ماجد ع محمد
يظهر أنه مكتوب على السوريين بوجهٍ عام والكرد بوجهٍ خاص، أن لا يصدقوا أنفسهم بأنهم أُفلتوا من قبضة جهةٍ ما في البلد على أمل التوصل إلى ما كانوا يرغبونه ويتمنون المكوث في حضرته، حتى وقعوا في قبضة جهةٍ أخرى لا تقل عن الأولى قبحاً وجورا، وحيث أن الذين كانوا في الأمس يخفون أبناءهم الشباب في منطقة عفرين بعيداً عن أبصار عسس وأسايش حزب الاتحاد الديمقراطي خوفاً من جر أولادهم إلى التجنيد الإجباري، وبالتالي الموت المجاني في جبهات القتال في صحاري المصالح الغربية بسوريا،
اليوم حتى الكبار والصغار منهم في المنطقة غدوا معرضين للاعتقال لأي سببٍ كان، ولم يعد الخوف مقتصراً على الشباب بهدف زجهم في الحروب التي تتطلب أبدان الشباب حتى يدوم اشتعال مواقدها، إنما غدا الكبير والصغير في عفرين موضوع المساءلة لدى بعض الفصائل التي إلى الساعةِ لا قوانين تسير عليها غير الهوى وتقارير الوشاة، فمزاجياً يعتقلون أبناء المنطقة، ومزاجياً يداهمون المنازل، ومزاجياً يسلبون أغراض أي منزلٍ من المنازل بعد إتهام صاحبه بأنه من الحزب أو قريب منهُ أو عمل معهُ أو صفّق لهُ أو حضر حفلةً من أنشطتهِ أو شرب شايا في مكتبهِ أو التُقطت صورة لهُ أمام لوحة شهيدٍ للحزب أو بجانب صورةٍ للزعيم المُلهم أو أمام شعارٍ يعود للحزب أو إحدى مؤسساته، فأمام هذه المزاجية في التحكم بمصائر الناس، وبأملاك وأرزاق الناس، صار أشد المعارضين لسياسة الحزب السابق يلعن ساعة قدوم تسونامي الحرية التي قال القادم متفاخراً بأنه مَن جلب نسائمها، الحرية التي إلى هذا اليوم لا ينعم في ظلالها المواطن لا بالاحترام ولا بالأمان ولا بالكرامة.
كما أن أذى الطرفين المتضادين أي الإيكولوجي المغادِر والنهبلوجي المقيم حالياً، لم يقتصر على الأرواح والمتاع والممتلكات، إنما حتى بخصوص عودة الأهالي يخال للمراقب، وكأن ثمّة توافق ضمني يتم التعبير عنه سلوكياً بين العدوّين اللدودين في التعامل مع أهالي المنطقة، فمن جهة جماعة الإيكولوجيا أي أنصار حزب الاتحاد الديمقراطي بعد أن انسحبوا من المنطقة وحشروا الناس في المخيمات وحاصروهم ليس فقط بعسس العقيدة، إنما زرعوا حتى الألغام في مضارب ودروب العائدين لمنعهم من التفكير بالعودة، مَن يدري ربما إلى أن يعقدوا صفقةً جديدة مع الجهات الدولية على حساب مصائر ذلك الحشد الذي يتم استغلاله وتوظيفه؟ وكذلك الأمر فجماعة النهبلوجيا أي السّراق الذين تلحفوا برداء الجيش الحر ودخلوا المنطقة بمعية الجيش التركي، حيث يطيب لهم غياب الأهالي عن بيوتهم حتى إشعارٍ آخر، وذلك من ناحيةٍ للإجهاز على ما تبقى من أرزاق الأهالي، ومن ناحيةٍ أخرى من أجل اختيار أفضل الفلل والمنازل في البدات والقرى لتوطين أقربائهم فيها.
ولا ريب أن دهاقنة الأمة الايكولوجية يساهمون تماماً بالتغيير الديمغرافي حاليآ مع جماعة النهبلوجيا، باعتبار أن الإيكولوجي يمنع الأهالي من العودة لقراها لغايات أيديولوجية ومساوماتية صرفة، والنهبلوجي يفعلها لإتمام مهام النهب والسلب والتوطين على أكمل وجه، وما يؤكد ما نشير إليه هو ما يتم على الأرض يومياً من قبل النهبلوجيين في عموم المنطقة، وما يفعله الايكولوجيين في مخيمات على تخوك عفرين وفي مناطق الشهباء بريف حلب، وبالنسبة للإيكولوجيين فقد صرّح بذلك علانيةً أحد حاخاماتهم، ألا وهو آلدار خليل، الذي وبدون أي شعورٍ بوخز الضمير أشار في مقابلة خاصة معه إلى ضرورة عدم عودة العفرينيين إلى ديارهم، بذريعة أنها محتلة من قبل تركيا، ناسياً بأن كل سوريا الآن محتلة ومُصادرٌ قرارها من قبل الدول العظمى وما من شيء اسمه السيادة الوطنية في كل سوريا! ولكن من شبه المؤكد أن غرض آلدار الماوروائي لا يُفهم منه إلاّ لكي تبقى قضية النازحين ورقة مربحة في أيديهم لدى المنظمات الدولية، وكذلك لدى الأقطاب المتحكمة بمصير البلد ككل، حيث أن الرجل وأقرانه في المَجمَع الإيكولوجي الأعظم وبعد أن أخذوا ثمن دماء أكثر من ألف شاب كردي قُتل في خدمة مساوماتهم العقائدية في منبج والرقة ودير الزور، وبعد أن أشبعوا العفرينين بالضرائب على مدار السنوات السابقة، وبعد أن تسببوا بتخريب قراهم ونهب ممتلكاتهم بسبب مقاومتهم الصّورية، يصرون الآن على جعل الأهالي مشردين في مناطق الشهباء وغيرها، حتى يتم استغلالهم إلى أجلٍ غير مسمى، بما أن الفوائد ستدر على الحزب بناءً على دوام تشرد الناس، كما فعل بالضبط حزب العمال الكردستاني بآلاف الكرد البسطاء لسنوات طوالٍ بمخيم مخمور في العراق، وذلك تطبيقاً لما ورد في مدونات زعيم الحزب عبدالله أوجلان تلك الكتابات التي تبجّل التشرد وتحمدهُ.
عموماً أي شخص كردي عفريني يعي ذاته والعالم معاً، بات مُدركاً بأن جماعة الإيكولوجيا لا يعملون منذ أعوام إلاّ بما هو خلاف للعقل والمنطق والسجية البشرية، إذ في زمن الفوضى والفلتان الأمني حتى أكثر الأنظمة المتطورة في العالم لا تمنع الناس من شراء السلاح الفردي لحماية ذاتها من أي اعتداءٍ كان إبان الأزمات التي تعصف بالبلاد، وبهذا الخصوص فحتى رسول التسامح عيسى ابن مريم أوصى بالتسلح قائلاً: ((من له كيس فليأخذه ومزود كذلك، ومن ليس له فليبع ثوبه ويشتر سيفا)) بينما جلاوزة الحشد الإيكولوجي فحرّموا العفرينيين حتى من حيازة السلاح الفردي الخفيف الذي سيحمون به كرامتهم عند اللزوم؛ وبات الناس في الداخل قاب قوسين من الاقتناع التام، بأن كتائب السلب والنهب ليست إلاّ الجزء المتمّم لمشروع رعاع الإيكولوجيا المعني أصلاً بإذلال الأهالي في كرداغ (عفرين)، ولكن تبقى إرادة الشعوب أقوى من أحابيل تجار الأيديولوجيا وسبطانة الرعاع، وكما لفظت عفرين عسس قنديلستان ستلفظ كذلك جلاوزة جنتستان.
ولكن يبقى الذي يحز في نفس كل عفريني مَعني بتتبع خلفية المصائب البشرية التي حلّت بالمنطقة خلال قرنٍ من الزمان، وما يُشغل بالهم ويظل محط تساؤلٍ دائم، هو أن الجهة التي هبّت منها الرياح العاصفة في أكثر من مفرق تاريخي في الفترة التي أعقبت انهيار الدولة العثمانية على المنطقة، هي نفسها التي قدِمَ منها يوماً الشيخ ابراهيم خليل(شيخ أفندي) الذي قاد مع أنصاره تمرداً على الفرنسيين، وسميت حركته آنذاك بثورة المريدين ضد الفرنسيين بين عامي 1936–1939، كما أن مَن سلب عواطف الناس بالأيديولوجيا القومية، واعتقل واحتل عقول الكثير من سكان المنطقة منذ ما يزيد عن عشرين سنة عبر مخانق العقيدة الأوجلانية، واستثمر جل امكانياتهم المادية والمعنوية، واستنزف طاقاتهم البشرية والاقتصادية هو الآخرُ قَدِمَ من نفس تلك الجهة، وكذلك الأمر فإن العاصفة التي هبّت مؤخراً على المنطقة أتت من نفس الجهة، وحيث كان حال الكثير ممن شارك في الغزوة الأخيرة أشبه بالسيل الجارف، إذ بدلاً من جلب الغيثِ والود والأمن والسلام إلى ربوع المنطقة جاؤها وعلامات الرُعب تعلو محيّاهم، وأمارات الشّك والنّيلِ لا تفارق هواجس الكثير منهم، وعقلية الترهيب تكاد تكون الآلية الطاغية بين مجمل آلياتهم في التصرف، وجّل ما يُشغل مخيال الكثير منهم هو ممارسة السطوةِ من جهة، ونهب الأرزاق والممتلكات من جهةٍ أخرى.
ــــــــــــــــــــــــــــ
الإيكولوجيا: علم البيئة، أو علم الأحياء البيئي، وهو يدرس علاقة الكائنات الحية مع بعضها البعض، ومع محيطها أو بيئتها؛ إلا أن استخدامه ههنا يأتي من باب التهكم باعتبار أن الأحزاب الشرق أوسطية التي لا تزال تحبو في مسار الاهتمام بالإنسان ومشاكله، راحت تقلّد شكلياً وصورياً وإعلاناتياً الأحزاب الغربية التي أكملت بناء الإنسان وحقّقت أشواطاً كبيرة في مجال خدمته، ثم انتقلت لاحقاً إلى مجالٍ أوسع، وصارت تولي اهتماماً كبيراً بالبيئة وعموم الكائنات الموجودة في تلك البيئة.
والنهبلوجيا: يعني علم النهب والاِغتنام، ونحتُ الكلمة رُكّب من قبلنا لا حباً بالبُدعةِ، إنما قد فرضهُ علينا الواقع الراهن، وهي أي الكلمة استُخدت بدلاً من كلمة الغزو التي تعني في حقيقة الأمر الغنيمة لدى أغلب من يغير على مضارب أو ديارٍ ما، وذلك باعتبار أن كلمة الغزو لها مدلول ديني صرف في بلادنا، بينما عملية النهب والسلب الحديثة فلم تعد محصورة بأهل الديانات وأتباعها، إنما هي ثقافة الجيوش في بلادنا، وذلك سواءً أكان الجيشُ ذا خلفية دينية أم علمانية.
جنتستان: مِن مفردتي جنة وستان: والمقصود بالكلمة هم بعضُ المؤمنين من عشاق مشهيات الجنة ومغرياتها، من أتباع الديانات السماوية، ممن يكون لديهم الاستعداد التام لارتكاب أشنع الممارسات على الأرض بحق الجماد والعباد، شرط الفوز بالمغانم اللاحقة في الفردوس الإلهي المفترض؛ الفردوس الذي تنفيه النظريات العلمانية، بينما تؤكده في الوقت عينه نصوص الديانات السماوية.