ومرورا بالملف الفلسطيني الذي يواجه تحديا , متشابك المصالح والأهداف , منها الإقليمي ومنها الايديواصولي , الرافض لوجود إسرائيل والمشبع بمفهوم التاريخ وكيفية إرجاعه وإخضاع متغيراته لمفاهيم سادت قبل أربعة عشر قرنا , في زملكان مختلف , وهو هنا ليس فقط يحاول إعادة إنتاج مفهوم للتاريخانية بركائز لا تاريخية , وإنما يعيد اختزال القرار الفلسطيني الوطني وتغيير مصدر اتخاذه , فبدلا من أن يكون مصلحة الشعب الفلسطيني وكيفية انتزاع وبناء الدولة الفلسطينية , بات رهنا بمتغيرات ملفات إقليمية ومصالح أنظمة استبدادية , كانت ولا زالت تعتبر الملف الفلسطيني جزء من أوراق لعبتها الإقليمية ليس إلا.
وانتهاء بالملف اللبناني وتشعباته , وتنوع أطرافه وترابط وتشابك مصالح بعضها , بمعابر خارج حدودها وحتى بالضد من سيادتها اللبنانية , فمن خطورة تشكيل المحكمة ذات الطابع الدولي , واعتبار ما حصل من جرائم واغتيالات موجهة ضد الإنسانية , بمعنى ضرورة تفعيل الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة , وما يعنيه ذلك حيال المتهمين والمشتبه بهم , وما يستتبع ذلك من تداعيات في ضوء القرار الرسمي السوري بعدم تسليم أي مشتبه به , مع انه كان هناك مواقف أخرى سابقا تقول بتسليم كل من تثبت إدانته , وطالما كان هناك ارتياح رسمي من آلية عمل المحقق الدولي براميرتز , إشادة بمهنيته وحيادية التحقيقات التي يجريها .
ويبقى في خضم استحقاقات الوضع الإقليمي , الوضع الداخلي السوري , مؤجلا إلى أشعار أخر , فلا السلطة تمتلك القدرة والإرادة على معالجة ما زرعته بنفسها من أزمات متنوعة , ولا المعارضة بتعدد تلاوينها , استطاعت أن تجد طرف الخيط الذي يمكن أن يقودها إلى فعل تراكمي , يعيد ترتيب وتصحيح ميزان القوى واختلالاته , فهناك مجتمع منتهك السيادة ومغيب ومهدور دمه بكل المقاييس والمعاني , وهناك سلطة أمنية و مستبدة , تعيد إنتاج الهدر والانتهاك , وهناك قوى منتكسة , معارضة , لكن كيف تعارض ؟ ومن الذي تعارضه ؟ وبأي وسيلة ؟ أمور لا تستطيع الإفصاح عنها , هلعا وخوفا من مستحقات سبق وان دفعتها في السنوات الماضية , وبالتالي لا يمكن رؤية معارضة حقيقية تشكل بديلا موضوعيا , يسعى سلميا وبأساليب ديمقراطية , لانتزاع شرعية الوجود , عبر تكريس شرعية المجتمع , وإعادته إلى الحياة , وهذه الإعادة تتطلب فعل تراكميا لنضالات متعددة , تندرج في تأسيس حالة وثقافة تختلف عن ما هو موجود في المجتمع , وما يؤسف له الفكر الناظم لخطاب بعض المعارضات السورية والمبني أساسا على قواعد ارتكاز ثقافة السلطة , من حيث الاقتراب الإيديولوجي والبناء السياسي في الموقف والسلوك , وهو ما يتجلى في قبول الأخر المختلف قوميا وسياسيا وحتى دينيا , ناهيك عن تجلياته الكارثية في تنازل ومساومة البعض حول فحوى إعلان بيروت – دمشق والانضمام إلى خطاب السلطة فيما يخص سيادة لبنان واستقلاله .
أننا إذ نعتبر بأنه من بديهيات العمل المعارض أن يمتلك رؤية سياسية مختلفة في القواعد والمرتكزات , وفي الموقف والسلوك ,من رؤية وخطاب السلطة , ويمتلك أيضا آليات عملية تؤسس لتطبيق برنامجه , حتى ولو كانت في بدايتها خطوة أولى , لكنها تظهر حجم الاختلاف والتباين والمصداقية في الطرح السياسي لسوريا خالية من الاستبداد وتعددية وديمقراطية .
وحتى تستطيع أي معارضة أن تكتسب مصداقيتها ومشروعية وجودها , من المفترض أن تعمل في جهتين , التأسيس النظري لحالتها ورؤيتها وتوجهها , والتطبيق العملي لما تؤمن به , وعبر امتزاج الحالتين يعطيها الشارع الشعبي المشروعية والمصداقية , لكن الكلام النظري عن المشروعية والشرعية , بالاتكاء على القدم والتاريخ غير المنسوب لأحد , ليس بمشروعية رغم انه قد يتيح بعض الخواء العملي في ظل الاستبداد وانكفاء العقل , لكنه لا يولد سوى عقول هرمة لا يمكن أن تشاهد السباق نحو الديمقراطية ناهيك عن المشاركة فيه , وفي هذه الحالة تتطابق حالة بعض القوى العربية مع حالة بعض القوى الكوردية التي تتكأ على الخارج في توصيف نفسها , والتسويغ لاستمرارها , فمثلما هناك في الحالة العربية , القوموية العابرة للقارات , هنا أيضا انشطارات من ذات النوع , تؤسس خطابها ليس على ما يعانيه الشعب الكوردي في سوريا من اضطهاد عنصري وصهر بربري , وإنما على إنجازات هذا الجزء الكوردستاني أو ذاك , بل ويذهب البعض ابعد من ذلك , إلى تسويغ وتبجيل الشخصنة السورية والإشادة بها , ومحاولة تجميل صورة السياسة الأمنية البعثية في الخارج , مع اختزال فج للمطلب القومي الكوردي إلى تطوير منهج بعثي هنا , أو مؤسسة عنصرية هناك .
أننا نعتقد بان السكون الحزبي الكوردي , ينتج التآكل في المكان , سواء تأكل الطرح السياسي وابتعاده عن نبض الشارع الكوردي وعن أساسيات الوجود القومي في سوريا , وصولا إلى تأكل شخصي يعكس تراجيديا القصدية بادعاء الشرعية المسكينة , وبالتالي يتحول البعض إلى دوائر قدسية , أو هكذا يخال لها , قادرة على توزيع هذه الأيقونة أو تلك , أو التبشير بالجنة لهذا , وإعطاءه مفتاحا أو سجل عدلي لذاك ؟ مؤسف هذا العقل غير التكويني , وغير الناضج , أن كان على مستوى الوعي القومي , أو على مستوى الوعي بالذات ووجودها في مجتمع متعدد ومختلف ومتباين .
أننا في تيار المستقبل الكوردي , نقول وبكل وضوح , بأننا لسنا بحاجة إلى تباشير الجنة من سدنة الهياكل الخاوية وعندما نصل إلى مجتمع ديمقراطي , تقر فيه الشرعية بأصوات الرأي العام الشعبي , وقتها سنبارك لهم الأغلبية أن حصلوا عليها , لكننا لن نكون تابعين سوى لقناعاتنا السياسية ومصلحة شعبنا الكوردي كما نراها , والتي تتجسد في عدم المراهنة على نظام قمعي , امني , لا جدوى فيه , بل سنعمل وبكل الوسائل السلمية والديمقراطية على انتزاع الاعتراف بوجودنا القومي كشعب يقيم على أرضه التاريخية , والتمتع بكافة حقوقنا القومية وهويتنا المتمايزة من حيث الثقافة واللغة والسلوك والتكوين , والتي حكما لا نجدها متطابقة مع تطوير تجربة البعث في الإدارة المحلية , بل تتطابق مع ضرورة الإدارة الذاتية لمناطقنا الكوردية في إطار سورية ديمقراطية , مدنية , تعددية وتداولية .
وحتى فيما يخص الدعوة إلى مرجعية كوردية , تمر من أبط هذا أو ذاك , فنحن نعتقد بان حالة المرور الإجبارية هذه , ليست رؤية مؤسسة لأية مرجعية , بل هي رؤية عبثية , تلهي الشارع الكوردي وتديم سيطرة السدنة , ولا مفهوم نضالي أو قومي بين ثناياها , رغم الادعاء بذلك , وهي تتطابق مع مجمل انشطارات الحركة الكردية , التي كان كل مؤتمر تقسيمي فيها يعقد تحت شعار وحدة الحركة الكوردية ؟ ما نعنيه , هو الهدف من هذه المرجعية , اهو تجميعي والية للضبط ؟ ضبط الحراك الجماهيري الكوردي , المتقدم على العقل الحزبي والنافي له , أم هي لتضيع الوقت واللعب على الوتر العاطفي , أم هي فعلا تؤسس لحالة جمعية نضالية تدفع بالعمل المقاوم إلى الأمام , وتراكم خبراته لتصل إلى حالة العصيان المدني , كحالة شعبية , لانتزاع الحق من نظام امني غير معني بالمجتمع السوري ولا بحل أي من قضاياه , ففي الحالة الأخيرة نجد أنفسنا في بدايته , مشاركين وملتزمين , وما عدا ذلك فلا نجد داع لان نشارك في جمعيات تضم سكرتيري اطر أكل عليها الدهر وشرب ؟ ورغم احترامنا لكل شخصيات العمل الحزبي الكوردي , لكننا لا نعالج شخصيات , بل مواقف سياسية , نختلف فيها , ونتباين في الرؤية والتجسيد الميداني , ويبقى المعيار فيما يثبته المستقبل وما يؤطره نضال شبابنا الكورد الذين يتطلعون إلى مستقبل خال من العنف والاستبداد والقهر والإلغاء والاخصاء والاختزال والتدجين …….
الخ .
أننا إذ نعتبر ما حصل مؤخرا من إعادة اعتقال بعض النشطاء الذين وقعوا على إعلان بيروت- دمشق , والتراجع عن إطلاق سراح الباحث ميشيل كيلو , واستمرار اعتقال أنور البني , واعتقال محمود عيسى , خطوة ليس فقط انتكاسية , وإنما تعبر عن صميمية النظام الأمني السوري , ومحددات سياسته الداخلية , التي تعيد إنتاج ذاتها القمعية , وتجسد تراجعها وعزلتها الدولية والإقليمية العربية , عنفا وبطشا داخليا , ولعل الارتباك السياسي وفقدان التوازن في الرؤية للمستقبل , زاد من همجية الأحكام غير القضائية والقانونية التي يبدع فيها البعث القضائي , ولعل أخرها , مهزلة محاكمة كمال اللبواني , والحكم الصادر بحق نزار رستناوي , الذي فاق كل ما تفتقت عنه ذهنية قراقوش في عز أيامه .
أن انتهاك وهدر الإنسان السوري , بات مسلسل مكسيكي لانهاية له , حيث السلطة الأمنية توغل في سلوكها المنافي لمصلحة الوطن السوري ومستقبل أبناءه , مستندة إلى فهمها المستبد وغير المتوافق مع العصر ومع روحية المحافظة في حدها الأدنى على بلد وشعب وسيادة , وما يؤسف له حالة المعارضة الوطنية التي لا زالت هي الأخرى تجتر أساليب مهترئة في مواجهة الاستفحال الأمني الرسمي , وكان قضية الوطن والمواطن باتت تخضع لمعايير المالك الخاص من جهة , والى قدرية المعارضة وانتظارها وهامشية دورها في الدفاع عن إنسانية شعب تهدر كرامته في كل لحظة .
* العدد / 8 / من جويدة المستقبل التي يصدرها تيار المستقبيل الكردي في سوريا