؤاه الكبرى، من دون نسيان خصوصيته كقومي كردي، وهي معادلة كان يجيد مراعاتها، من دون أن يغرق في أي بعد من أبعادها. قصص كثيرة رواها لي عنه ذوي: أبي وأمي وعماي، إذ كان جميعهم يشير إلى ذكائه ونباهته إلى جانب سرعة غضبه. الصفة التي شهدتها فيه بنفسي، في ما بعد. فهو سريع الرضا، أيضاً، بل إنه ليملك روح طفل حقيقي:
نحن متشابهان حقاً أقول له:
ما إن أستفزّ أحدهم حتى أفكر بأن أذهب وأطرق باب بيته معتذراً منه، مهما كان حجم أذيته لي. الأذية التي سببت غضبي.
يحدثني عن مواقف له
أحدثه عن مواقف لي
يتبع….!