الانتفاضة الإيرانية , الجذور , والافاق

عباس سينايي
وكانت الانتفاضة الاخيرة في إيران التي بدأت بشعار “لا للغلاء” في 28 كانون الاول / ديسمبر في مشهد ثاني اكبر مدن إيران بعد طهران التي يبلغ عدد سكانها اكثر من ثلاثة ملايين نسمة و من خلال الترويج لشعاراتها “الموت لخامنئي” و “الموت لروحاني” أظهرت هذه الانتفاضة مدى نضجها وانتشرت إلى أكثر من 140 مدينة في جميع أنحاء إيران على مدى أقل من أسبوعين، واظهرت العديد من الحقائق الهامة التي كانت مغيبة عن الأعين حول إيران و المجتمع الإيراني وحول وضع وحالة النظام. 
وقد كشفت أن الحقائق التي أكدت عليها المقاومة الإيرانية منذ ما يقرب من أربعة عقود، وفي أصعب الظروف، دفعت ثمنا باهظا في سبيل اثباتها ، لذلك يجب أن نعترف بهذه الحقائق وأبعادها وجذورها من أجل ان نتمكن من المسير الى الامام بخطى واقعية وجدية. 
هذه الانتفاضة:
.1 أظهرت أن نظام ولاية الفقيه على خلاف ادعاته وايماءاته الفارغة عن قوته الضاربه ليس له قاعدة شعبية. 
.2 أظهرت أن حريق هذه الانتفاضة متأصل في أعماق المجتمع الإيراني وأزماته، لأن القوى الرئيسية فيها، على عكس انتفاضات الماضي،هم “جيش الجياع” ومن الطبقات وفئات المجتمع المحرومة.
.3 واوضح انه بعد 38 عاما من الحكم الفاسد والقمعي لنظام ولاية الفقيه ، وصل المجتمع الإيراني الى نقطة الانفجار، ولم يتمكن النظام من احتوائه عن طريق عمليات القمع وأمواج عمليات الاعدام المستمرة في السنوات الماضية.
.4 وأثبتت أن الإصلاحات والاعتدال في هذا النظام هي امور لا معنى لها، وأن شعب إيران لم يصدق ابدا هذه الاكاذيب الكبيرة والزائفة حول قصة المعتدلين والاصلاحيين وهم يريدون اسقاط هذا النظام بكل اركانه وفصائله وعصاباته , وقد عبروا عن هذا المعنى في شعاراتهم: “ايها الإصلاحي، وايها المحافظ لقد انتهى عملكم وانقضت ايامكم “.
.5 وقد أثبتت أن الحروب بالوكالة و تدخلات وحروب النظام في دول المنطقة التي كانت تغطى تحت عناوين مثل “الدفاع عن الحرم” و “مساعدة المظلومين” وجميع الجرائم التي ارتكبها هذا النظام في سوريا والعراق وفي اليمن ولبنان، من اجل الحفاظ على حكمه في طهران هو امر مرفوض رفضا قاطعا من قبل الشعب الإيراني الذي ليس له ناقه ولا جمل في هذا الامر. (خامنئي وقادة و رؤوس نظامه قالوا دائما أنه إذا لم يقاتلوا في سوريا، يجب عليهم محاربة الناس في المدن الإيرانية)، وكل وسائل دعاية واعلام النظام لم تكن قادرة على خداع جماهير الشعب الإيراني. (شعار المتظاهرين كان :”اتركوا سوريا في حالها وفكروا في حالنا “)
.6 كما اتضح أن النظام اصطدم بطريق مسدود تماما ولا يملك حلا للهروب من هذه الأزمات.
.7 وعلى صعيد السياسية العالمية، كشفت هذه الانتفاضة عن استجابات متعاطفة و متزايدة من أهم مراكز القوى العالمية، حتى على مستوى الرؤساء ووزراء الخارجية و غيرهم …. وكشفت حالة الانكسار والجمود في سياسات المداهنة و الاسترضاء مع النظام الإيراني، كما اظهرت ان محاولات روحاني وعصابته في السنوات السابقة بارتدائهم عباءات الاعتدال وادعائات الاصلاح الفارغة من اجل ابقاء هذا النظام على قيد الحياة كلها باءت بالفشل وفقدت مصداقيتها تماما. 
.8 هذه الانتفاضة لا يمكن ان نجد لها مثيل في الحركات والتحولات في التاريخ المعاصر حيث استطاعت في فترة قصيرة مقدرة ببضعة ايام ان يكون لها هكذا ردود افعال. 
.9 وأخيرا، والأهم من ذلك، اعترف قادة النظام، بمن فيهم خامنئي، بأن هذه الانتفاضة لم تكن عفوية او من دون خطة او برنامج مسبق بل كانت منظمة بشكل كامل ولها قيادة توجهها وقد تم التدبير والتخطيط لها قبل عدة اشهر من اجل الوصول الى هذه النقطة من البرنامج المخطط. 
لذلك، واستنادا إلى هذه البيانات وعشرات الحالات الأخرى، يمكننا أن نقول بجرأة أن الانتفاضة قد غيرت شكل القضية الإيرانية نوعيا وليس هناك طريق إلى الوراء، والوضع لن يعود أبدا الى ما قبل 28 ديسمبر 2017، والسبيل الوحيد هو المضي قدما والى الامام. ونتيجة لذلك:
يجب أن يقال أن هذه الانتفاضة تقوم على (وجود عدم الرضا بين جماهير الشعب الواسعة والأزمات الاجتماعية والسياسية العميقة، والاستعداد لدفع الثمن)من ناحية ، ومن ناحية اخرى حالة (وجود زعيم واحد والبديل الديموقراطي والمنظمة القيادية و الرائدة على راس هذه الانتفاضة ) فبذلك لن يفصل بين هذه الانتفاضة وبين النصر شىء ابدا وبناءا على ذلك فان هذه الانتفاضة لن تكون حادثة عابرة ومؤقتة بكل تأكيد, وعلى الرغم من كل التقلبات والمخاضات في طريق تقدمها فان شعلتها ستظل متقدة ولن تنطفىء وسوف تستمر حتى اسقاط النظام. 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

مسلم شيخ حسن – كوباني يصادف الثامن من كانون الأول لحظة فارقة في التاريخ السوري الحديث. ففي مثل هذا اليوم قبل اثني عشر شهرًا انهار حكم عائلة الأسد بعد أربعة وخمسين عاماً من الدكتاتورية التي أثقلت كاهل البلاد ودفعت الشعب السوري إلى عقود من القمع والحرمان وانتهاك الحقوق الأساسية. كان سقوط النظام حدثاً انتظره السوريون لعقود إذ تحولت سوريا…

زينه عبدي ما يقارب عاماً كاملاً على سقوط النظام، لاتزال سوريا، في ظل مرحلتها الانتقالية الجديدة، تعيش واحدة من أشد المراحل السياسية تعقيداً. فالمشهد الحالي مضطرب بين مساع إعادة بناء سوريا الجديدة كدولة حقيقية من جهة والفراغ المرافق للسلطة الانتقالية من جهة أخرى، في حين، وبذات الوقت، تتصارع بعض القوى المحلية والإقليمية والدولية للمشاركة في تخطيط ورسم ملامح المرحلة المقبلة…

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…