إن إنجاز المهمة القومية كبعد اجتماعي واقتصادي وسياسي وكحلم لم ينته بعد .
وستواصل الشعوب المضطهدة البحث عن الطرق والأساليب الموصلة لهذا الحلم ، بأساليب وتصورات متجددة وآليات مختلفة تنسجم مع روح كل مرحلة، و بدلالات السياسة والتاريخ والواقع و في كل لحظة تاريخية .
لان أية قضية تطرح على جدول أعمال البشرية لا يمكن تجاوزها دون أن تستنفذ ذاتها ، بمعنى عليها أن توصل مشروعها السياسي والاجتماعي والاقتصادي إلى نهايته ، وان تم تجاوزها قسرا تبقى نارا تحت الرماد, يمكن أن تنفجر في أية لحظة ( الاتحاد السوفيتي نموذجا).
من زاوية ما هو مطروح على سلم اولويات البشرية وهي الديمقراطية وحقوق الإنسان سوف تختلف الرؤى في فهم القضية القومية و” الوطنية ” إذ ما تبادر إلى الذهن أو أستحضر الآخر ( وهو غالبا موجود في اللاوعي السياسي الكردي ) بوصفه الخطر الدائم والمنكس للوعود مما يتحول الصراع معه وبصورة غرائزية من صراع سياسي إلى صراع من أجل البقاء
أن القوى الكردية في سوريا كلما مرت بلحظة سياسية منسجمة مع المصالح القومية أو ” الوطنية ” والتي بالضرورة تعبير عن مصالح البشرية بالمعنى الاستراتيجي , ترتبك وتعيش حالة تيه سياسي ناتج عن حالة الاستلاب والخوف وعدم الثقة بالذات والتماهي مع الأخر بالمستوى النظري السياسي والتضاد معه بمستوى التعبئة الإيديولوجية مما يحول الاستراتيجيا إلى حالة بليدة متناغمة مع موقف السلطة والتكتيك مشحون بهواجس الشك والعجز تجاه ” المعارضة ” ………إذا ما المطلوب ؟ .
صياغة استراتيجيا ( المرجعية ) والتكتيكات ( المحددات الآنية للفعل السياسي) الملائمة التي تحول الاستراتيجيا إلى واقع معاش دون أن تعلن عنه.
وهي مهمة تقع على عاتق القوى السياسية لأنها أكثر تعبيرات المجتمع تنظيما (يبدو لي أنها تحاول أن توأد أي تعبير مجتمعي من خلال ضبابية أطروحاتها السياسية !) وشكل الصراع في اللحظة الراهنة متجلى في الحقل السياسي ولان الأحزاب السياسية إذا لم تكن رافعة للوعي المجتمعي ومداركه فأية وظيفة مجتمعية تبقى لها
من هنا تأتي أهمية التأسيس النظري والمعرفي لموضوعة المرجعية الكردية التي تعني باعتقادي إيجاد الوئام بين العقل والواقع بين المشروع والمشروعية بين تلك الأعلام الملونة التي ترفع في كل مناسبة وبدون مناسبة ، وبين برنامج يرى أن حل المسألة القومية مدخل أساس لحل المسألة الديمقراطية؟ !
إذا كان فعلا ُيراد لهذا المشروع أن يرى النور، فلابد أن تشارك به كافة قطاعات المجتمع السياسية ، والثقافية ،والاجتماعية ، دون إقصاء ، أو تهميش لأحد ، وإيجاد آليات مناسبة للمشاركة تتجاوز الآليات الحزبية القائمة على صكوك الغفران والمحسوبيات والتهويش هذا أولا، وثانيا لكي يكون مدخلا جاداً لحل قضايا المجتمع الكردي الثقافية، والسياسية، والاجتماعية، عبر إزالة الإرباك والتشوش في المشروع السياسي الحزبوي الكردي.
يجب أن يطرح المشروع كمنظومة مفاهيمية و فكرية واضحة للنقاش العام دون أن يكون هناك اعتبار للرقيب !!؟؟؟لان القضية تتعلق بمستقبل شعب لا بمستقبل حليف !!؟؟
أما إذا كان يُراد له أن يملئ الفراغ السياسي والثقافي وحتى الإيديولوجي بشكل مؤقت ، بغاية تصدير أزمة الحركة، والحفاظ على وجودها، كهياكل ضمن أطر جديدة شكلا واجترارا للمحتوى ، فهذا لا يحتمل هدر الوقت وقد هدرنا كثيرا في الدعوات الوحدوية والتحالفية والإعلانية و….و…؟!
إن الحقوق القومية لأي شعب كان لا تتعلق بالظروف الموضوعية المحيطة بهذا الشعب ، أو برضى هذا النظام أو ذاك، ولا حتى بمباركة شركائه إن وجدوا، نتيجة التقسيمات الاستعمارية ( كما هو حال الشعب الكردي وواقعه الجيوبولوتيكي المقسم ) وإنما تتعلق بحقائق ثابتة يطرحها الوجود التاريخي والجغرافي والبشري, لذا فإن الحل لأية قضية قومية لا يمكن أن تكون إلا على أساس الحق في تقرير المصير، توافقا مع الحقائق التاريخية والجغرافية والبشرية ، وهذا الحق منسجم مع المواثيق الدولية التي باتت السمة الراهنة للعصر.
يبقى القول أن أية صيغة يختارها هذا الشعب في لحظة تاريخية معينة لتجسيد هذا الحق، يتعلق بمستوى الوعي القومي والظروف الذاتية والموضوعية، وهنا يكمن جوهر البرنامج الانتقالي وترابطه العضوي مع البرنامج الاستراتيجي, الذي يحتاج فكرا مستقلا ، يبحث في الأسس النظرية والعملية، ويوضح بجلاء بين المرحلي والاستراتيجي دون مواربة أو استلاب للآخر(المهيمن)بحجج واهية غيبت الاستراتيجي وسطحت الانتقالي فأنتجت وعيا سياسيا وثقافيا أقل ما يمكن وصفه بوعي أعمى أو تابع، يخلو من أية ملامح وطنية أو قومية.
أدخلت المجتمع الكردي في دوامة الخوف والاستلاب واليأس والضياع.
من هنا تأتي أهمية المرجعية السياسية بوصفها الركيزة المعرفية للخطاب السياسي الكردي الذي يفترض ضرورة التوافق والانسجام مع المشروع الاستراتيجي دون مواربة أو مصادرة للصيرورة التاريخية ومتطلباتها السياسية.
ولأنَ محاولة تجاوز أية قضية مهما كانت الأسباب ( إلباسك مثلا ) من دون أن تستنفذ ذاتها( مشروعها ) كمن يستجير بالرمضاء من النار الرماد, وإن إخفاق أية دعوة فكرية أو سياسية (تمتلك مقومات وجودها ) في تحقيق أهدافها في الواقع نتيجة للظرف المحيط لا تنتهي ، بل تتحول إلى الذات لتشكل طبقة أعمق في طبقات الوعي والإرادة ، تنتظر لحظات الانفجار( انظر تجربة الاتحاد السوفيتي ), لذا تجاوز المشروع القومي مهما كانت الأسباب هي العدمية الفكرية بعينها.
لكن هذا لا يعني محورة العمل السياسي الآني حوله بل تركه في الطبقة العميقة من الوعي لتتحول من السياسة إلى الثقافة، ومن حيز العمل المباشر إلى حيز الهوية ، كفعل تراكمي يتيح له أن يرتقي ويتماسك , بمعنى أن نفكر به دائما ولا نتحدث عنه أبدا على حد قول مونتيل 0
إذن المرجعية المرتقبة تحتاج أولا إلى تأسيس نظري وسياسي وأيديولوجي لتؤهل كل من يحتاجها ( أفراد أو جماعات ) أن يشتق برنامجه النضالي اليومي وفق إمكانياته وقراءته للحظة السياسية الراهنة بهذا المعنى
تأخذ المرجعية حقها ومعناها كمنظومة فكرية وأخلاقية وقيمية ، تنسجم مع حاجات المجتمع ومتغيراته وآفاقه الاستراتيجية، و تساهم بارتقاء الوعي المجتمعي وتراكم الفعل لإنجاز ما هو منوط به.
أما ما هو مطروح الآن من قبل بعض أطراف “الحركة الكردية “فاعتقد أنه لا علاقة له بمفهوم المرجعية كمنظومة قيمية بل رؤية سياسية تنسجم مع حاجات بعض الأطر المؤطرة ، بذهنية مستلبة ، كحالة الاستفياء بظل العربة , أو في أحسن الأحوال كحالة وضع العربة أمام الحصان كممانعة وعطالة أمام أي تعبيرات مجتمعية جديدة
عن جريد المستقبل التي تصدرها تيار المستقبل الكردي