انتفاضة 12 آذار وبلاغة الدرس الكُردي

عمر كوجري
رغم الأهمية البالغة لانتفاضة 12 آذار والتي انطلقت شرارتها الأولى في الملعب البلدي بمدينة قامشلو العام 2004 إلا أن الأضواء لم تُسلّط عليها كما يجب رغم أن بعض المثقفين والساسة الكرد نشطوا سواء في العاصمة دمشق أو غيرها من المدن السورية، والتقوا بفعاليات سياسية وثقافية سورية، وزيارة الوفد إلى بعض الدول الأوربية لشرح حقيقة الوضع في كوردستان سوريا، والوقوف على مستجدات الأمور بدقّة وموضوعية، ورغم بعض النجاح الذي تحقّق على أيدي الوفد، لكن وبسبب الإمكانيات الضعيفة التي امتلكها الكرد على صعيد التفاعل المباشر والدبلوماسي والالتقاء بشخصيات دولية فاعلة كان من الممكن أن تلعب دوراً في لجم بطش النظام السوري آنذاك، وهذا ما أثر في تقليل فاعلية ذلك التحرك النبيل.
فالقيادة السياسية الكردية اكتفت بإصدار بيانات كانت في غالبها لها طابع التهدئة، ربما لمعرفتها العميقة بالعقل الأمني والاستبدادي للنظام، والتخوّف من توسّع دائرة الانتقام من موضوعة الحجز لأيام وشهور والاستدعاءات الأمنية إلى اجتياح المنطقة الكردية بأسلحة ثقيلة.
منسوبُ حقدِ النّظام على الشّعب الكُردي كان هائلاً، وشعرَ أن أركانه اهتزت، وهو الذي عوّد السوريين على الإقامة في الحالة القطيعية، والتسبيح بألوهية الفرد الرئيس، فقد ارتعب من اهتزاز صورة جبروته في وجدان وقلوب السوريين، ويخشى من تكرار الانتفاضة الكردية التي سرعان ماانتشرت في كل مناطق التواجد الكردي من آخر قرية حدودية إلى معقل النظام ومصدر قوته وإرهابه في دمشق، لاحقاً عمل النظام بكلّ قسوة في تحريك الملف الكردي في سوريا على أساس التباغض وتأجيج الشرخ المجتمعي، وتهديد السلم الأهلي عبر تشجيع باقي المكونات على ضرب الكرد ونهب ممتلكاتهم وحرقها بطريقة هيستيرية وحشية، وهذا ما تبدى على أكثر من صعيد لاحقاً في إصدار قوانين تمييزية خاصة بالكرد، ووقف بيع عقاراتهم، وجعل مناطق واسعة في المنطقة الكردية كمناطق حدودية، إضافة إلى تقصّد قتل بعض العسكريين الكرد ممّن كانوا في الخدمة الإلزامية، والادّعاء أنّهم هم من انتحروا، ولكن الجريمة الموصوفة تبدّت حين قام الكرد بتظاهرات كبيرة لتشييع جثمان الشيخ الشهيد معشوق الخزنوي الذي صفّته النظام لخوفها من كاريزماه العام 2005، فبعد هذه التظاهرة اجتاح الجنجويد السوري ومن مختلف الشرائح غير الكردية، وأغاروا على محلات الكرد في الحسكة وقامشلو وغيرهما، وهذا ما وسّع في من منسوب العداء بين السوريين ككل، والنظام نجح في مخططه الجهنمي ذاك.
في انتفاضة 12 آذار يمكن القول إن الكرد كسروا حاجز الخوف، وكان من الممكن أن يغيّروا وجه سوريا ككل، لكنهم تُركوا وحيدين في المقتلة.
كوردستان 580 – زاوية «العدسة»

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…